فوزية شويش السالم
أحببت أن يكون مقال اليوم، بمناسبة قضاء الأغلبية عطلة العيد في إنكلترا، عن الأماكن الجميلة فيها التي تصلح لقضاء الإجازات في الراحة والاستمتاع بالطبيعة الساحرة، حيث تتنوع تضاريسها بشكل كبير ما بين السواحل البحرية ومدنها الساحلية، والتلال المتدرجة بارتفاعات مختلفة، مما يرسم مشاهد بديعة متلونة بألوان زاهية مبهجة محاطة بغابات صالحة للتنزه وممارسة مختلف الأنشطة الرياضية، كما أنها تضم طيوراً وحيوانات أليفة، وكلها أماكن صالحة لجميع أفراد العائلة، منها مستعمرة تعج بطيور البجع في قرية ابوتسبري التابعة “لدورست”، وهي من أكبر البحيرات البريطانية وتمتد بعرض 200 متر وارتفاع 15 متراً، وبسبب قلة الملوحة والتلوث تكاثرت فيها المستعمرات البحرية المائية الضحلة التي تأتيها المياه العذبة من الجبال الصالحة للنبات والحيوان، وبالقرب منها شاطئ “شيزل بيتش” الذي يعد واحداً من أعظم شواطئ العالم التي تكونت في نهاية العصر الجليدي، وتشكلت بسبب الأمواج العظيمة التي أودعت الجليد على الشاطئ وكونت ضفته، وهي اليوم تقريبا 30 كيلومتراً على طول الشاطئ.
الغريب أن السكان المحليين يستطيعون معرفة طريقهم ويستدلون على مواقعهم حتى في أقصى حالات الظلام الدامس عن طريق حركة الأمواج التي تضرب الضفة بالحصى الصغير الذي يقوم بدفع الحصى الأكبر بحجم البطاطا تجاه نهاية منطقة بورتلاند، وتُبقي الحصى الصغير الذي بحجم حبة “البزاليا” في اتجاه الجنوب، وبمجرد النظر إلى حجم الحصى تحت أقدامهم يتعرفون على موقعهم في هذا الشاطئ الخطر.
على هذه البحيرات عملت بروفاتها الراقصة الشهيرة “أنا بافلوفا” في عام 1920 في باليه بحيرة البجع، حيث تمت دراسة البروفات والتدريبات مع كامل المجموعة الراقصة والمصورين، وسط مستعمرات البجع الكبيرة التي رصدوا حركاتها وتعاملها مع بعضها بعضا مما ساعدهم على الأداء المتقن المماثل لرقصها.
الفرجة على البجع ومراقبته من أجمل المشاهد التي تسر القلب وتمنحه بهجة وفرحا طفوليا غامرا، خاصة أن هذا البجع مسالم جدا ويتمتع بروح صداقة مع الزوار، ويسمح لهم بالمرور بالقرب منه حتى وإن كان في حالة تفقيس أو بناء أعشاش، فعمر هذه المستعمرة أكثر من 600 سنة مما خلق أجيالا كثيرة منها اعتادت على التعايش مع الإنسان، فهناك مجموعة من المشرفين عليها تعمل على راحتها، وفي مواسم التفقيس تزداد مهمتهم خاصة لأن الأفراخ في البداية لا تميز أصوات أمهاتها فتفقد اتجاهها في المستعمرة، فيقوم المشرفون بإرجاعها لأمهاتها حسب الأرقام المعلقة في أرجلها، كما أنهم يزنونها في كل صيف ويقيسون أحجامها ويلبسون أرجلها بالحلقات، وريشها مختلف فبعضه قوي صالح للطيران والآخر ناعم وخفيف خاص لتدفئتها.
بالرغم من أن البجع يستطيع الطيران إلا أنه يفضل البقاء في مكانه بفضل توفير الغذاء الدائم له، كما أنه يتعرف على أعشاشه القديمة حتى وإن غادرها في رحلته السنوية حين يأتي من روسيا والدول الإسكندنافية. والبجع هو أثقل طائر إنكليزي حيث يزن 11 كيلوغراماً، وكان القساوسة يأكلونه إلى أن قام الملك هنري الثامن في عام 1039 بتدمير معبدهم في القرية وباع المنطقة لثري اسمه “جايلز” الذي اعتنى بها وأحفاده إلى يومنا هذا.
من الأماكن الرائعة في مقاطعة “دورسيت” الشاطئ الطويل المسمى “بالجورسيك بيتش” المتكون من العصر الطباشيري. وهناك شواطئ رائعة مذهلة الجمال في وحشيتها وطبيعتها البرية المنحوتة في الصخور الضخمة والجروف الحادة العظيمة المكونة لكهوف مائية يتفجر منها الموج العالي بغيوم رذاذية مدهشة.
الشواطئ هذه تشمل دورديل دور، ولولورث كوف، وهاري روك، وذا ستير هول، وذا بلو بول، وكورفو كاسيل… كلها أماكن وشواطئ جمالها عنفواني وتصلح لقضاء إجازات بعيدة عن ازدحامات لندن الخانقة وخليط البشر المتعب والتوتر المصاحب للعيش في العواصم.
هذا لا يعني أن السكن في لندن سيئ لأنها في الواقع مدينة عظيمة للثقافة ونشر الوعي، ففيها أعظم المتاحف التي تسمح بالدخول المجاني، إلى جانب المعارض الفنية والمسارح الموسيقية الضخمة والعروض الفنية المجانية في احتفالاتها السنوية، لكن تبقى الطبيعة في إنكلترا ليس لها مثيل في أي مكان آخر، لأن الإنكليز هم خير من حافظ على طبيعتهم من دون إلحاق أي أذى أو إحداث أي تغيرات مصطنعة.
—–
الجريدة الكويتية