بلا مظاهرات بلا بطيخ!


*زليخة أبو ريشة


مع أني أدين وبشدّة ضرب المتظاهرين السلميين في التظاهرة الأخيرة ضدّ العدو الصهيوني وتقتيلِه شبابنا في أرض فلسطين، وهو ما أعلنتُه على “فيسبوك” في رسالة إلى وزير الداخلية، إلا أني سأحاول أن أبيّن عدداً من الاستراتيجيات الشعبية التي يمكن لشباب الأردن اتخاذُها كبديلٍ من التظاهر والاعتصام للتأثير على العدو رقم واحد، والضّغط عليه لإنهاء الاحتلال. والسبب في هذا الاقتراح أنّ الأردن بات كائناً زجاجيّاً سريع العطب، بسبب الأوضاع السياسية المتدهورة في دول الجوار، وأحواله الاقتصادية الهشّة، وأنّ أكثر من ربع سكانه من المُهجّرين، وأنه الدولة الوحيدة في المنطقة الملتهبة التي تنعم بالأمان (فلا تجعلوه مؤقَّتاً). ولا يحتملُ الأردن تحت أيّ مسمى وطنيّ حماسيّ أيَّ قلقٍ أو فوضى. فأنتَ أيها المتظاهر والمعتصمُ لن تضمن عدم اندساس عناصر مريبة من أيّ جهة كانت، بما فيها جهة العدو التي لها باعٌ في دسّ المستعربين. ولن تضمن عدم حدوث أيّ انحرافٍ في الاتجاه الوطنيّ للتظاهر الذي ينطلقُ كفارسٍ على جواد شريفٍ ليكتشفَ بعد قليلٍ أنّه يحطم البيت الذي هو فيه. إنّه لمن المؤكّد أنّ التظاهر حقٌّ ديمقراطيٌّ للشعوب، ولكن، لحرجِ الأحوال، دعونا نتنازل عن هذا الحقّ لمصلحة الوطن، ودعونا نتأمل عدداً من المقترحات للتعامل مع الحكومة في تقصيرها، أو مع العدو في عدوانه، أو مع أي حادثةٍ ضدّ الإنسانية وقيم الحياة الحرّة.

حضرتُ مؤخّراً في مؤسّسة فلسطين الدوليّة، وفي المدرسة العصريّة اللتين على رأسهما د. أسعد عبدالرحمن، نشاطين: الأول محاضرة للمناضل الفلسطينيّ محمد بركة قد نبّه فيها إلى أنّ ما يُنهي الاحتلال هو أن يصبحَ مُكلِفاً، وهو حتى الآن ليس كذلك. ووجَّه إلى أهمية المقاطعة الاقتصادية من داخل فلسطين ومن خارجها. وهنا تبدو أهميّة إحياء اللجان الشعبية في الأردن التي تقاوم التّطبيع، وتفعيلها باتجاه مقاومة التطبيع الاقتصادي ومقاطعة البطاطا والمانجا وسائر المواد المستوردة من هناك. فإذا عمل الشباب المتحمّس على الدعوة إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية، وإرغام المستوردين والموزّعين والتجار على إعلان مصدر البضاعة، بل وعلى قطع الاستيراد، وتوعية الشعب بأهمية هذه المقاطعة، فيمكن حينها وبمعالجة كل التفصيلات والحيثيات نقل هذه الحركة، من موقعها المحليّ، إلى الأفق العالمي عبر وسائل الاتصال المختلفة. فلن تعدم التكنولوجيا المتوافرة من تقديم عونٍ فعّال للهيئات التي نرجو إيجادَها للعمل على بند المقاطعة، التي يمكن أن تجد لها صدى لدى الشعوب الأخرى. 
أما النشاط الثاني فكان حفلاً لتكريم مبادرة “أطباء أردنيون” التي يرأسها د. عارف البطاينة، والتي تتولى تقديم التدريب لكوادر الطبّ في فلسطين المحتلة بالتعاون مع مؤسسة فلسطين الدولية. وبتأمُّلِ هذه المبادرة نجد أنّ الشباب المتحمس يستطيع أن يتقدَّمَ بمبادراتٍ مثيلة لتقديم العون للشعب الفلسطيني، وخصوصاً في محنته الراهنة، من مثل تشكيل جسمٍ يتعامل مع الإصابات والضحايا، وهدم البيوت (ومؤخراً نهض شاب أردنيّ وحده لتعويض ضحايا البيوت المهدمة بمبلغ معيّن) وتعليم الشباب، وشنّ حملاتٍ دولية ضد الممارسات العنصرية الدولية يتولاها محامون محليون مع محامين بلا حدود، وأكاديميون محليون مع أكاديميين في الخارج، وطلبة جامعات ومعلمون ومهندسون وأصحاب مهن مختلفة وهكذا.
وإلى كل ذلك فالفضاء الإلكتروني والهواتف الذكية كفيلة برصد ونشر أي انتهاك لحقوق الإنسان لدينا، وأي فساد وأي سلوك اجتماعيّ يضرُّ بالوطن وأهله. فليركب الشباب هذا المركب، وليضغط على حكومته ما شاء من خلالها، وليبتكر ما يقدرُ عليه من التشبيك والتواصل مع الجهات النظيفة التي يمكنُ أن تستجيب لحملات حقوق الإنسان وغيرها. 
والأردن يا سادة بحاجة إلى اصطفاف أبنائه وبناته للضغط على المجتمع الدولي والجوار العربي الثريّ لدفع استحقاقات اللجوء العراقي واللجوء السوري، وهي معركة ينبغي خوضها شعبيّاً.
وعندئذٍ، فحقاً بَلا تظاهرات بَلا بطيخ، ما دمنا نستطيعُ أن نحقّق بغيرها من البناء أضعافَ أضعافِ ما نحقِّقُه بها من الهدم.
دعونا نتمسّك بالأمل…
_______
*الغد

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *