كيف تصير حيوانًا محايدًا ؟


*تغريد شاور


خاص ( ثقافات )
في دراسة سريعة ، فإن الدعوة إلى أن تصير حيوانا محايدا ليست من باب الشتم أو التقريع ، كما هو المعتاد . أو من باب الانتقاص من قدر الإنسان .
بل هي دعوة لخوض التجربة الطبيعية البدائية ، للحياة .
بمعنى مختزل ، أن تصير حيوانا محايدا ليس بالأمر البسيط ، ولا بالأمر الهين ، إنما يتطلب منك، قلب الطاولة ، على ما هو حاصل ،وعلى ما سيحصل أو ما قد حصل من ارتباك في المعايير ، و في النقطة البيضاء ، في المساحة الشاسعة لكل واحد منا كَبُرت أو صغرت!
أن تكون حيوانا ومحايدا ، يعني أن تتعرف إلى حيثيات الطبيعة بعمق ، أن تفرز هرموناتك بحذر دون هدر ، أن تتفرد بما منح لك بما يوافق طبيعتك وإمكانياتك دون نظر للآخر الأقدر .
يعني، أن تتقن مهارة الوقت الصحيح، فتفهم متى تغازل ، متى تتزاوج ، متى تغير ريشك ، و شعرك ، متى تنتمي إلى مجموعة ،أو متى يحين الوقت الملائم للإنفصال عنها؟!
أن تفهم شغف العيش بدافع الاشتباك والبقاء للأوفى ، أم بدافع الغرام ؟!!
و تتعلم متى وكيف تستخدم جسدك دون تفريط وبحرية ، وبشكل يليق به وبك ، وتمرن صوتك على نوتات مختلفة ، وتتخذ أخيرًا درجة واحدة في السلم ؛ لتكون هويتك و تكن متأكدا أن دونك سيغدو السلم أعرج و أعوج ! 
من المجتمعات الحيوانية تعلم ، أن تستخدم لغة خاصة بجسدك على اختلاف المطروق، مرة للتودد ، و أخرى للتخويف ، و مرات كثيرة للإنقضاض في وقته الصحيح .
وبناءا عليه فإنك لن تجد غزالين أبرزا قرونيهما للإشتباك ، من أجل ظبية جميلة وحيدين في الخلاء ، بل ستجدهما يتبارزان بكل شرفية المحارب ، أمام المجموعة ، لينال وسام استحقاق البطولة .
كذلك سنتظم رؤاك لو احترمت الغزيزي فيك، و طورت المكتسب لأجلك ، فالحسون لا يتغافل عن إصدار تغريداته إذا هم لتحديد موطنه ، ومن ثم لجذب أنثاه ، التي تأتيه وقد تطاير عنها زغبها لمعرفتها أن حسونها وفّر لها الحماية والأمان والحب في مكان كريم خاص.
أما بافلوف سيبتنحى عن الغزيزية وسيفسر سلوك الحصان باعتياده على السير في الطرقات المعبده أنه اكتسابي اعتيادي ، ولكن هذا التفسير لن يقلل من احترامنا للحصان الذي اعتاد صرخات الاطفال وضجيج السيارات، بل سيفتح أعيننا إلى مدنيته ، و تغيير ما لا يمكن ، لأجل تجديد دوره في الحياة .
ولا تختلف كثيرا من الحيوانات عن الحصان في قدرتها على التآلف والتغيير ، أو التعبير عن آداب التزاوج ، بدءا من المغازلة الكيميائية ، كالصوت او الرائحة ، إلى الفيزيائية من اقتراب وابتعاد ، و آداب الصد والهجر ، و احترام حرية اختيار الشريك .
أما مما يطيب تعلمه كفصل مكثف وفصل تدريبي ، هو الموطن ، الولاء له والإخلاص إليه ، فمهما كانت أسباب الهجرة عنه القسرية أو الترفيهية ، فحدود الوطن بالنسبة للحيوان محددة ، ولكل وطن مدرب كبير يحافظ على حدوده ويعلم الصغار أسس المواطنة كمفهوم عملي وليس نظري ، فاسراب الطيور التي تغادر موطنها معتمدة على الفلك في حفظ خطوط النجوم كي تعود إلى موطنها ، مهما تعددت أسفارها أو نأت بها المسافات.
أما في النهاية ونحن لا نتحدث عن مجتمع مثالي خالص ، فإذا ساد الاختلاف وكثرت النزاعات ، فالهجرة هي الملاذ الأخير ،دون أن تفقد الالتزام الشعوري بالعودة، ولا ان تفقد حرية التجربة .
أن تكون حيوانا محايدا ، ليس كما تتخيل أن تأكل وتشرب ، وتنام ولا تفكر ، بل أن تكون قادرا على حفظ دورك ، قادرا على الاهتمام بالآخر ، واحترام ملكيته واختلافه وحدوده ، أن تمر على عدوك وهو بمهابة منك ، لا يجترئ على حقوقك ، لا أن تعمل برأي نابليون اللأمع ” خير الدفاع الهجوم “
بل يعتمد أعتمادا فيزيائيا على أن ” لكل فعل رد فعل مساو له بالمقدار معاكس له بالاتجاه ” في وقته الصحيح الذي أتقنته
أن تكون حيوانا محايدا أن تنال من الطبيعة قدرك وتحافظ عليه دون أنتقاص أو تبرع ، أن تبتسم دون خوف ، ان تضحك دون وجل ، أن تعترف بحبك بكرامة 
أخيرًا..
( أين ما تقول عنه ، أين ما تشير إليه، ما دليلك على أن ما ذكرته موجود حاليا؟)
وهذا الكلام الأخير، سيكون ردي على من سيسأل ” والإنسان ” !!!
______
* كاتبة من الأردن 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *