أليس مونرو: القراءة قد تصنع جبلاً من «الهراء» والقواعد الأدبية لا تصنع «كاتباً»


*إعداد- عبدالله الزماي



تتحدث الكاتبة الكندية الحاصلة على جائزة نوبل للأداب عام 2013م أليس مونرو في هذا الحوار عن العديد من أفكارها تجاه كتابة القصص القصيرة، وعن معرفتها العميقة بالشخصيات التي تكتبتها ابتداءً بالرداء المناسب وانتهاء بالفكرة التي تشبهها، كما تستعرض انتظامها تجاه الكتابة بوصفها عملاً يومياً يستغرق منها ساعات طوالا:
* في المقدمة دعيني اسأل: ما الذي شدك في القصص القصيرة أكثر من الروايات؟ ما الذي أتاحه لك هذا الشكل الأقصر في الكتابة والذي لم تتحه لك الرواية؟.
– يبدو أنني تحولت إلى القصص التي تنتهك انضباطية شكل القصص القصيرة ولم أنصع لقواعد التقدم إلى الرواية. أنا لا أفكر بشكل معين، أفكر كثيرا في السرد، دعني أخبرك قطعة من السرد. ماذا تريد أن أفعل؟ أريد أن أحكي قصة على الطريقة القديمة ما يحدث لشخص ما ولكنني أريد لهذا الشيء “الذي يحدث” أن يصل إلى القارئ وهو محمل بقدر كبير من الانقطاع والتحول، والغرابة. أريد للقارئ أن يشعر بشيء مذهل ليس ما يحدث وإنما الطريقة التي يحدث بها كل شيء. هذه القصص السردية القصيرة تفعل ذلك بشكل أفضل بالنسبة لي.
* من أين تستمدين فكرة قصة ما أو شخصية ما؟.
– أحيانا أحصل على بداية القصة من الذاكرة، حكاية، لكنها عادة ما تضيع ولا يمكن التعرف عليها في القصة النهائية. لنفترض أن لديك في الذاكرة امرأة شابة تنظر من القطار في زي أنيق جدا وتضطر أسرتها إلى كبح جماح غرورها “كما حدث لي ذات مرة” وبطريقة ما أصبحت الزوجة التي تعافت من الانهيار العقلي، قابلت زوجها وأمها وممرضة أمها التي لم يكن يعرفها زوجها بعد وأحبها، كيف حدث هذا؟ لا أعرف.
* ما هي طقوسك في الكتابة ؟ هل تستخدمين الكمبيوتر؟ هل تكتبين كل يوم؟ في الصباح أم المساء؟ كم تقضين من الوقت لإتمام قصة؟
– استخدم الكمبيوتر منذ سنة واحدة فقط، إنني متخلفة عن اللحاق بالتقدم التقني وما زلت لا أملك مايكروويف، لكنني أعمل مسودة أو مسودتين طويلتين بخط يدي قبل أن أتجه إلى لوحة المفاتيح. ربما تنتهي القصة خلال شهرين من بدايتها إلى نهايتها وتكون جاهزة للنشر، لكن هذا نادر الحدوث. الأرجح أن تستغرق من ستة إلى ثمانية أشهر وتستغرق الكثير من التغييرات والاتجاهات الخاطئة والكثير من التفاهة وبعض اليأس. أكتب كل يوم ما لم يكن ذلك متعذرا، أبدأ في الكتابة حالما أستيقظ من النوم وأعد القهوة ثم أحاول أن أحصل على ساعتين أو ثلاث ساعات من الكتابة قبل أن توقظني الحياة.
* ما هي النصيحة التي يمكن أن تقدميها للكتّاب المبتدئين؟.
– ليس من الممكن تقديم نصيحة للكتاب المبتدئين لأن كل كاتب مبتدئ مختلف عن الآخر. يمكنني أن أقول لهم اقرؤوا لكن الكاتب يمكن أن يقرأ الكثير حتى يصاب بالشلل أو “لا تقرأ، لا تفكر، اكتب وحسب”. ويمكن أن تكون النتيجة جبلا من الهراء. إذا كنت تنوي أن تصبح كاتبا ربما عليك أن تمر بالكثير من المنعطفات الخاطئة وبالتالي في يوم ما في نهاية المطاف يكون لديك ما تكتبه، وبالتالي تصبح أفضل وأفضل لمجرد أنك تريد أن تصبح أفضل. حتى حين تشيخ وتفكر: “ثمة شيء آخر يفعله الناس” لن تستطيع حينها أن تستسلم.
* من الكتّاب الذين أثروا فيك؟ ومن هم الذين تحبين القراءة لهم؟.
– حين كنت شابة كنت معجبة بإدواردو ويلتي وكارسون مكيولرز وكاترين آن بورتر وفلانري أكونرو وجيمس أجي. ثم أعجبت بأبدايك وشيفر وجويس كارول أويتس وبيتر تايلور وخاصة وإلى الأبد وليام ماكسويل. كذلك وليام تريغور وإيندا أو برين وريتشارد فورد. هؤلاء الذين ذكرتهم أثروا بي. وثمة العشرات الآخرين الذين أحب القراءة لهم. كان آخر اكتشافاتي الكاتب الهولندي بيس نوتيبوم. لا أحب أن أضع قوائم مثل هذه لأنني سأضرب رأسي عما قليل بسبب نسياني لكاتب ما رائع. لذا فقد تحدثت فقط عن أولئك الذين أثروا بي وليس جميع الذين يعجبونني.
* لقبتك “سينيثيا أوزيك” بشيخوفنا بماذا شعرتِ بهذه المقارنة؟.
– أعدت مؤخرا قراءة الكثير من أعمال “تشيخوف”، أعتبر إعادة قراءتي له تجربة متواضعة. أنا حتى لا أدعي أن “تشيخوف” ملهم خاص بي لأنه أثر بنا جميعا. كتابته مثل “شكسبير” سلط عليها الضوء الأكثر شمولا، ولكن لا توجد لمحة شخصية لهذا الضوء. حسنا، ألن أحب بالطبع القيام بذلك!.
* يصفك عدد من النقاد بأنك قادرة على خلق حياة كاملة في صفحة واحدة. كيف يمكنك تحقيق مثل هذا الإنجاز؟.
– لدي دائما معرفة بشخصياتي بشكل عميق جدا، اختار ماذا يلبسون، وكيف شرعوا في دراستهم .. إلخ. وأعرف ما حدث قبل ذلك وما سيحدث بعد ذلك، بعد الجزء الذي أتعامل معه من حياتهم. لا أستطيع أن أراهم الآن فقط. معبأة بضغط اللحظة. لذلك أعتقد أنني أريد تقديم المزيد عنهم بقدر ما أستطيع.
* لا تضل معظم قصصك طريقها بعيدا عن وطنك (عن بلدك الأصلي “أونتاريو”) ما الذي يجعل المكان الذي تعيشين فيه أرضا خصبة لكثير من القصص المختلفة؟.
– أعتقد أني لا أجد نفسي مهتمة بشكل ما لأن أكون مفسّرةً للمناطق الريفية لأونتاريو. أعتقد أن ميزة العيش هنا ربما هي معرفة الكثير من الأنواع المختلفة من الشخصيات أكبر مما يمكن أن تعرفه في مجتمعات أكبر (حيث ستصمت، ربما عند دخلك ومستواك التعليمي وطبقتك المهنية). ربما العنصر المكاني حقيقي بالنسبة لي. بشكل لا مثيل له. أحب المناظر الطبيعية ليس كمشاهد ولكن كما أعرف شيئا عن كثب. كذلك الطقس والقرى والأرياف ليس في أجوائها الخلابة فحسب وإنما في جميع حالاتها. على الرغم من أن التجربة الإنسانية لا تبدو بالنسبة لي تختلف إلا بالطرق السطحية نوعا ما بغض النظر عن الحدود والمناطق المحيطة بها.
* تلعب الذاكرة دورا رئيسيا في العديد من قصصك. ما أكثر ما يثيرك ويحفزك في قوة الذاكرة والطريقة التي تشكل بها حياتنا؟.
-الذاكرة هي الطريقة الباقية لنحكي قصصنا لأنفسنا. ونخبر الناس بطريقة ما نسخة أخرى من قصصنا. نحن بالكاد يمكننا أن ندير حياتنا دون السرد المستمر القوي. وتحت كل ذلك التحرير والإلهام والمتعة وتحقيق الذات توجد القصص. نحن ننفتح ونرغب بكيان غامض مفتوح يدعي “الحقيقة” التي من المفترض لقصصنا المتخيلة أن تحتل مكانها وتأخذ قطعًا وأجزاء منها. ما الذي يمكن أن يثير اهتمامنا كاحتلال الحياة؟ إحدى الطرق التي يمكن أن تفعل هذا كما أعتقد هي محاولة النظر إلى ما تفعله الذاكرة “حيل مختلفة في مراحل مختلفة من حياتنا”. وعلى طريقة ذكريات الأشخاص تتعامل مع نفس التجربة المشتركة. كلما كانت الاختلافات أكثر إرباكًا، كلما شعر الكاتب في داخلي بنشوة غريبة.
* هل ثمة قصة أو قصص معينة قريبة من قلبك بشكل خاص؟.
– أنا دائما مثل القصة أحاول أن أكتب اللحظة الأفضل. القصص التي نشرت للتو القادم أفضل. في كتابي الجديد أنا شديدة التمسك بـ “أمن الحصاد” و”حلم أمي”. ومن قصصي القديمة أحب “تقدّم الحب” و”عشاء عيد العمال” و”حمل” والكثير من القصص الأخرى.
________
*المصدر: الرياض

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *