خاص ( ثقافات )
افتتح ولي عهد الفجيرة، سمو الشيخ محمد بن حمد الشرقي، صباح أمس الأربعاء 7 أكتوبر 2015 في فندق الكونكورد، بحضور رئيس هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام، سمو الشيخ الدكتور راشد بن حمد الشرقي، ووزيرة الثقافة الأردنية، معالي د. لانا مامكغ، والشاعر العربي الكبير أدونيس، فعاليات “ملتقى الفجيرة الإعلامي” في دورته السادسة والمقامة تحت شعار” الإعلام العربي والتنوير: الدور المنتظر”. بمشاركة ما يزيد على 50 من القيادات الإعلامية المحلية والعربية ورموز الفكر والثقافة ونخبة الخبراء الإعلاميين في المنطقة والعالم.
وأكد سمو الشيخ محمد بن حمد الشرقي أهمية أن تضطلع جلسات “ملتقى الفجيرة الإعلامي” بدور بارز وفعال في بحث الدور التنويري للإعلام في العالم العربي ، باعتباره أكبر مصدر لتكوين الرأي العام والأفكار عند الناس، مشيداً في هذا السياق بجهودهيئة الفجيرة للثقافة والإعلام “، التي شهدت منذ تأسيسها، نشاطاً كبيراً في المجال الثقافي والإعلامي، تحققت من خلالها رؤى صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الفجيرة، في خلق تنمية ثقافية وطنية شاملة، وضعت إمارة الفجيرة على الخارطة الثقافية الإماراتية والعربية، وتعدّتها إلى العالمية.
وشدد سمو ولي العهد على ضرورة أن ترتقي نقاشات الملتقى إلى مستوى التحديات الكبرى التي تشهدها المنطقة على أكثر من مستوى، الأمر الذي يجعل الإعلام أمام مسؤولية كبيرة تستوجب من رموز الفكر والثقافة و الإعلام ، الذي يجتمع نخبتهم اليوم في الفجيرة، تطوير الأداء الإعلامي وإيجاد السبل الكفيلة التي تضمن أفضل النتائج المرجوة في هذا الاتجاه.
وقام سمو ولي العهد- راعي الملتقى بتقديم درع تكريمي لرئيس تحرير مجلة العربي الكويتية د. عادل الجادر احتفاء بالمجلة الرائدة ودورها التنويري الرائد.
وألقى نائب رئيس هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام ، سعادة محمد سعيد الضنحاني، كلمة باسم الهيئة أكد فيها أن الموضوع الذي تتناوله الدورة الحالية من الملتقى بالبحث والنقاش على مدار يومين في غاية الأهمية، فـ”التنوير يرتبط بشكل وثيق مع الانتصار لثقافة الحياة، وإعلاء قيم الجمال والخير، وإزالة كلّ ظلامية، والانفتاح بدل الإقصاء والتطرف، وهذا جوهر ما تعمل عليه دولة الإمارات بقيادة سمو الشيخ خليفة بن زايد حفظه الله، التي تحتضن نحو مائتي جنسية من شتّى أنحاء العالم يعيشون بوئام وتجانس، ويشكلون مشهداً فسيفسائياً للوحة إنسانية بديعة، إضافة إلى أنّ جنودنا البواسل يخوضون حرباً لترسيخ السلام ودعم الشرعية، وقدموا في سبيل ذلك كوكبة من الشهداء، رحمهم الله جميعاً”.
وأضاف الضنحاني قائلاً: “إننا في إمارة الفجيرة نواصل مسيرتنا في ترسيخ مضامين العمل الثقافي والإعلامي ضمن توجيهات صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي حاكم الفجيرة حفظه الله، والدعم المتواصل لسمو الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي العهد الأمين حيث تحرصون على رعاية ملتقى الفجيرة الإعلام ي والحضور في كل دورة من دوراته، ومتابعة جلساته”.
وأشار الضنحاني إلى أن “هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام، انشغلت ضمن رؤية سمو الشيخ الدكتور راشد بن حمد الشرقي رئيس الهيئة في إقامة العديد من الفعاليات النوعية وذات البعد الدولي خلال السنوات التسع من عمر الهيئة”، لافتاً إلى “حرص الهيئة في هذه الدورة على تكريم ” مجلة العربي ” التي تربت عليها أجيال عربية كثيرة، وكانت مصدرا للثقافة الجادة والتنوير الحقيقي طيلة نحو ستة عقود متواصلة”، وشكر نائب رئيس الهيئة جريدة الاتحاد ومجموعة أبوظبي للإعلام على دعمها لنا كشريك إعلامي أساسي، ونأمل أن تتوثق العلاقات في شراكات مقبلة”.
وكان حفل الافتتاح شهد عرض فيلم وثائقي يتناول مسيرة الملتقى وموضوعاته خلال دوراته الخمسة الفائتة، قبل أن تبدأ بنهايته مباشرة وقائع الجلسة الأولى من فعالياته.
الملتقى يناقش “التنوير بين التنظير والواقع” في جلسته الأولى
استهل ملتقى الفجيرة الإعلامي جلسته الأولى بعنوان “التنوير بين التنظير والواقع ” حيث أدارت الجلسة وزيرة الثقافة الاردنية الدكتورة لانا مامكغ ، التي قدمت ضيوف الجلسة بنبذة قصيرة عن تاريخهم الحافل بالعطاء .
وتحدث في الجلسة الشاعر والكاتب العربي أدونيس، مشيراً إلى أن الإعلام يجب أن لا يكون مجرد استقاء للمعلومات ، بل لا بد من تحقيقه المعرفة المعمقة التي تمكن الإعلامي من تقديم رؤية صادقة ، وغير ذلك يصبح العمل الإعلامي مسطحا وحكايات.
وشدد أدونيس على ضرورة وجود عقد اجتماعي يؤكد أن وسائل الإعلام ليست أمكنة للتخريب وإنما للفكر ، ولا ضمان لحرية أي رأي دون وجود معارضة حقيقية ، تعترف بالأنظمة والقوانين ، و لا يمكن أن يحدث تنوير إلا بالحرية.
وحدد الشاعر ادونيس ثلاثة شروط يجب أن يتسلح بها الإعلام العربي وهي : اولاً أن تكون مستقلة اقتصاديا وسياسيا لتكون حرة، وثانياً لا بد من أن تمتلك الثقافة والنزاهة خارج أي اعتقاد ايديولوجي، والشرط الثالث أن نعترف بالتعددية تجاه الآخر.
وتساءل الشاعر: “هل هذه الشروط متوفرة لدى إعلامنا العربي؟ جوابي هو النفي لأن الإعلام العربي في معظمه وصفياً وليس تحليلياً” .
وأضاف : نحن العرب نشارك المستعمرين في بسط سيطرتهم علينا ، إنه استعمار بأدوات داخلية وهو أشد من الاستعمار الخارجي، فسجون الهواء الطلق أشد من السجون المسورة.
من جانبه تساءل الدكتور جمال الدين ناجي مدير الاتصال السمعي والبصري في المغرب، “إن كان التواصل أداة حرب أم أداة سلم ؟”، واستعرض في مداخلته نظريات الإعلام والاتصالات القديمة ومقارنتها مع الواقع الراهن ، كما عقب على دور الإعلام في المنظومة الأممية ، واصفاً حياتنا اليومية بالجهنمية والسيئة، ولم نتوقع أن نصل إلى هذا الواقع البائس ونحن في القرن 21، كما اكتشفنا أن التواصل لا يعكس الحقيقة وخاصة ما يتعلق بحقوق الإنسان، فشعار الستينيات الذي رفع بالانتقال من الرعية إلى المواطنة قد طمس وأصبح السلم بعيداً والالتقاء مع الإنسانية بعيدا جدا وأصبحنا نعود إلى الكهف بقوة الاتصال ،
وأوضح رئيس تحرير مجلة العربي الكويتية، الدكتور عادل العبد الجادر، أن ممارسة الديمقراطية في حدها المتطرف تصبح غوغائية . واستعرض قصة المجتمع الخليجي عندما كان فقيرا كيف احتضنتهم الشام والعراق ومصر وكيف نهلوا من علمهم.
كما استعرض الجادر تاريخ مجلة العربي المضيء، وكيف ساهمت في تنوير الأجيال العرب وفكرة تأسيسها عام 1956 وتركيزها على القضايا العربية ، مشيراً إلى أن 60 عاما من عمر العربي لم تشخ وما تزال في شبابها رغم دخول شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة.
الروائية والإعلامية الدكتورة بدرية البشر وضعت مجموعة من القواعد في مداخلتها والتي بدأتها بالحذر من أن تكون ديمقراطيا بين الفلاحين والقاعدة الثانية الابتعاد عن التنظير ، أما القاعدة الثالثة التي اكتشفتها أن القصص التي تعرض في السعودية لا أحد يشتريها ، مؤكدة على وجود حالة من التغيير وأشارت إلى أنه بعد 11 سبتمبر رفعت الفضائيات سقف التعبير وأصبحنا نتلمس الخطوط الحمراء ، وبدأنا في السعودية الحديث عن قضايا كثيرة كنا سابقا لا نستطيع الخوض بها كحرية المرأة وحقوق الانسان ومحاربة التشدد.
وأكدت الروائية السعودية أن ساعة بث واحدة عبر التلفاز تعادل مئات المقالات وعشرات الكتب.
جلسة الملتقى الثانية تدعو لـإعلام ملتزم يحمل المسؤولية التنويرية الوطنية
أدار مدير جامعة زايد سابقا الدكتور سليمان الجاسم جلسة ملتقى الفجيرة الإعلامي الثانية التي حملت عنوان (التنوير في الإعلام المرئي) بالحديث عن المهنة الإعلامية وأهمية تميزها بالحيادية الكاملة واحترامها لعقول وثقافة المشاهد.
وأشار الجاسم إلى أن بعض المنابر حاولت وبأقنعة مزيفة أن تصدر رأيها الموجه لافساد الجيل ونشر ثقافة التطرف وصناعة مايسمى بالاسلامفوبيا التي لحقت بمجتمعاتنا مؤخرا ونتج عنها ما نتج .
وأكد الجاسم أن تحقيق المفهوم الإنساني والإرث الثقافي والوسطية والابتعاد عن التطرف يجب أن يكون الصيغة المثلى لخطابنا الإعلامي، وأن تفجر هذه المحطات التلفزيونية مواهب وإبداعات الشباب لا أن تنسف أجسادهم للانتقام من فكر أو مذهب أو عقيدة.
وشدد على أن الإعلام هو الوحيد الذي يحمل الراية والتنوير والتغيير ويبرز الفكر السياسي الناضج مضيفاً أن التدفق الإعلامي الكثير خلق ضبابية عند المشاهد وأصبحت مصداقية الكلام مصدرها قائلها وليست مضمونها، ما ساهم في اختطاف عقول أبنائنا إلى عالم مجهول .
ودعا مدير جامعة زايد سابقا، الإعلام العربي المتواجد في الملتقى، أن يفيق من غيبوبته وأن يكون إعلاما ملتزما ويحمل المسؤولية التنويرية والقومية والوطنية.
من جهتها أكدت الإعلامية المصرية منى سلمان في الجلسة الثانية، أن أفكار التطرف والتعصب والطائفية الموجودة في العالم العربي هي ثمرة غياب التنوير الحقيقي، مشيرة الى أن الإعلام حاليا يعمل وفقا لمعايير تجارية تنساق وراء الأكثر إثارة، ما يساعد في فرض هيمنة الإعلام الرديء على حساب الجيد لافتة الى أن الجميع سيدفع ثمن ذلك.
وتحدثت سلمان عن تعدد الأصوات والطرق للوصول للمعلومة في الوقت الحالي وتساءلت هل استطاع هذا التعدد في وسائل الإعلام ووسائطه أن يصل بنا الى الفكرة المثالية لديمقراطية الإعلام ؟ وهل يوجد تنوير حقيقي؟.
وأضافت: المعيار الذي يجب أن يكون عليه تقييم جودة العمل الإعلامي ليس بعدد المشاهدات أو المشاركات، وإنما إعلام يكون له دور تنويري “مشددة على التركيز على إعلام الخدمة العامة لأن ثمن إهماله فادح.
واعتبرت سلمان أن إمارة الفجيرة ومن خلال ملتقاها طرحت هذه الفكرة الجريئة وبدأت في بحث السبل حول الطريق للوصول للتنوير مشيدة بنوعية هذه الأفكار وتناولها .
أما المتحدث الثاني الإعلامي العراقي، مقدم البرامج بقناة روسيا اليوم، سلام مسافر، فقدم عرضا لمسارات القنوات الناطقة باللغة العربية سواء التي قامت على الأراضي العربية أو التي تنطلق من بلدان اقليمية مجاورة للعالم العربي أو من اوروبا اضافة إلى حديثه عن الإعلام العربي ذي النكهة العالمية بغض النظر عن موقفه .
وركز مسافر على الاهتمام بالناطقين بالعربية أينما وجدوا، لافتا إلى أن توجيه قنوات تلفزيونية لمخاطبتهم يعنى أهمية هذه المناطق وشعور هؤلاء الممولين والمنتجين لإدراكهم للمصالح الجيوسياسية لبلدانهم والمصالح السياسية والايدولوجية للبلدان التي تمول قنوات ذات منحى دولي وليست قنوات محلية، مشيراً إلى أن هذه الجزئية لا بد من التعامل معها بعناية من أجل معرفة ما يدور في الفضاء الإعلامي.
وتناول بالحديث تمويل بعض الحكومات الأجنبية لقنوات أجنبية ناطقة باللغة العربية لديها أجندتها الخاصة وأخرى تمول من الخارج، مؤكداً أن أخطرها هي قنوات التحريض الطائفي؛ لأنها أصبحت الآن تلعب دورا كبيرا في عملية الحرب الكونية الطائفية التي يعيشها العالم العربي وهذه الحرب ستؤدي إلى خسارة بشرية هائلة كما هو الحال في سوريا والعراق، إضافة إلى الحروب الدينية التي ستستفحل بعد أن بدأت داعش تهجر المسيحين وتهلك الحضارات القديمة.
وختم مسافر ورقته بالأمنيات بأن تخرج مجموعة الصحفيين والإعلاميين الذين يتابعون هذا الملتقى من اماراة الفجيرة الواعدة المعنية بالثقافة بتأسيس ميثاق يمنع التطرف واستخدام المصطلحات الطائفية.
بدورها جزمت الإعلامية اللبنانية بولا يعقوبيان من خلال ورقتها العلمية بأن التنوير هو جهد فردي من عصارة فكر الإنسان ومن تجاربه وقراءاته وحياته التي تكوّن هذه القناعة نافية بأن توجد فيه مكتسبات قديمة ولا ماهو منزل أو محسوم أو معصوم .
وأوضحت أن التلفزيونات العربية على اختلاف أنواعها عليها واجب بسيط في أن تكون تنويرية، مبدية أسفها بأنها أضحت وسيلة تسلية يستخدمها المشاهد الذي وصفته بأنه رافض فكرة التحدي الفكري والاكتفاء بمتعة مشاهدة برامج التسلية والإثارة.
وأضافت بولا: التنوير يبدأ من الأسرة والمدرسة والجامعة، لأن الأم تستطيع أن تجبر ابنها للمذاكرة أوغيرها لكن التلفزيون لايجبرك لتتابع برامج الفلسفة والتنوير” لافتة إلى أن الدور الاكبر يقع على المنزل والكادر التعليمي والأندية الثقافية وليس وسائل الإعلام.
وتابعت: طالما الإعلام بيد القطاع الخاص والتجار تظل المشكلة قائمة، لأن المشاهد هو الذي يختار والقنوات تصر على تقديمها مواد تحمل الإثارة والفتن.
من جانبها عرفت الروائية والإعلامية الأردنية ليلى الاطرش (المتحدثة الرابعة في الجلسة) فكرة التنوير بأنه حركة مجتمعية يجب أن يشارك فيها جميع الأطراف، مؤكدة أن الإعلام مطالب بأن يكون هو المسؤول الأول عن التنوير.
وأضافت: دورنا ينحصر كمجتمع في تغيير العقل العربي، والتغيير يبدأ من الصغر لذا يكون التنوير للمعلم والمناهج، مبينة أن هناك مناهج ضد المرأة، وضربت مثالاً بأن الطفل يبدأ تعلميه بـ ” أمي تطبخ وأبي يقرأ” وهنا يكون التمييز، موضحة أنه ينبغي أن نبدا بالتعليم ونتسامح لأن مستقبل العالم في خطر.
وشددت الأطرش على التشجيع على الفنون باعتباره عنصراً مهماً لتوصيل الفكر التنويري ويعمل على إشغال الشباب وتوجيه رسائل غير مباشرة لهم وللمتلقين .
وتناولت الروائية الاردنية في ورقتها الحديث عن تجديد الخطاب الديني، مشيرة الى أن هناك أكثر من 123 محطة دينية تبث الفرقة ليل نهار، مؤكدة على أن تحديث الخطاب يجب أن يكون متسامحاً وليس كما الفكر الذي غرس في نفوس هؤلاء الشباب بتكفير الآخر و”أنك تستطيع أن تكون يد الله على الأرض؛ لأن الله هو خالق الجميع ومن سيحاسب الجميع”، مشددة على غرس هذه القيم في نفوس الشباب.