ميس العثمان: الرقابة تحارب الكتابة والإبداع في الكويت



تؤكد الكاتبة ميس العثمان أن انتشار الأعمال الأدبية الروائية خارج الكويت كان مشرفاً جداً، لا سيما أن وسائل الاتصال الحديثة سهّلت التواصل مع القارئ في الكويت وخارجها، مشيرة إلى أن التجريب في نمط الكتابة السردية يبعث على الاكتشاف والبحث والنبش وهذه الأمور تهمها أكثر من مرحلة الصف والتحرير والانتهاء من الكتابة بشكل كامل. “الجريدة” التقت الكاتبة ميس العثمان للحديث عن إصدارها الجديد «ثؤلول» وأجرت معها هذا الحوار:
ما سبب اختيارك عنواناً غامضاً لروايتك الجديدة؟
هو في الواقع ليس عنواناً غامضاً، كما يراه البعض، لكنه فرض نفسه من سياق العمل، الذي في تفاصيله يحمل معناه حتى أقصاه. أما سمة الغموض فتأتي ربما من كون المفردة غير دارجة بمعناها الأصيل، تدعو إلى التساؤل الذي هو “لب” هدف الكاتب الذي ينتقي بتمعّن تام وجهد غير عادي عناوين أعماله، لذلك، يؤسفني حقاً أن يختار كاتب ما، عنواناً مستهلكاً فــيُفسد الدهشة بتلقي العمل.
ما ملامح عملك “ثؤلول”؟
تسلّط رواية “ثؤلول” عدسة مكبّرة على حكاية امتزجت جيداً بالمعنى الكامن وراء السرّ، لم تغادره إلا لكل الحقيقة التي توارت زمناً وبقيَتْ خلف ستارة الاتفاق/ العهد البعيد الذي تم بين خمسة أفراد جمعتهم الدنيا كأقرباء، والقُربى وثاق يشبه الإرث المعلّق بالوجع، فلا ينتهي منك إلا بالحرقة ولا تنتهي منه إلا باللعنات! في الرواية، اعترافات مبتورة وتعب متوارث بما فُرضَ علينا جميعا ممن سبقونا بعد أن زيّنوه لنا بمفردات قبلناها خوفاً وخنوعاً بين معانٍ متعددة للتقاليد والدين والحرام والحلال…
لكن الرواية تجنحُ نحو “الكشف”الواعي لذلك الزيف كله الذي نحياه ونُوَرّثَهُ لمن بعدنا بمحض غباء/ غفلة!
هل نجحت الرواية الكويتية في اجتياز محليتها؟
طبعا، لأن الكثير من الأسماء الروائية من الكويت، تجد لأعمالها نقداً مقدّراً خارج البلد، وهذا النقد إنما هو احتفاء حقيقي بالكاتب وبأعماله التي دائماً ما يشار إليها بإنها من الكويت، ناهيك بالدعوات للمؤتمرات التي توجه إلينا ككتاب لنمثل دولة الكويت أدبياً وفكرياً. نعم، انتشرت الأعمال الأدبية الروائية خارج الكويت بشكل مشرّف جدا، ووسائل الاتصال الحديثة سهّلت من تواصلنا مع قرائنا في الكويت وخارجها، وهذا يعطينا دفعات من المحبة لإنتاج أفضل في كل مرة.
تنوعت كتاباتك بين الرواية والنصوص السردية والقصص القصيرة، أيها تفضلين ولماذا؟
حقيقة، أشعر بتماهٍ أكثر مع العمل الروائي، غير أن لكل الأنواع السردية لذّتها الخاصة ونمط الكتابة والتحرير الخاص بها، لكن التجريب في نمط الكتابة السردية يبعث على الاكتشاف والبحث والنبش، وهي ما يهمني أكثر من مرحلة الصف والتحرير والانتهاء من الكتابة بشكل كامل.
من وجهة نظرك هل من الممكن أن يكون ثمة مستقبل للقصة القصيرة محلياً، لأن الكثير من الأدباء اتجهوا إلى كتابة الرواية؟
في الواقع، توجه الكثير من الكتّاب والشعراء، بعيون هدفها الجوائز، نحو الرواية! للأسف، حينما كنت أصدر أعمالي القصصية، كانت أصوات كثيرة خلال حفلات التوقيع في المعارض تطلب “الرواية” كونها قصة طويلة جداً كما يعرّفها بعض القراء، غير أن العمل بحد ذاته ورؤية الكاتب هما من يحددان النمط السردي/ القالب الكتابي الذي يستوجب إصداره ضمنه. ربما نشهد عودة للقصة أو الشعر حتى، إذا ما تم “تفصيل جائزة” جديدة لهذين الفرعيين الأدبيين! أو نعوّل على نهضة فكرية للكاتب والقارئ لإنعاشهما من جديد.
ما المعوقات التي يواجهها الأديب الكويتي؟
الرقابة هي المعوّق الأصيل الذي يحارب الكتابة والإبداع في الكويت، ويقيّده ويحرمه من العطاء حتى أقصاه. تنتشر كتاباتنا دائماً خارج هذا الوطن فيما تبذل “لجنة الرقابة”، التي تجمع بين أعضائها عدداً من الكتّاب أيضاً، أقصى ما لديها لإوجاعنا بالمنع، وكأن ثمة من يفرحه ذلك. ثمة “محرقة للكتب” في فناء مبنى الرقابة في الكويت للتخلص من الكتب التي تعرض على “اللجنة الرقابة” وتمنع! أي بلد للحريات هذا بحق الله؟
المعوّق الثاني، هو عدم منح الكاتب الكويتي الحق في التفرّغ الوظيفي، للتمكن من الإنجاز الكتابي كونه كاتباً مكرّساً ومحترفاً، لكننا ربما نطلب المستحيل؛ في بلد تشددت رقابته على كتابات أبنائه، بينما تغيب الرقابة عن جوانب أخرى في هذا البلد!
ما ر أيك بمنع الرقابة بعض الروايات من التداول في الكويت؟
ضد المنع والمصادرة والتقييد حتى أقصاه، وإن كان ثمة من يطالب بــ رفع سقف الحريات فإنني كما دوما، أطالب بـــــ إلغاء أي لجان للرقابة على الإصدارات، لجان تستنزف من ميزانية الدولة ملايين الدنانير لقتل الإبداع ومنع المجتمع من التفكير!
كيف ترصدين حركة شخصيات رواياتك؟
الرواية حكاية ممتدة بتفاصيل أبطالها ومشكلاتهم وأفراحهم، كما الحياة تماما، كلها أسرار متشابكة نسميها التفاصيل وكما درج القول: يكمن الشيطان في التفاصيل، فإن الحياة كلها تستمر عبرها. نحن في الكتابة نأخذ مكان المدبّر بشكل ما، نكتب/ نخطط حيوات أبطالنا، ونمارس السلطة عليهم وعلى انسياب الأحداث التي غالبا ما تكون بين أيدينا. لكن لا يظن أحد أبداً، بأن هذه العملية سهلة جداً، بل هي من أعقد ما يمكن أن يمارسه الإنسان في الواقع، لكنها مليئة بالدهشات وتعطي فرصاً رائعة للعودة إلى الذات والتأمل الطويل ونسج الخيال بالمعيش!
ما القضية الأساسية في الكتابة؟
الإنسان، والحقيقة في كل شيء.
كيف تقيمين علاقة المرأة بالأدب؟ وهل أنت مع تصنيف الأدب على أنه أنثوي أو ذكوري؟
قلت مراراً بأنني ضد تصنيف/ تجنيس الأدب على أنه ذكوري أو أنثوي. تشبه الكتابة أصحابها بالتأكيد، والمرأة تكتب ما يشبه شخصيتها التي غالبا ما تميّزها حتى في مجتمع النساء الكاتبات، والأمر ذاته ينسحب على الكاتب الرجل… يفرض العمل الإبداعي جرأته وأجواءه على القارئ الواعي بصرف النظر عمّن كتبه ومن أي بقاع الدنيا فعل ذلك.
اتجه بعض الكتاب إلى الكتابة بالعامية. ما رأيك؟
الكتابة بالعامية تشويه للفعل الكتابي واستسهال لا يقبل. نمضي سنوات في النحت الكتابي للخروج بأفضل ما نتصوّره، لذلك لدي موقف قرائي ممن يكتبون بالعامية إصداراتهم، مع ذلك استخدمها عبوراً في بعض الحوارات التي تقتضيها الشخصية، فلا يعقل أن تتحدث الجدة كبيرة السن بالفصحى المنمقة في حوار عائلي بحت مثلا، أو حينما يتحدث طفل صغير… لكني استخدم اللغة الأقرب إلى العربية المفهومة وإن استدعى الأمر فإنني لا أبخل بهوامش شارحة للقارئ العربي الذي تصعب عليه لهجاتنا.
يرى بعض الأدباء في كتابته مُتنفسا من الضغوط وأخرون يرون بأن الكتابة عالماً أكثر حرية. بالنسبة إليك، ماذا ترين في الكتابة؟
الكتابة رسالة، ليست بالهينة إطلاقاً، الكتابة التزام بالفكرة والمبدأ، الكتابة انعكاس لنمط حياة متكامل، الكتابة ليست ادعاءً وترفاً كما يظنها البعض. والكاتب الحقيقي هو من لا يخشى الكتابة بصوت عال!
في سطور
ميس العثمان كاتبة وروائية من الكويت، عضو رابطة الأدباء في الكويت، باحثة أدبية في العلاقات العامة في دار الآثار الإسلامية في الكويت منذ أبريل 2013 حتى الآن، محررة في “جريدة الفنون” الصادرة عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب/ الكويت، منذ 2000 حتى 2008، ثم سكرتيرة للتحرير منذ 2008 – 2012. لها من الإصدارات: “رحلة إلى أسرار الشرق القديم” نصوص سردية، في كتاب آثاري/ سردي مشترك مع الباحث “عقيل عيدان” من إنتاج (دار الآثار الإسلامية) الكويت – 2014 ، “أفتحُ قوساً وأُغلقهُ” سرد ذاتي 2013 دار العين/ مصر، “لم يستدل عليه” رواية 2011 عن دار العين/ مصر، “صلوات الأصابع” نصوص سردية 2010 عن دار العين/ مصر، “عقيدة رقص” رواية 2009 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ بيروت، “عرائس الصوف” رواية 2006 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ بيروت، “غرفة السماء” رواية 2004 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ بيروت، “أشياؤها الصغيرة” قصص 2003 عن دار قرطاس/ الكويت، “عبث” قصص 2001 عن دار قرطاس/ الكويت.
——-
الجريدة الكويتية

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *