كارلوس بوسونيو.. موت لا مفرّ منه


أمير داود


“ولدت شاعراً، وسأموت شاعراً”، بهذه الكلمات أحب الشاعر والباحث والأكاديمي الإسباني كارلوس بوسونيو (Carlos Bousoño) أن يقدّم نفسه في أكثر من مناسبة قبل أن يرحل مساء الأحد الماضي في العاصمة الإسبانية مدريد عن 92 عاماً.

ترك بوسونيو (1923 -2015) وراءه مجموعة من دواوين الشعر التي خطّ أولها قبل منتصف القرن الماضي، إلى جانب العديد من الدراسات النقدية التي تناولت الحقب الأدبية في إسبانيا ورصدت تحولات مراحلها الانتقالية، وقد بدأها بوسونيو في عمر مبكر، منجزاً دراسة نقدية لافتة عن أعمال بيثنتي أليكساندري (الحائز جائزة نوبل للآداب للعام 1977).
يعرف بوسونيو بانتمائه إلى الحقبة الانتقالية في الشعر الإسباني أو ما بات يعرف بشعراء ما بعد الحرب الأهلية الإسبانية، رفقة غابريل غالايا وخوسيه هييرو وكارمن كوندي وغيرهم، الذين اتسمت أعمالهم الأدبية بالقلق الوجودي والميل إلى التشكيك والنزعة السوداوية.
اتسمت قصائده المبكرة بالإغراق في القلق الوجودي والسعي الى الخلاص، مسكوناً بأجواء ما بعد الحرب الأهلية الإسبانية. أنجز في عمر مبكر مجموعة من دواوين الشعر أهمها: “صعود الحب” (1945) و”ربيع الموت” (1946) و”ليل المعنى” (1957) والتي اتسمت في معظمها بالإحباط والعدمية.

وعلى الرغم من محاولاته المستمرة لتعريف الشعر بوصفه شكلاً للتأمل الموضوعي، إلا أنه في ديوانه “صعود الحب” يتعامل مع الطبيعة كتجربة وجودية خالصة، ثم في ديوانه اللاحق “ربيع الموت” يرى أن تناقضاً شاسعاً يقع في جدوى وجود الجمال والطبيعة في ظل عالم يغرق في الخداع.
يقول في واحدة من قصائد “ربيع الموت”: “في اليوم الأخير، عندما لم يبق شيء ليموت/ من سريري الأخير/ بزغ الحزن/ غامضاً وبعيداً/ قادماً من طفولة ومرح/ حين ذهبنا إلى حدائق وغابات الصنوبر/ كان ثمة ضوء سيموت هناك”.
تيمة الفرح والتفاؤل ظهرت في كثير من أعماله السابقة واللاحقة، نافياً أي تناقض في الأمر: الفرح والرغبة في الحياة شيء لا مفر منه، على حد تعبيره. “انظري إلى السماء. ثمة روح واحدة حزينة تئن/ تظهر وترتفع. الحب ينتظر هناك”، يقول في مجموعته “صعود الحب”. 
تأخذ قصائد بوسونيو شكلاً جديداً وأكثر تعقيداً، وخصوصاً في دواوينه “قصيدة الرماد” (1967) و”العملة مقابل اللوحة” (1973)، والتي يعيد من خلالها تأمل المنطقي واللامنطقي في سعي الإنسان إلى الحب وفهم الذات ومواجهة الموت، وبالرغم من حسّه السوداوي، إلا أنه يواصل البحث في أعماله اللاحقة عن حقيقة الحياة والحب كخيار للخلاص، معلناً أن الحياة عبارة عن هدية تستحق الاحتفاء.
أنهى الشاعر باكورة أعماله الشعرية، بإصداره مجلد الأعمال الكاملة في العام 1998 تحت عنوان “ربيع الموت” مستعيداً به اسم ديوانه الأول.

حاز صاحب ديوان “استعارة من الخروج على القانون” (1990) “جائزة أمير أستورياس” عن الآداب، باعتباره ممثلاً بارزاً من الجيل الاول للشعر الإسباني لمرحلة ما بعد الحرب الأهلية، واعتبر حينها مثالاً للتطور الإبداعي الذي امتازت به أعماله بالإضافة إلى مساهماته اللافتة في مجالي النقد والشعر.
وكان الشاعر قد حصل عام 1952 على جائزتي نقد الشعر الاسباني، وجائزة المقال والشعر الوطنية الاسبانية، وفي عام 1994 حصل على جائزة النقد الأدبي الإسباني. وفي 1997 أعطت مدينة أوفيدو الإسبانية أحد شوارعها اسم كارلوس بوسونيو، تكريماً له على منجزاته المتعددة في مجالات الشعر والنقد واللغويات.
——
العربي الجديد

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *