
مصطفى فتحي
حين تستمع لراديو الإنترنت المصري «مصرفون» ستشعر بأنك عدت بالزمن إلى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. كل الأغاني والتواشيح النادرة لها مكان. ورغم بساطة تصميم موقع الراديو، لكن ما يخرج من الراديو نفسه هو المبهر، أقرب لكنوز موسيقية حقيقية كان يمكن ان تضيع وسط زحام الأحداث في عالمنا العربي، لولا تجربة «مصرفون» التي يحلم القائمون عليها بأن تكون جسراً يوصل التراث الموسيقي العربي إلى الأجيال القادمة.
أطلق عصمت النمر تجربة «مصرفون» لأسباب عدة، على رأسها إيمانه بأن حفظ التراث وحمايته من الضياع «واجب وطني». كما أنّه هاوٍ لجمع التراث وعاشق لكل ما هو قديم، ويمتلك أرشيفاً مكوناً من مئات الساعات، لتسجيلات، نادرة منها أعمال عبده الحامولي، وأدوار، وقصائد بصوت سليمان أبو داود، والشيخ يوسف المنيلاوي، والشيخ سيد الصفتي، وزكي مراد، وثريا قدورة، وأم كلثوم، إضافة إلى طقاطيق لما يمكن أن نطلق عليه «طرب العوالم» في العشرينيات مثل رتيبة أحمد، وسنية شخلع، وحسيبة موشي، وأمينة العراقية… إلى جانب ابتهالات وتواشيح للمشايخ علي محمود، إبراهيم الفران ومحمد الفيومي.
يقول النمر لـ«السفير» وهو يشير إلى عشرات الاسطوانات القديمة التي توزعت على طاولة أمامه: «أمتلك أكبر أرشيف في المحروسة. «مصرفون» كان حلمي منذ سنوات، وحين نجحنا في إطلاقه في كانون الأول من العام 2013، أصبح عندي حلم آخر مكمّل له، أن أمتلك التقنيات والموارد لترميم عشرات التسجيلات النادرة وإعادة ضبط السرعة. فعندي مثلاً تسجيلات لعبده الحامولي حصلت عليها من جامعة كاليفورنيا وتحتاج لترميم، كل ذلك طبعًا يحتاج لدعم وأموال باهظة، وأنا وفريق الراديو معي ننفق من جيوبنا على التجربة». ويضيف: «أطلقنا «مصرفون» لنغيّر واقعاً قبيحاً تردّى فيه الذوق، إلى جانب جهل أجيال جديدة بمورثها من الغناء القديم منذ ظهور أدوات التسجيل في نهايات القرن التاسع عشر، وظهور الاسطوانة كوثيقة حفظ لتراث كبير من الغناء والابتهالات الدينية، وانطلاقاً من شعور بالمسؤولية إزاء هذا التراث باعتباره الوعاء الناقل للحضارة عبر الأجيال. وسهلت لنا التكنولوجيا الاستمرار في بث أرشيف كبير من هذا التراث الشرقي، لو لم يكن هناك انترنت فماذا كنا سنفعل لنقل هذا التراث لكل الناس في كل مكان؟».
يتكون فريق الراديو إلى جانب عصمت النمر من علاء المسلماني، وهو مبرمج محترف، وسماح سليم أستاذة الأدب العربي في إحدى الجامعات الأميركية. الثلاثة جمع بينهم عشق للتراث وإحساس أنّ موضوع حماية التراث الموسيقي المصري والشرقي ليس «ترفاً فكرياً». وكان أرشيف النمر هو المحرّك الأساس للتفكير في إطلاق «مصرفون». يقول: «كان العديد من الأصدقاء يطلبون مني أعمالاً لسيد درويش أو يوسف المنيلاوي أو رتيبة احمد علي، ومع الإلحاح، كنت أستجيب، فاقترح علاء إطلاق راديو انترنت. في البداية جربنا مواقع مجانية نبث منها الأغاني، كان عيبها البطء الشديد، وكان وقتها الراديو يبث من الحاسوب الشخصي لعلاء، قبل أن نشتري جهازاً جديداً ونبث من خلاله. وكنا نستخدم خادماً مجانياً غير محترف، وفي هذه الفترة قابلنا الدكتورة سماح التي تحمست لفكرة حفظ التراث الغنائي، وعرضت أن تتكفل بمصاريف تنفيذ موقع على خادم محترف vocast المخصص لبث الراديو. ويعمل الراديو بنظام القوائم المعدّة مسبقاً، حيث نقوم بتجهيز قوائم كثيرة لأغان وتواشيح ثم نتركها تعمل اوتوماتيكيا».
أما صفحة الراديو على الفايسبوك فباتت أقرب لمقهى يتجمع فيه عشاق كل ما هو قديم. يقترب عدد متابعي الصفحة من خمسة آلاف «سمّيع»، يتبادلون في التعليقات معلومات عن المطربين والملحنين، ولا مانع من ان يسأل أحدهم معجبي الراديو عن أماكن يشتري منها اسطوانات قديمة أو جهاز فونوغراف.
———–
السفير