توماس موهلمان.. أكتب احتفاء بالقليل الحقيقي


حوار : لمياء مقدم


توماس موهلمان، شاعر هولندي شاب ولد في 18 نوفمبر 1975 في مدينة بارن الهولندية، مدرّس مادة الكتابة الإبداعية في إحدى الجامعات الهولندية، ويشرف على مجموعة من الانشطة والفعاليات الشعرية الدورية‫، ومحرر بموقع الشعر العالمي،‬ صدر له‫:‬ ‫»حيث نسكن 2013»، «حنفيات مفتوحة،2009»، «خيط رفيع يمسك بالكل، 2008»، و «الطفل السائل، 2005». رشحت أعماله أكثر من مرّة لجوائز قيمة، وفاز بجائزة «لاكي بي فن در هوخت» الأدبية عن ديوانه الأول، كما فاز ديونه الثاني أيضا باحدى الجوائز الادبية الهولندية.

 ‬

– نبدأ بالسؤال المعتاد‫:‬ عن ماذا تكتب؟
‬ يبدو سؤالا معتادا، لكن لا مفر منه، قد يكون سؤالا عاديا، لكنه مهم‫.‬
أكتب قصائدي من منطلق كون متحرك، غير ثابت، ومهزوز، ليس لأنني موجود في منطقة غير آمنة، ففي هولندا الأمور ليست سيئة تماما كما تعرفين، ولكن لأن السؤال الذي أحيط به نفسي دائما هو هل ما نراه حقيقيا؟ هل ما نسمعه هو الحقيقة؟ هل الطاولة التي أضع عليها جهازي الآن واكتب إجابتي على أسئلتك، صلبة بما يكفي لتحملني وتحمله، ولن تنهار ككعكة البودنغ؟ هذا، ينطبق أيضا على الكرسي، جدران غرفتي، وحتى وإن كانت الأشياء تعكس الآن حقيقتها، فلن يكون الأمر كذلك دائما‫.‬
في اللحظة التي أقبض فيها على حقيقة الأشياء، تلك الحقيقة الآنية القصيرة، أحاول أن أضع كل شيء في مكانه لهذا أكتب‫.‬ أكتب لأصف كيف تبدو لي الأشياء من حولي، أو كيف تتشبه لي، وكيف يمكنها أن تكون، هنا استطيع أن أقول إن خصاما حادا في بيت الجيران يشبه ذراع زوجتي الأيسر، أو شاعرا من القرن التاسع عشر‫.‬ في الحقيقة أستطيع أن ألخص الأمر بأنني أكتب عن الحب‫.‬
 

– إلى أين تريد ان يوصلك الشعر؟ لماذا ولمن تكتب؟

ـ أظن أنني أحاول أن أجعل العالم من حولي قابلا للتطويع‫.‬ ليس عبر ترتيب الأشياء بشكل دقيق ومنظم لكن عبر معرفة الامكانات والخيارات الأخرى وجعلها ‫ممكنة.‬
أكتب للاحتفاء بذلك القليل الحقيقي، والتخلي عن الكثير من الحقائق التي ليس لها معنى عبر افراغها من محتواها‫.‬ لا أفعل ذلك من أجل نفسي فقط ولكن من أجل كل من فقد نفسه يوما حبا أو تعبا‫.‬
‫ في رأيي هذا تعبير أفضل وأقرب للحقيقة من ‫”قانون كوننغراخت‫”، وهو للشاعر الهولندي فرانك كوننغراخت الذي أدعى ” أن الشاعر يشرع في الكتابة لجلب انتباه البنات‫”.‬

 هل تتابع التطورات في العالم العربي؟

هل تقصدين التطورات في الجانب الابداعي أم الاجتماعي والسياسي؟ في كلتا الحالتين أنا واع بالنفق الذي توجد فيه المجتمعات العربية في اللحظة الراهنة‫.‬ لسبب بسيط وهو أنني أعيش في عاصمة من عواصم أوروبا الغربية‫.‬ الصورة التي لدي كونتها بالوسائل المتاحة لي، وهي بالنسبة إلى الوضع السياسي والاجتماعي متأتية من الاعلام الغربي والأميركي تحديدا‫.‬
بالنسبة إلى الشعر، فأنا للاسف لا أتقن العربية، وأعتمد على ما يترجم الى الهولندية او الألمانية وما توفره‫ ‬المنابر والمهرجانات الاوروبية‫.‬


