عبد الرزاق دياب
هل كانت مقولة الحبيب بو رقيبة هي التعبير الدقيق عن ضمير المغاربة العرب من تونس حتى نواكشوط؟ أم أنها رؤية وحيدة لم تكن إلاّ تعبيراً عن وجهة نظر لم يُكتب لها الاستمرار، إنما عاشت فقط في ضمير الفرانكوفونيين العرب الذي يمجدون الغرب وتعلموا في مدارسه كيف يشتمون مدنهم ويعتقدون أنّ ما يربطنا بالعرب هو من قبيل الذكريات التاريخية، وأنّ مرسيليا أقرب إلى تونس من بغداد أو دمشق أو القاهرة، وأن اجتياز البحر الأبيض المتوسّط أسهل من اجتياز الصحراء الليبية، كما قال الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة.
لكن تلك المقولة تبدو اليوم الفكرة الأكثر حقيقية في سلوك الشعوب العربية الغافية على أحقادها وهواجسها وتاريخها، خصوصاً في المثال التونسي، الذي أفرز نخبة فكرية مثقفة تؤمن بالقومية التونسية، وتنسف مقوّمات العروبة كرابط بين الشعوب على امتداد ما يتجاوز 14 مليون كم مربع.
اليوم، أفرزت الهوة التي ضربت الوطن العربي مشكلاته الأساسية، وهي أن هذه الشعوب المتداخلة لها خصوصية خاصة، فليست بلاد الشام تشبه تونس، ولا العراق يشبه المغرب، وحتى مصر الأفريقية ليست الرباط، وأن المشارقة العرب لا يشبهون أبداً أشقاءهم المغاربة. وفيما يؤمن السوري بالدم المشترك، يرى التونسي مصلحته في تونس الواحدة التي تختلف عن سورية التي تؤمن بمقومات الوحدة والعروبة والمصير المشترك. هذا الشعور السوري ليس مبنياً على قاعدة الأنا القومية، بل إنه جسّده واقعاً عندما صار أستاذاً للغة العربية في تونس والجزائر وصولاً إلى الخليج العربي، لكنه اليوم وحيداً في مواجهة طوفان الرصاص والبحر، فقد أغلقوا أبوابهم في وجهه، بل إن بعضهم ذهب أبعد من ذلك، خشية على نسيجه القومي الذاتي، كما قال بعض العرب الخلجيين.
اليوم، يغرق النسل السوري في بحار الغرب، وتوصد في وجهه أبواب الأشقاء الجيران الذين اعتُبروا منذ وقت قصير أهلاً وعشيرة، وفتحت لهم أبواب الشام عمالاً ومهجرين ومعارضين في بلدانهم، وسلّموا بيوتاً يحلم بها السوريون في أبو رمانة والعفيف والمالكي.
8000 تونسي يحاربون في سورية وأغلبهم من القادة، وعائلات تونسية مختفية في مناطق الصراع، ومعظم الهيئات الشرعية يقودها التوانسة الذي يصدرون أحكام القتل بحق السوريين، وهؤلاء هم وجه آخر للفصام بين الشرق والغرب العربيين، فالشرق المتسامح الوسطي مذهبياً واجتماعياً يغرق الآن في أحكام الغرب العربي المتطرّف شرعاً، وهذا الوجه الآخر للفصام ممن لفظتهم مجتمعاتهم التي تغرّد غرباً، حيث مرسيليا المقصد والمبتغى.
———–
السفير