*إميل أمين
مرة جديدة يتجدد هذا الحوار الممجوج عديم الفائدة حول الإسلام والمسلمين، وهل كان العالم مقدرا له أن يكون أكثر أمناً وسلاماً لو غاب عن المشهد كل من العقيدة والأتباع، وهي علامة استفهام ارتفعت في عنان السماء منذ الأربعة عشر عاماً تحديداً، أي بعد ماجرى في الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001، وحجة الرائين أن الإسلام يعكر صفو السلام العالمي، لاسيما الغربي منه، هي أن الإسلام والغرب يسيران على طريق الصدام، إذ أن الدين الإسلامي يحمل تهديداً ثلاثياً سياسياً، حضارياً وسكانياً، وغالباً ما يتم تصوير المواجهة على أنها صدام حضارات، وهناك عملان كان لهما تأثير خاص في الدفع عبر هذا الاتجاه وهما «جذور الهياج المسلم» لبطريرك الاستشراق، «برنارد لويس» و«صدام الحضارات» لصموئيل ب. هنتنغتون. وكلاهما كان جوهرياً في التعريف بمدى حجم الجدل الذي أمسك بتلابيب الدبلوماسيين وصناع السياسة والصحفيين والمحللين والأكاديميين.
لماذا يتكرر السؤال الآن؟ ربما يكون في الأمر مصادفة قدرية أو موضوعية، حيث شهر سبتمبر، شهر الأزمة والصدام يواكب إشكالية المهاجرين إلى أوروبا، أولئك الفارين من جحيم الشرق الأوسط، الذي لفحته نيران «الربيع العربي» عوضاً عن أن تهب نسائمه عليه.
في هذا السياق كانت الأصوات الزاعقة، لا سيما من اليمين الأوروبي، ما عاد بنا إلى الاتهامات السابقة التي تلتزم منهج التعميم الخاطئ، كالقول إن كل إرهابي بالضرورة لابد وأن يكون مسلماً، وإن الإسلام يقف وراء جملة من أعمال الفوضى وسوء الفهم في عالمنا المعاصر، ويصل الغلو من قبل البعض إلى الإشارة إلى أن المشهد الإسلامي الحالي، هو «فاشية» مماثلة للنازية في ألمانيا سابقاً، وإن الحرب العالمية الثالثة المحتملة لابد وأن تضرب أطنابها في العالم من جراء الإسلام والمسلمين.
يضيق المسطح المتاح للكتابة عن الخوض في بحث تاريخي عن أحوال العالم قبل الإسلام، وهل كان صفاء زلالاً، حتى جاء الإسلام وعكر صفو المشهد السلمي العالمي؟
مشهد قديم
واقع الحال هو أن نظرة سريعة إلى العام 700 ميلادية، يؤكد لنا أن الإسلام لم يكن السبب وراء حالة التشوش التي عرفها العالم في ذلك الوقت.
ففي هذا التوقيت كان الإسلام في بداياته، وقد نحت شمس الإمبراطورية الرومانية العتيدة نحو الغروب من على خارطة العالم الغربي، ولم يبق أي أثر للإمبراطورية الفارسية الساسانية في الشرق الأدنى، وقد أعلن الإمبراطور قسطنطين ابن الملكة هيلانة المسيحية ديانة رسمية في أوروبا، وبدأ الإسلام ينتشر في ربوع الجزيرة العربية.
في ذلك العصر بدأت الحركات المتشددة والانشقاقية داخل المسيحية وبعضها لجأ إلى العنف مثل طائفة «الدوناتيون»، وبرز من بين صفوفهم رهبان مثيرون للشغب وداعون للفتن والفوضى والعنف، ظهروا في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط على نحو خاص، يحرقون ويقتلون ويشيعون الإرهاب في المعابد اليهودية والوثنية.
وفي هذه الأثناء أيضاً اجتاحت القبائل القوطية أوروبا، وبدا أن منطقة آسيا الصغرى مقبلة على صراع عنيف ومسلح وهذا ما قد كان بالفعل، لاسيما بين المسيحيين الذين يجلون الرموز المقدسة، وهؤلاء الذين يرون أن القضاء عليها عمل بطولي يستحق التمجيد.
كان الإسلام بعيداً في ذلك الوقت، الذي أطلق عليه «بيتر براون» «العصر القديم المتأخر»، ومع ذلك كانت الفوضى والعنف، والصراعات الدموية سائدة ومنتشرة فهل كان العالم وقتئذ أفضل من دون الإسلام والمسلمين؟
قراءة أمريكية
والشاهد أن السؤال الجوهري المتقدم قد شغل عقولاً غربية مستنيرة، من أصحاب المراكز المتقدمة فكرياً حول العالم، فعلى سبيل المثال نشرت مجلة «الفورين بوليسي» الأمريكية، ذائعة الصيت، في عدد يناير/ فبراير 2008، قراءة صافية رائقة دون مغالطات فكرية لـ «غراهام إي فوللر» نائب الرئيس السابق المسؤول عن التخطيط الإستراتيجي الطويل الأمد في مجلس الإستخبارات الوطني بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (C I A)، وهو حاليا أستاذ مساعد في التاريخ في جامعة «سايمون فريجر» في فانكوفر، ومؤلف كتب عديدة عن الشرق الأوسط بما فيها «مستقبل الإسلام السياسي».
يذهب فوللر إلى حقيقة مؤكدة وهي أنه حتى «من دون الإسلام» كان وجه الشرق الأوسط تحديداً، ومن ورائه حوض البحر الأبيض المتوسط، ثم العالم برمته سيضحي معقداً ومتضارباً، فالمجموعات الإثنية الأساسية في الشرق الأوسط، وهي العرب والفرس والأتراك والأكراد واليهود وحتى البربر والبشتون، كانت ستبقى مسيطرة على السياسة في المنطقة.
ولنأخذ الفرس على سبيل المثال، فقبل فترة طويلة من مجيء الإسلام وسعت الإمبراطوريات الفارسية المتعاقبة انتشارها لتصل إلى أبواب أثينا، وكان الفرس الأعداء الدائمين لسكان الأناضول، أياً كانوا. وقد حاربت الشعوب السامية المنافسة الفرس أيضاً، في أنحاء الهلال الخصيب وصولاً إلى العراق. ومن ثم هناك القوى النافذة للقبائل العربية المختلفة، والتجار المنتشرين والمهاجرين إلى مناطق سامية أخرى من الشرق الأوسط قبل الإسلام.
لم يكن الإسلام قائماً على الدمار والهلاك الذي سببه المغول الذين أطاحوا بحضارات آسيا الوسطى ومعظم الشرق الأوسط في القرن الثالث عشر وقضوا عليها.
ولاحقا رأينا الأتراك يغزون الأناضول والبلقان، وصولاً إلى فينيا، ومعظم الشرق الأوسط، لا على أساس ديني عقائدي، بل من منطلقات صراع قائمة على نهم السلطة وحيازة الأراضي، وامتلاك النفوذ، ورواج التجارة، وجميعها وجدت مكاناً لها تحت قرص الشمس قبل فترة طويلة من مجيء الإسلام.
شهادة كاثوليكية
من بين الأصوات الغربية التي تمثل شهوداً غير مجروحة شهاداتهم في هذا السياق المهم والحساس إلى أبعد حد ومد، يأتي البرفيسور ورجل الدين وعالم اللاهوت الكاثوليكي الشهير «هانس كونج» ففي ورقة مقدمة إلى مجلس التفاعل الداخلي (Inter Council) خلال الاجتماع السنوي الرابع والعشرين المنعقد في الفترة من 3 إلى 2006 تحت عنوان «أديان العالم بوصفها عاملاً مؤثراً في سياسات العالم»، نقرأ كلاماً طيباً وعادلاً جداً يقول الرجل: نحن نواجه خطر التشكك العام هذه المرة ليس بإزاء اليهود وإنما باتجاه المسلمين. يبدو الأمر وكأن جميع المسلمين قد تم استثارتهم فجأة، بسبب دينهم وكأنهم يحملون بداخلهم عنفاً محتملاً. بينما وبشكل معاكس، يبدي المسيحيون، بسبب تلقيهم تعليماً دينياً، بوصفهم لايمارسون العنف، مسالمين، يحملون الحب بين جوانحهم… هذا كلام سطحي أجوف….
يذهب العلامة الكاثوليكي واللاهوتي القدير إلى أن العالم الغربي يجب أن يكون عادلاً في أحكامه، فهولاء الذين يحملون «الإسلام» مسؤولية الخطف، الهجمات الانتحارية، العربات المفخخة، وضرب الأعناق، التي يقوم بها القليل من المتطرفين فاقدو البصيرة، عليهم أن يدينوا في الوقت ذاته بالمسيحية أو اليهودية، بسبب سوء المعاملة البربرية للسجناء، الهجمات الجوية والبرية التي قام بها جيش الولايات المتحدة (حيث قتل عشرة آلاف مواطن في العراق وحدها على الأقل)، والإرهاب الذي يمارسه جيش الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين.
لا ينكر المفكر الكاثوليكي الإشكالي أن في بعض فترات التاريخ ولأسباب ومطامع سياسية ودنيوية لادينية، مورس العنف باسم علامة «الهلال» لكن موضوعيته اقتضت أيضاً الإشارة إلى أن الشيء ذاته ينطبق على علامة «الصليب»، فبواسطة «صليبيي» العصور الوسطى، وربما المعاصرين، تمت الإساءة إلى رمز المسيحية، فعوضاً عن أن يكون الصليب رمزاً للتصالح والغفران، أضحى علامة على الحرب ضد المسلمين واليهود في إسبانيا على سبيل المثال في فترة من القرون القروسطية.
ذاكرة قصيرة
تدفعنا القراءة التحليلية إلى التساؤل: هل لو كان الإسلام غائباً، لما عرف الإرهاب والعنف طريقهما إلى العالم؟
مرة أخرى يبرز هنا «فوللر»، ربما بوضعه رجل أمن ومعلومات واستخبارات، ويؤكد أن تركيز الغرب على الإرهاب باسم الإسلام، يبين أن الذاكرة قصيرة… لماذا؟
لأن العصابات اليهودية مثل «الأتسل والأراجون والهاجناه» كانت تشن هجمات إرهابية ضد البريطانيين في فلسطين. كما أن نمور التاميل الهندوسيين في سيرلانكا هم الذين اخترعوا فن السترة الانتحارية، بما فيها اغتيال رئيسة الوزراء الهندية أنذيرا غاندي. وقد نفذ إرهابيون يونانيون عمليات اغتيال استهدفت مسؤولين أمريكيين في أثينا. وعمد الإرهابيون السيخ المنظمون إلى قتل أنديرا غاندي، ونشروا الفوضى في الهند، وأقاموا قاعدة خارجية في كندا، وأسقطوا طائرة لشركة «أير أنديا» فوق المحيط الأطلسي.
لم يكن الإسلام يحتل موقعاً متقدماً في أوروبا قبيل الحرب العالمية الأولى، عندما كانت كل دول البلقان تخاف الإرهابيين المقدونيين كما أن عشرات عمليات الاغتيال الكبرى نفذت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين من قبل فوضويين أوروبيين وأمريكيين، ما أثار شعوراً عاماً بالخوف.
سؤال حضاري
هل كان للعالم سيصبح أكثر تحضراً لو غاب الإسلام؟
لايمكن أن نجد جواباً شافياً وافياً إلا بالرجوع إلى أمهات الكتب التي صدرت في هذا الإطار، ونشرت معظمها إن لم يكن كلها في النصف الأول من القرن الماضي، حول دور الحضارة الإسلامية في إذكاء شعلة التنوير العلمي والثقافي والديني والحضاري بشكل عام، وفي المقدمة منها، كتاب «الحضارة الإسلامية في القرن الرابع أو عصر النهضة في الإسلام» لآدم متز، و«حضارة الإسلام» لجوستاف أ. فون جرو نيبادم، و«حضارة العرب» لجوستاف لوبون، و«شمس العرب تسطع على الغرب» لزيغريد هونكة، و«محمد نبي لزماننا» لكارين ارمسترونج، و«تاريخ الحضارة الإسلامية في القرن الرابع» لفاسيلي فلاديمير، ولعل هذه جميعها تطرح سؤالاً حقيقاً بأن نتأمله: هل الإسلام رافض للتعايش مع الآخر؟ هل الإسلام الأصيل قاطع الطريق على ما عداه من إيمانيات ومعتقدات وشرائع ونواميس إلهية وحتى الوضعية منها؟
يقتضي الأمر الإشارة إلى نموذج عربي حداثي، إسلامي الهوى والهوية، غير أنه في إسلاميته هذه، يحتوي على رسائل للعالم المتقدم، تشير إلى أن العالم مع الإسلام وبالإسلام يمكن أن يكون مكاناً جيداً للتعايش الإنساني وللوئام بين البشر، والحديث هنا قائم ولا شك على تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة، منذ نشأتها وحتى الساعة… ماذا عن تلك التجربة؟
…وجواب إماراتي
تخبرنا الرواية التاريخية أن قبيلة «بني إياس» التي عرفت أرض أبوظبي واكتشفتها عام 1761 قيل في طبائعها: إنهم رجال أقوياء عند الشدائد، متسامحون يحبون الضيف ويكرمونه، ويغيثون الملهوف ويساعدونه، ومتمسكون بدينهم غير منكرين على الآخر حق العبادة على ما يدين.
من هذا المنطلق كان النموذج الإسلامي للإمارات، حاضراً وبقوة كمثال رائد لدى كافة الأوساط الغربية سواء العلمانية أو الدينية.
يتذكر المرء على سبيل المثال الكلمات التي تحدث بها البابا بندكتوس السادس عشر، بابا روما، السابق، الفخري حالياً، لدى لقائه سعادة الدكتورة حصة أحمد العتيبة لدى تقديمها أوراق اعتمادها كأول سفيرة لدولة الإمارات لدى الكرسي الرسولي (الفاتيكان).
يومها قال البابا إن المغتربين من آلاف الأجانب الذين يتم الترحيب بهم في الإمارات والجهود التي تبذلها الدولة لتعزيز الظروف الملائمة لتعايش سلمي وتقدم اجتماعي هو أمر جدير بالثناء.
أما تبرع دولة الإمارات بالأراضي التي أقيمت عليها الكنائس الكاثوليكية، فقد اعتبره البابا ضربا من ضروب الحرص الإماراتي على حرية الإيمان والعقيدة، مما يعزز الأمن والعدالة والسلام في العالم، ويعطي مثالاً مشرفاً على إمكانية التعايش المشترك بين اتباع الأديان السماوية.
سردية الروح الإسلامية الإماراتية تتسع بشكل كبير، لتشمل كذلك الأديان والعقائد الوضعية، وهذا تمثل مؤخراً في السماح ببناء معبد هندوسي في أبوظبي، ورغم الأصوات الرجعية التي هاجمت القرار الحكومي الذي سمح بإنشاء المعبد، فإن العقلية التسامحية التصالحية في الإمارات رأت أن الأمر لا يتعارض مع صحيح الدين الإسلامي وروحه، ولامع الآية القرآنية الكريمة «لكم دينكم ولي ديني» بل إن التسامح والانفتاح والاعتدال، كأبرز السمات التي تميز التجربة الإماراتية الخلاقة، توجب إتاحة الفرصة للهنود لأداء شعائرهم باحترام وتقدير، دون أية نظرة دونية أو استعلائية من قبل البعض.
على أن الحدث الأبرز في تقدير كاتب هذه الصور والذي يؤكد أن عالماً فيه الإسلام يمكن أن يضحي عالماً لكل البشر لا قصراً على المسلمين فقط، تمثل في قانون مكافحة التمييز والكراهية والذي يجرم كافة أشكال ازدراء الأديان والمقدسات، وخطابات الكراهية والتكفير، الذي أصدره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة (حفظه الله) ليقضي بذلك على المتقولين على الإسلام والمسلمين بأنهم ضيقوا الأفق، رافضين الآخر، مثيرين للفتن، دعاة للعنف، الخوف كل الخوف من أن يسكنوا بين جنبات غيرهم من شعوب العالم، كما يجري الحديث في بعض دول أوروبا اليوم بعد تفاقم أزمة اللاجئين.
يحتاج هذا الطرح لمؤلف كبير قائم بذاته، ولتناد عربي وإسلامي في هذا التوقيت الحرج والحساس على الصعيد العالمي، للتفريق بين الحق والباطل، غير أن الخلاصة التي يؤكد عليها فوللر وكثير من أصحاب النوايا الصالحة، هو أن الإسلام ليس سبب المشاكل، وأنه من اليسير القول بأنه أصل كل شرور العالم، فهذا يريح الباحثين، ويدفع عنهم عناء ومشقة الغوص في الأسباب الحقيقية لأزمات العالم المعاصر، والتأثيرات العالمية الكبيرة للقوة العظمى الوحيدة في العالم الآن، وما خلفته سياستها من مآس في العالم شرقاً وغرباً وفي غياب الإسلام.
حكماً كان العالم سيعرف حديثاً كما عرف قديماً الطريق إلى الصراعات الدامية، والحرب المهلكة، وحال أضفنا إلى المشهد اليوم صحوة القوميات والعرقيات، وعلو نبرة العقائد والمذهبيات، عطفاً على جشع الرأسماليات المتوحشة، وأوهام وأطماع الشركات العابرة للقارات، وهذه تفسر الصراع الجيوسياسي والجيواسترايتجي الحادث.
هل لنا أن نذكر قبل الانصراف بأن معظم الفظائع الكبرى في القرن العشرين قد أتت بشكل حصري من أنظمة علمانية بالكامل، مثل ما فعله ليوبولد الثاني البلجيكي في الكونغو، وهتلر الألماني في العالم برمته، وموسوليني، ولينين، وستالين، وماو، وبول بوت.
هل نسي العالم أن الأوروبيين هم الذين فرضوا على العالم حربين عالميتين، وهما نزاعان عالميان مدمران لامثيل لهما في التاريخ الإسلامي؟
برنارد لويس.. العقل التفتيتي
برنارد لويس، أكاديمي بريطاني مختص بدراسات الشرق الأوسط والإسلام، يهودي الديانة. انتقل إلى الولايات المتحدة الأميركية، حيث أصبح محاضراً بجامعتي برنستون وكورنل في السبعينات. وحصل على الجنسية الأميركية سنة 1982. درس لويس تاريخ الإمبراطورية العثمانية، وانشغل بالبحث في التاريخ العربي من خلال الأرشيف العثماني. وتتسم آراؤه بالسلبية تجاه العرب والمسلمين، حيث عزى تأخرهم عن أوروبا لأسباب ثقافية ودينية. كما رأى بأن العالم الإسلامي في حالة صراع مستمرة مع المسيحية، وإن فترات السلم ليست إلا استعداد لفترات حرب قادمة.
ذاع عنه خلال السنوات الأخيرة، أي بعد انتشار جماعات التطرف المسلح في العالم الإسلامي، أنه أعد أخطر مخطط لتفتيت الشرق الأوسط إلى أكثر من ثلاثين دويلة إثنية ومذهبية. كما كان حسب ما نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» منظراً لسياسة التدخل الأميركية في المنطقة العربية أثناء إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش. وبحكم علاقته القريبة من الإدارة الأميركية السابقة فإن العديد من المحللين يعتبرونه جزءاً من السياسات الرسمية الأميركية تجاه المنطقة في المستقبل.
مخطط برنارد لويس الذي يلعب على إشعال النعرات الإثنية والعرقية والدينية الموجودة في دول العالم العربي الإسلامي، نشرته لأول مرة مجلة وزارة الدفاع الأميركية مرفقاً بمجموعة من الخرائط، توضح تقسيم كل دولة إلى 4 دويلات، ودول أخرى قسمت إلى أكثر من 4 دويلات.
هنتنغتون.. تأصيل الصراعات
صامويل هنتنغتون عالم سياسي أميركي، بروفسور في جامعة هارفارد لـ 58 عاماً، ومفكر محافظ.
أكثر ما عُرف به على الصعيد العالمي كانت أطروحته بعنوان صراع الحضارات، والتي جادل فيها بأن صراعات ما بعد الحرب الباردة لن تكون متمحورة حول خلاف أيديولوجيات بين الدول القومية بل بسبب الاختلاف الثقافي والديني بين الحضارات الكبرى في العالم، وهو جدال تمسك به حتى وفاته.
بالإضافة لعمله في هارفارد، كان هنتنغتون مخططاً أمنياً في إدارة الرئيس جيمي كارتر.
أطلق هنتنغتون أطروحته عن صدام الحضارات عام 1993، فأثارت جدلاً كبيراً في أوساط منظري السياسة الدولية، وهي كانت رداً مباشراً على أطروحة تلميذه فرانسيس فوكوياما المعنونة نهاية التاريخ والإنسان الأخير.
فكرة هنتنغتون تقوم على أساس أنه خلال الحرب الباردة، كان النزاع أيديولوجياً بين الرأسمالية والشيوعية ولكن النزاع القادم سيتخذ شكلاً مختلفاً ويكون بين حضارات محتملة وهي: الحضارة الغربية، الحضارة اللاتينية، الحضارة اليابانية، الحضارة الصينية، الحضارة الهندية، الحضارة الإسلامية (كل الدول ذات الأغلبية المسلمة)، الحضارة الأرثوذكسية، الحضارة الأفريقية، الحضارة البوذية.
وركز هنتنغتون على الإسلام وقال بأن «حدوده دموية وكذا مناطقه الداخلية»، مشيراً لصراعات المسلمين مع الأديان الأخرى مثل الصراع في السودان وجنوبه، وبين الهند وباكستان والصراعات داخل الهند نفسها بين المسلمين والهندوس.
________
*المصدر: الاتحاد الثقافي