*لطفية الدليمي
1
ترى كيف سيكون مصير عالمنا إذا حظرت الثقافة في المجتمعات المستقبلية أو أهمل شأنها وعدت من التفاهات الزائدة وألغيت المدارس وهيمنت الهيئات المتشددة أو الشركات الكبرى على البشرية وتكفلت بتنمية البلاهة وتصنيعها وساقت البشر قطعانا للعمل في مصانع تستنزف الموارد الطبيعية على كوكبنا حتى النهاية؟ كيف سيكون حال العالم وكيف سيرى البشر انفسهم وقد تحولوا الى كائنات استهلاكية بلهاء تعزز أرباح الشركات الكبرى والجماعات المتشددة وتهمل تنمية تعليمها وثقافتها ولا تأبه بانقراضها الوشيك؟
يتخيل مخرج فلم أميركي كوميدي عنوانه ” ايديوكراسي Idiocracy ” ما سيؤول إليه حال البشرية في أميركا بعد بضعة قرون عندما يستخف المجتمع بالثقافة ويحتقر القراءة والتعليم ويسخر من الكتب التي يعدها إرثاً سخيفاً من القرون السالفة ويصبح العلماء والمفكرون فئة منبوذة إذ يعتبرون محرضين على التفكير الذي يوّلد الحزن والألم و يظهر مجتمعٌ مذعن يتساوى جميع أفراده في البلاهة وعدم النضج و يقف أفراده على شفير الفناء بسبب جفاف الأرض وجهل الناس بمهارات زرع النباتات وتكثير المحاصيل واستبعادهم فكرة الزراعة بعد أن أذعنوا لما فرضته عليهم الشركة العملاقة التي تقوم بتصنيع شراب أخضر يسمى (براوندو) يستهلكه الجميع ويعطى للرضع بدل الحليب ويحتسيه الكبار كوجبة غذائية وبه ينظفون وجوههم وأجسادهم، ويروون به المزروعات فيؤدى ذلك الى موت النباتات و الأشجار تباعا على مر السنوات واستيلاء الشركة على جميع مصادر الغذاء الأخرى في أرض المستقبل.
يبارك الرئيس -وهو أمريكي من أصل أفريقي ولا تخفى الإشارة العنصرية هنا الى سبب الخراب – يبارك قرارات الشركة بمنع استخدام المياه للشرب او الطبخ أو الزراعة و الحياة اليومية إلا في دورات المياه والاكتفاء بالشراب الأخضر ( براوندو) الذي يعمل ملايين البشر كعبيد في مصانعه الكبيرة وهي المصانع الوحيدة التي تبقت بعد انهيار الاقتصاد الشامل.
أي مستقبل مريع يشير إليه هذا الفيلم الخيالي ؟ وأي مصير ينتظر المجتمعات الخاملة التي تتخلى عن الثقافة وتنمية التعليم وتكتفي بسد حاجاتها الأولية لتبقى على قيد حياة اقرب إلى حياة البهائم؟؟
2
يكشف لنا هذا المصيرَ المأساوي الذي ستؤول اليه البشرية . في الفلم شابٌ أمريكيٌ متوسط الذكاء أخضعه البنتاغون لتجربة علمية عن السبات الصناعي عبر الزمن وتنجح التجربة ليستيقظ الرجل بعد مرور 500 عام ليكتشف أن المجتمع بلغ حداً من التخلف وقد سادت البلاهة والإذعان حياة الناس فلا مدارس ولا كتب ولاعلم بل حياة بدائية بليدة تفتقر إلى القيم الانسانية وتُمارس فيها مشاعية حيوانية حيث تباح النساء لكل الرجال كما تفعل الجماعات المتشددة في زمننا.
يصبح رجل البنتاغون متوسط الذكاء هذا أذكى شخص على وجه الأرض ويطلبون منه أن يحل لهم مشكلة الغذاء ،يقترح عليهم أن يقرأوا الكتب ليجدوا الحل فيسخرون منه، يناقشهم بضرورة إعادة تعليم أنفسهم لتستمر الحياة لكنهم يسأمون النقاش ويستسلمون للنوم أو ممارسة اللعب والجنس والرقص ويقرر استخدام الماء لريّ المزروعات فيستنكرون الأمر ويهزأون بالفكرة، لكنه ينثر البذور في حقل ويواصل ريـّها بالماء بدل استخدام آلاف زجاجات الشراب ، فتحشّد شركة (براوندو) مظاهرات بحجة أن عمله سيتسبب في طرد آلاف العمال من المصنع إذا توقف استهلاك الشراب، وعندما يتأخر إنبات البذور يتّهمونه بالخداع ويحكم بالإعدام وقبل تنفيذ الحكم تشاهد صديقته نبتة خضراء مورقة وتنقذه من الموت في اللحظة الاخيرة ويصبح رئيساً للوزراء ويخطب مبشراً بإعادة الهيبة للكتب والعلم والمدارس لمقاومة تصنيع البلاهة وترويجها في مجتمعات المستقبل.
_________
*المصدر: المدى