هل تعرف شعراء من العالم العربي؟ ماذا تعرف عن الشعرالعربي والثقافة العربية؟
 لدي بعض الصداقات مع شعراء عرب يقيمون هنا، في هولندا وهم بالأخص من العراق، وساعدني عملي فترة مع صندوق الآداب الهولندي على التعرف على مجموعة من دور النشر العربية ومحررين عرب‫، من مصر بالأخص. ولدي صديق سوري وهو شاعر اسمه غياث المدهون، كما أعرف بالطبع بعض الشعراء الهولنديين من أصل مغربي، مثل مصطفى استيتو. ‬
‬ ما أعرفه عن الشعر العربي قليل، بالطبع جميعنا يعرف محمود درويش وأدونيس، لكن للآسف ليس من السهل الاطلاع على تجارب جيل الشباب من الشعراء العرب‫.‬ بعض المهرجانات الشعرية تستدعي من حين لآخر شعراء شباب عرب، مثل مهرجان برلين للشعر، ومهرجان «إقرأ كلمتي» في أمستردام، وطبعا فضل كبير في معرفتنا ببعض الشعراء العرب يعود الى مجلة بانيبال التي تصدر بالانكليزية في لندن، والناشر الهولندي الشاب يورغن ماس، الذي أصدر العام الماضي ديوان الشاعر السوري الشاب راسم المدهون مترجما الى الهولندية‫.‬

أما بالنسبة إلى الأدب العربي القديم فـ‫ «ا‬لمكتبة العربية‫»‬ توفر الكثير منه، إضافة الى ترجمات قام بها كتاب هولنديون من أصل مغربي مثل مجهودات حفيظ بوعزة الصادرة عن دار بروميثيوس‫.‬ وهي نفس الدار التي اصدرت دواويني

 ما المطلوب من الشاعر ان يفعله حسب رأيك في مثل هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها الانسانية؟

ـ على الشاعر أن يكتب‫، ‬أن لا ينسى حياته وحياة من هم حوله، أن يقرأ كتابا لاطفاله قبل النوم، أن يقبّل زوجته قبلة على وجنتها ويقول لها تصبحين على خير كل ليلة، أن يبقى في حوار متصل مع أصدقائه وأعدائه‫.‬ وفي الأثناء يكتب‫:‬ في أحد حواراته قال غياث المدهون‫ «نعم، الشعر مهم، الشعر لا يغير المجتمع، لكنه قادر على تغيير الأشخاص الذين يؤثرون في المجتمع، الشعر تعبير انساني، ولديه قدرة الولوج الى الاعمق وتطهيرها‫».‬ أوافقه تماما في ذلك‫.‬

 كيف تصف الشعر الهولندي الحديث؟

ـ أحب الشعر الهولندي الحديث جدا، رغم أنني لست مولعا بكل ما يصدر‫.‬ هناك حرية كبيرة في الشعر الهولندي، يحاول الشعراء الهولنديون الجيدون الاستفادة منها، شكلا ومضمونا، باصرار كبير‫.‬
منذ جيل الثمانينيات من القرن الماضي، لم يعد هناك من يرغب في تصنيف نفسه ضمن ‫” جيل‫” معين، وهذا بالتحديد، ما جعل الشعر الهولندي يصبح مهما ومثيرا في هذه اللحظة، الفضل في ذلك يعود لنماذج وتجارب فردية مميزة جدا‫.‬
أقرأ لشعراء هولنديين من أعمال وخلفيات مختلفة، لكن الذين يشدون اهتمامي أكثرهم من معاصري الشباب مثل شيد بروانه، مصطفى استيتو، ألفراد شافر، وشعراء أصغر منهم سنا، مثل ماريكه راينفالد، ليكه مارسمن، مارنت فن در غراف، وتجارب أخرى سابقة لهم مثل‫:‬ ناغوم فاينبرغ، أريان دونكر، استر يانسمه، ين بايك، وأخرين توفوا مثل‫:‬ روتغر كوبلند، وخيريت كاونار، ولوسبرات، وشعراء عاشوا في بداية القرن العشرين مثل مارتينوس نايهوف، وبول اوستاين‫.‬

 هل تعتقد أن حجم التبادل الثقافي بين العالم العربي والغربي كاف؟

ـ لا، كنت أتمنى أن يحدث أكثر من هذا بكثير، ليست لدينا معرفة جيدة ببعضنا البعض، والمفروض أننا في هذا الوقت بالذات، نحتاج أكثر من أي وقت مضى، إلى أن نتعلم من بعضنا بعضا، وأن نتقرب أكثر‫.‬
باختصار نحن في حاجة الى أن نعرف بعضنا بشكل أفضل، لا أقصد فقط أنه يجب ان يكون هناك تبادل أكبر في مجال الأدب والمعارف بين العالم العربي وهولندا، لكن كنت أتمنى ان يكون هناك المزيد من الترجمات، والمترجمين الجيدين بين العالمين‫.‬ من دون ترجمة جيدة سيبقى فهمنا لبعضنا البعض منقوصا للاسف‫.‬
——
السفير

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *