أحمد عثمان
في الأيام الأخيرة من شهر أغسطس الماضي صدرت رواية «الخلاص» لتوني موريسون، 84 عاماً والحائزة نوبل للآداب في عام 1993، عن دار كريستيان بورجوا، باريس.
بعد «بيت» (2012)، تعود توني موريسون إلى الحياة الأدبية بحكاية عن العلاقات القائمة بين أم وابنتها، والتي سوف تدمر مع الوقت حياة بأكملها. الروائية تدرك عالم الطفولة المعذبة، العنصرية، العنف وإعادة البناء.
في روايتها الحادية عشرة، التي تدور في العصر الحالي، تصور موريسون بطلة بلا أي تنازلات شخصيات عاشت حياتها الطبيعية بيد أنها أسرى ذكرياتها وصدماتها النفسية. هنا، صوتها، الذي لا يضاهى، اختار قول الحميمية والحقيقة بتسطير الحدود الضبابية للشخصيات التي تستحوذ عليها بموهبة نادرة. شخصيات هشة تعمل على التحرر من ماضيها، دوماً في حالة قلق، نادراً في سلام مع ذاتها. شخصيات شاردة بين حواجز مؤلمة. ولذلك يتأتى ربما هذا التواطؤ. وهنا، في صفحات الرواية، «تشيع توني موريسون عناصر الواقعية والواقعية المفرطة Hyperréalismeبفوضى سحرية، في مناخ سردي جذاب وشعري، وحتى سامٍ. مرة أخرى، تعرض كتابة شجاعة وحسية التي جعلتها من دون أدنى شك أكبر الروائيات المعاصرات»، كما كتبت ليزا شيه.
«الخلاص» رواية ساحرة، محيرة أحياناً، جاذبة دوماً، تشيع ثراءها الذي لا يعد ولا يحصى من خلال بعض اللمسات الصغيرة. الكتابة واضحة، حسية، ملأى بالقسوة والحداثة اللامعقولة. نشرد أحياناً، ولكن دوماً ببهجة. صدرت «الخلاص» في الولايات المتحدة تحت عنوان «ليساعد الرب الطفل»، الذي يستدعي في أكثر الأحيان لدى الرواية الأميركية مسألة لون البشرة والصدمات النفسية التي لاحقت الطفولة.
لولا آن بريدويل، ولدت سوداء لعائلة «خلاسية ذات بشرة بيضاء»، هجرها والدها الذي اعتقد أنها ليست ابنته، أهملتها أمها التي تنظر إليها بتقزز، تمضي طفولتها وهي تتمنى أن تمد هذه الأم اليد إليها، تربت عليها، تضمها إليها، وهي مستعدة لكل شيء حتى إطلاق الأكاذيب لكي تجذب ثقتها وحبها… بعد خمسة عشر عاماً، أصبحت لولا آن بريد، شابة ذات جمال أخاذ، تشغل وظيفة راقية في إحدى شركات مستحضرات التجميل. انتقام جميل، على الأقل كما تعتقد… الرحيل غير المبرر الغامض لصديقها بوكر وخروج صوفيا من السجن، صناعية قديمة بيضاء سجنت خطأ بسبب تحرش جنسي مورس على الأطفال، ولذلك سوف تزعزع هذه الحادثة يقينها ومبادئها…
و«الخلاص» كرواية جوقية، متعددة الأصوات، سمحت لشخصياتها بالكلام بالتناوب، وأن تكون كل شخصية راوية لحكايتها الشخصية، وحينما منحت الكلام لكل أبطالها، فإنها لا تحكم أبداً وإنما تسعى بقوة إلى تبيين أن الهوية الأفرو-أميركية هي عدالة المصائر – ومع ذلك مصير لون البشرة غير مهم نوعاً ما – التي سوف تظل مسائل معقدة ومؤلمة.
ومن بين هذه الحكايات المتداخلة، ربما أن حكايات بريد وبوكر هي التي «ترن» بصوت عالٍ… عبدان لماضيهما، غير قادرين أبداً على إيجاد مكانهما، ولا أحد منهما نجح في التحرر من الندوب العميقة التي تركت علاماتها عليهما منذ أيام الطفولة.
مثل صورة بطلتها، «الخلاص» رواية جذابة كلياً. واندهش بعض القراء من الاقتحامات الخفيفة لعالم الفنتازيا، اقتحامات تضفي عليها هالة شديدة الخصوصية، وهي تمنح جسداً لكل التغيرات التي تعيشها.
——
الاتحاد