عصام أبوزيد من اللغة الشعرية السهلة إلى العالم الذي لا يتكرر


عزالدين بوركة

يحضر التجريب بشكل واضح المعالم في قصائد الشاعر عصام أبوزيد، في كلا ديوانيه الصادرين عن دار روافد “أكلت ثلاث سمكات وغلبني النّوم” و”كيف تصنع كتابا يحقق أعلى مبيعات”، ذلك البعد الذاتي/ الإنساني، من حيث حضور لمفردات الحياة اليومية البسيطة، وهذا ربما ما يميّز كتابة قصيدة النثر المعاصرة، إذ أن الشاعر يحاول أن يجعل لنفسه تصورا ذاتيا، منطلقا من إنسانيته لرؤية العالم.

مبتعدا كل الابتعاد عن تلك الصور والرؤى التي جاء بها سابقوه، في خليط بين الذاتية وسوريالية البناء الشعري تتمخض القصيدة ذهابا وإيابا لدى عصام أبوزيد بين الأنا والعالم، إذ أن اللغة تنحو إلى البساطة والبلاغة المعدمة والذاتية، وأما البناء المفاهيمي في القصيدة فيتجه إلى المجازي السوريالي، في خلطة عجيبة لا يعرف سرها إلا الشاعر.
يعدّ عصام أبوزيد منذ سنوات التسعينات من القرن الماضي، وبداية مع ديوانه الأول “النبوءة” وما تلاه من أعمال أخرى، من أبرز شعراء قصيدة النثر على الساحة الشعرية المصرية. فهو يشتغل بشكل دؤوب على تجريب أدوات شعرية جديدة مع كل ديوان، محتفظا بتلك الرؤية السوريالية التي ينطلق منها لرؤية العالم.
أبوزيد بقدر ما يميل إلى هدم الأشياء والثوابت، يفتح الباب على مصراعيه للدخول إلى تجربة جديدة، تؤسس لحداثة خاصة داخل عوالمه الشعرية. ويؤكد كلامنا هذا الكاتب محمود خيرالله إذ يقول “من اللغة الشعرية السهلة، إلى العالم الذي لا يتكرر أبدا، يحطم الشاعر عصام أبوزيد الأنماط كافة، كأنه يكتب بالمخالفة لأي «قالب» شعري جاهز، رافضا الصيغ الثابتة، بما فيها صيغة «المجانية/ الإيجاز/ التوهج»، التي عرفتها الأدبيات الخاصة بقصيدة النثر العربية مبكرا، نقلا عن سوزان برنار. لقد بدا كأنه يحطم كل شيء ليتمكن من البناء”.
في ديوانه “كيف تصنع كتابا يحقق أعلى مبيعات؟” يجعل الشاعر عصام أبوزيد من الذات الشاعرة تمتزج بالطبيعة، في رهافة وهشاشة، تنتصر لذلك البعد الفطري والمسالم في الذات الإنسانية. كما أيضا، وهو الملاحظ في أحد المقاطع، نستشعر تلك الرهافة الصوفية التي تحاول أن تستلطف الذات الإلهية، وتستدرجها في الكتابة، طلبا لاكتمال إنساني.
هذا الخطاب الشعري المشحون بعناصر فيها من التقابل والتآلف إنما هو تلميح إلى ذلك الاكتمال المستعصي على الإنسان، والحاضر في التصور للذات الإلهية. كنوع من الحلول والاتحاد الصوفي، إذ يجعل الشاعر جسده مكانا لهذا الاتحاد والحلول.
الحديث عن التجريب، يقودنا إلى ضرورة الإشارة والحديث عن الأسلوب المتنوع في الكتابة عند الشاعر، إذ إلى جانب أساليب لغوية يوظفها الشاعر بشكل متكرر في الكتابة (الاستفهام، النداء، الحذف، أسلوب المخاطب، الغائب، إلخ…) يحضر الأسلوب الحواري/ المسرحي، فاستدراج الأجناس الأخرى شكل كتابي يميّز قصيدة النثر، وهو استدراج لا يمنعها من أن تسمى شعرا، بل يضخ في شرايينها حياة أخرى ويعطيها امتيازا في الشكل المتجدد داخل عوالم التجريب اللامحدودة، التجريب الذي ينتهجه عصام أبوزيد بمعية شعراء قصيدة النثر اليوم.
كما تتراوح قصائد أبوزيد بين القصيدة المتوسطة فالشذرية ثمّ ذات البيت الواحد. من تلك وتلك يجعل الشاعر من السوريالية في الرؤية وبساطة اللغة شكلا ناظما لكل قصائد الديوانين، فالكتابة عنده في تجدد مستمر، تجدد يبحث عن أفق مغاير مع كل تجربة شعرية جديدة، داخل مدارج التجريب في عوالم قصيدة النثر. فتجربة هذا الشاعر لا تعرف الثبات أو الركون إلى مستقر واحد، هي تجربة مستمرة ومتواصلة
——
العرب

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *