وحوش فضائية!




مهند النابلسي*


خاص ( ثقافات )

.. أينك أيها النوم اللذيذ؟ وبدأ ينام… فتخيل في منامه فتاة جذابة عذبة، باهرة الفتنة والجمال، ذات ابتسامة مشرقة، وقد وقع نظره للوهلة الأولى على شفتيها المغمورتين بحمرة وردية داكنة، تشبه زورقين يبحران بعيداً، فأحس برغبة عارمة في رؤية اللون الحقيقي لهذا البحر الغامض وشم عطره ولمس زبده وتذوق ملوحته! تخيلها تسقط من الفضاء هاربة إلى مركبته الفضائية، طالبة باستعطاف وحنو آسر أن يحميها من المهاجمين الأوغاد: إنهم وحوش فضائية تشبه السلاحف والديدان والحشرات، وقادرة على التخفي بمهارة فائقة.. فاحذرهم! فوعدها بأن يستبسل بالدفاع عنها، وهرب بمركبته الفضائية الصغيرة متملصاً، ثم تاه بقصد في سماء مليئة “بالتاكسيات والمركبات الطائرة الصغيرة”، وربما لأول مرة في حياته تمتع بشجاعة وجرأة نادرة، وومض بريق ذكائه، واستوعب هندسة الأطباق الطائرة التي طالما استعصت على فهمه التقليدي للبعد الثلاثي! وطار مسرعاً لشقته في الدور المائتين لإحدى العمارات السكنية الشاهقة، وهناك اتصل بصديقه الحكيم، فأبلغه هذا الأخير بثقة المطلع على خفايا الأمور بأن الفتاة الجميلة ستسعى جاهدة لإنقاذ كوكب الأرض من كويكب ناري متوهج قادم، ومن سيطرة لاحقة لكائنات “حشرية” شريرة تسعى لأن تستولي على الأرض بعد تدميرها ونجاحها بالقضاء على الجنس البشري!

 وحذره بأن هذه الكائنات الفتاكة فد انتشرت في كل مكان بشكل متخفٍّ، فتذكر السلوك الغريب لعمال المطعم الذي تناول فيه وجبة الغداء، وبدا الأمر وكأنهم يخفون شيئاً، وتذكر وكأنه شاهد زوائد هلامية تتحرك داخل ملابس أحدهم، وكيف بدا لسان عاملة الكاشير أطول من اللازم! يا للهول! يبدو أن السيناريو الكارئي يتحقق، حيث زاره شخص انيق غامض في المساء، تأمل وسامته المصطنعة، وكأنه يخفي خلفها كائناً حشرياً مليئاً بالزوائد الدودية، وحتى زوايا دوران رأسه بدت لبرهة وكأن حركتها دائرية وغير إنسانية، شل بدنه وكيانه رعب قاتل، وطلب من الفتاة مسبقاَ أن تختبئ بحذر، وأن تكون جاهزة للهروب بسيارته الطائرة، وهمس لنفسه بهدة وكأنه يصلي ويستعين بالله الواحد القهار من الشيطان الرجيم:

• نحن نعرف أنك تخبئ تلك الساحرة الجميلة… سلمها لنا وستنجو بنفسك! من أنت حتى تتحدانا، سنقدم لك عرضاً لن ترفضه (تذكر العبارة الشهيرة لمارلون براندو في فيلم العراب الشهير): ستصبح ملكاً لأحد كواكبنا البعيدة…. لا لأملك وقتاً طويلا ًللتفاوض معك، فاستغل الفرصة وإلا….
• لا أريد أن أصبح ملكاً على أحد، فأنا لست طموحاً ولا أحب السلطة، وكل ما أتمناه أن أعيش مغموراً بالسكينة غير مدين لأحد، وأن أموت إنساناً عادياً، وأن ادفن في جوف الأرض واتحلل كغيري من البشر، فأنا أعشق كوكب الأرض، وفيها سأجد ملاذي وراحتي الأبدية… 
• هنا امتعض زعيم الشرار الذي يتمتع بهيبة خاصة ونظرات مخيفة على الرغم من وسامته المصطنعة، فقد كان طويل القامة، ذو لحية صغيرة ملفتة للانتباه وحاجبان كثان، فأجاب بحدة غير متوقعة :
• هذا هراء بالتأكيد… أنت شخص فاشل بلا طموح، وأشعر أنك تضيع وقتي الثمين… كيف اختارتك هذه الساحرة اللعينة من بين ملايين البشر لتنقذها؟ يا لتفاهة النساء وغموضهن العجيب! ثم تابع وكأنه قرر مسايرته للحصول على الفتاة الرهينة:
• اسمع: لولا الشر ما وجد الخير، وما معنى حياة رتيبة لا تحديات فيها ولا شر ومشاكل؟ وكيف ستقدرون الخير والجمال بدون شر وقبح؟ ثم اضاف بجرأة من يطرح فكرة جديدة:
• صدقني… إن العالم بلا شيطان لا يطاق!! واستطرد بدون تردد:
• لأنه ببساطة سيصبح عالماً مملاً ساذجاً، لا معنى فيه لشيء، والأشرار أمثالنا يقدمون خدمة لعالمكم البائس من حيث قدرتهم على بعثرة الأشياء المنظمة والرتيبة وكذلك الأفكار والعقائد وطرق العيش، اننا نخلق ما يسمى الفوضى الخلاقة أو اللاخلاقة أن شئت! ونعطي أمثالك من الأخيار والأدعياء الفرصة الذهبية لإعادة إصلاح وترتيب الأشياء المبعثرة، لكي نعود ونبعثرها وهكذا دواليك… ثم انظر حولك أيها المتحذلق: من يحكم عالمك “البائس –غير المتوازن” غير الانتهازيين والساسة الأشرار الكاذبين والمتشدقين وتجار العقائد… وبالرغم من شرهم وافتضاح أمرهم فهم دبلوماسيون وناعمون ومنافقون، ويخفون دوما وراء الهدؤ والابتسامة المرسومة شرا مستطيرا وجشعا هائلا: فهم يخططون لسرقة موارد الطاقة واراضي الغير وثروات العالم ويعشقون الهيمنة والتسلط والنفوذ، وحتى الفضاء الخارجي لم ينجُ من هيمنتهم !
• انهم باختصار يهيئون العالم للخراب الكبير القادم… ليوم القيامة الكارثي… ونحن سنكون ارحم منهم ومن عشقهم المزمن للحروب والكوارث والنكبات… فلماذا لا تخرج من شرنقتك وبطولتك المزيفة وتنضم لهؤلاء الأوغاد وتقبل بعرضنا المغري لك قبل فوات الوان! وحاول الشرير أن يحبب له فعل الشر فقال منهيا خطبته:
• نحن “كالأطفال المشاغبين ” ما زلنا نملك موهبة الاندهاش ازاء الأحداث والأشياء، أما انتم بني البشر فقد تبلد حسكم وأصبحتم ترون كل الأشياء بديهية وروتينية!! وكاد الشرير أن يقنعه بحججه الباطلة المتلاحقة كسيل ماء متدفق، وأنهى خطبته بشعار غامض ملتبس:
• إذن دعنا أخيراً نتفق على أن لا نتفق! 
• لكن “ضميره اليقظ وحسه الإنساني الراقي وسحر الفتاة الخفي” أنقذته جميعاً من دوغماتية الشرير الكاسحة، فاستعان بآية الكرسي، رافضاً أكاذيب الباطل، وقرر أن يرفض العرض المغري وأن يستبسل بالدفاع عن الحسناء “منقذة الأرض”!! 
* ناقد فني أردني

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *