سليمان الشيخ
على مدى ما يزيد على وجود واستمرار الاتحاد السوفييتي لأكثر من 70 عاما، لم يتم منح جائزة نوبل في الآداب إلا لخمسة من كتابه هم: إيفان بونين إذا ما اعتبرناه سوفييتيا، وحاز الجائزة عام 1933 زمن الطاغية ستالين بعد هجرته من الاتحاد السوفييتي. وبوريس باسترناك (1958). وميخائيل شولوخوف (1965). والكسندر سولجنتسين (1970). وجوزيف برودسكي (1987)، بعد هجرته للولايات المتحدة. علما بأن ثلاثة من هؤلاء كانوا هاجروا إلى خارج الاتحاد السوفييتي واعتبروا من المنشقين.
الجدير بالذكر أن سولجنتسين كتب عن (الغولاغ) أي المنفى، وما عاناه بعض الروس من قساوته وطول العذابات اليومية التي كان يتعرض لها المنفيون، إلا أنه أي سولجنتسين لم يستطع الكتابة، ولم يجر أي مقابلة صحافية أثناء غربته عن وطنه، وعاد إلى روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي.
هذه حصيلة أدباء الاتحاد السوفييتي من جوائز نوبل للآداب، وهو الواسع الأرجاء، المتعدد القوميات والأمم، الذي زخر ـ خصوصا الأدب الروسي ـ منه بعشرات الأعمال التي كانت علامات فارقة ومهمة ضمن الآداب العالمية. فهل كانت الحرب الباردة بين الشرق والغرب هي من أسباب عدم منح جوائز نوبل إلى أدباء كبار في الاتحاد السوفييتي، إن كان في الرواية أو في الشعر والقصة والمسرح؟
من المؤكد أن عشرات الأدباء في الاتحاد السوفييتي السابق، لم يكونوا يحملون المباخر لتجميل وتعظيم ما يفعله ويقوله النظام الرسمي، ولا أدل على ذلك من أن سولجنتسين كتب روايته عن المنافي وسيئاتها التي أودت بكثير من المعترضين على سياسات النظام السابق، واستطاع تهريب الرواية إلى خارج البلاد، ونشرت في عدة بلدان، لينتقل هو ذاته إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
«قارة» أوروبا الشرقية
أما بلدان أوروبا الشرقية التي كانت تدور في الفلك السوفييتي وبعضها خضع للهراوة، فإن المسؤولين عن جائزة نوبل للآداب، لم يكونوا قد «اكتشفوا» تلك «القارة» أدبيا، مع أنها ملاصقة تماما ومتداخلة مع أوروبا الغربية، ولم يتم الإعلان عن منح جائزة نوبل للآداب لأحد من بلدان تلك «القارة»، إلا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، واستقلال وانفكاك علاقات أغلب دول شرق أوروبا مع روسيا، حيث تم الاعلان عن منح جائزة نوبل للآداب للأديبة البولندية فواسكا شيمبوريسكا عام 1996، وتم الاعلان عن فوز المسرحي والشاعر الأديب غونترغراس من ألمانيا الشرقية بالجائزة عام 1999، علما بأن بعض الكتاب اتهم غراس بانضمامه للشبيبة النازية في أيام يفاعته. كذلك فإن هيرتا مولر الرومانية المولد ومن أصول ألمانية، حازت الجائزة عام 2009، وهي التي كتبت أيضا عن المنافي، وعن تحطيم إرادة الإنسان ونشر الخوف والرعب بين الناس أثناء الحكم السابق.
وها هي الجائزة تذهب هذا العام إلى كاتبة من روسيا البيضاء: الصحافية سفيتلانا الكسيفيتش، والدتها أوكرانية ووالدها من روسيا البيضاء، علما بأنها لم تكتب نصوصا إبداعية، بل كتبت نصوصا سردية ومقابلات حية مع مئات الناس، الذين عانوا من كوارث المفاعل النووي في تشيرنوبل، أو من جراء الحرب السوفييتية في أفغانستان، واهتمت كثيرا بتفاصيل الحياة الإنسانية والاهتمامات البسيطة بالحياة اليومية لأناس ليس لهم في الحياة إلا أن يعيشوا ببساطة وقناعة. ومن كتبها: «ليس للحرب وجه امرأة، وأطفال الزنك، والاستجداء تشيرنوبل حوليات العالم بعد القيامة، ومسحورون بالموت، وشهادات أخيرة، ونهاية الرجل الأحمر أو زمن الوهم». وقد حولت بعض أعمالها إلى مسرحيات، كما وترجمت بعض أعمالها أيضا إلى لغات أخرى.
والسؤال هنا: هل تم منح جائزة نوبل للآداب إلى كاتب أو كاتبة، لا يكتبان نصوصا أدبية؟ ومن الذي قال إن الجائزة لا تمنح إلا للأدب الخالص؟ وإلا كيف نفسر منح الجائزة إلى الكاتب يوسف عجنون في نهاية ستينيات القرن الماضي، وهو الكاتب اليهودي الذي كان يكتب بلغة شبه منقرضة هي اللغة اليديشية – لغة تجمع بين العبرية القديمة والألمانية ولغات أوروبية أخرى ـ ، في انحياز واضح للصهيونية العالمية، وهذا دليل على أن للسياسة حضورا في ترجيحات منح الجائزة.
يمكن الإشارة هنا إلى أن أديبين مشهورين ومؤثرين، توهما أنه يمكن لزيارتهما إلى إسرائيل، تسهيل مهمة حصولهما على جائزة نوبل للآداب، كما حصل مع الأديب القيرغيزي السوفييتي جنكيز إيتماتوف، وهو الأديب الذي حاز أعلى الجوائز الأدبية السوفييتية بسبب أعماله المميزة «المنديل الأحمر، المعلم الأول، وداعا يا غوليساري، السفينة البيضاء» وغيرها ـ وذهب في نهاية الثمانينيات إلى القدس المحتلة، كي يقابل رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك اسحاق شامير، أملا في أن يساعد ذلك في الحصول على جائزة نوبل للآداب. والوهم نفسه توهمه الأديب الألباني اسماعيل قدري ـ كاداريه ـ قبل سنوات قليلة، مع أن الأخير كان ربيب النظام الشمولي في بلاده. فهل ما زال هناك من يقول أو يؤكد أن جائزة نوبل للآداب خالية تماما من شبهات التأثيرات السياسية؟
——
القدس العربي