محمد فايز جاد
حياة الشاعر حسن فتح الباب، الذي رحل عن عالمنا عن 92 عامًا، مليئة بالمحطات والمراحل التي رغم عدم ترابطها أو منطقيتها أحيانا، قد أسهمت في صقل وتكوين أحد رواد القصيدة في العصر الحديث.
فتح الباب الذي ولد بالقاهرة عام 1923 وكان مولعا بالقراءة منذ الصغر، التحق بكلية الآداب وفقا لما يهوى، وبعد أن قضى عاما في كلية الآداب اجتاز فيها اختبارات أمام عمالقة الأدب من أمثال د.طه حسين والأستاذ أحمد أمين، قرر أن يدرس الحقوق.
في هذه الفترة صدر قرار بعد جواز الالتحاق بكليتين في الوقت نفسه، ومن عجب أن فتح الباب آثر دراسة الحقوق على الآداب، وبالفعل التحق بكلية الحقوق ليحصل على الليسانس في عام 1947.
ومرة أخرى وبعيدا عن ميوله الأدبية يعمل فتح الباب ضابط شرطة، لكن مع ذلك كان لهذه المهنة دور كبير في إثراء تجربيته الإنسانية، الأمر الذي انعكس على كتاباته بعد ذلك، كما يذكر فتح الباب في مذكراته.
بدأ فتح الباب حياته الشعرية بكتابة الشعر العمودي، الذي كان سائدا في تلك الفترة، ولكنه، ومع بداية تمكنه من أدواته الشعرية، تحول من الشعر العمودي، إلى شعر التفعيلة، في ديوانه الأول “من وحي بورسعيد” حيث مزج فيه بين الشعر العمودي وقصيدة التفعيلة، لتأتي بعد ذلك دواوينه كلها خالية من الشعر العمودي، إلا من ثلاث قصائد.
لو أن لأحد أن يحدد سمة مشتركة بين دواوين فتح الباب، على اختلافها في الأغراض الشعرية وتباعد الفترة الزمنية بينها، لكان له أن يختار الحرية.
السمة المشتركة في شعر حسن عبد الفتح كانت دائما التغني بالحرية والبحث عنها كما نرى في “فارس الأمل”، و”حبنا أقوى من الموت”، و”معزوفات الحارس السجين”، و”روؤيا إلى فلسطين”، وغيرها.
وعلى عكس غيره من أبناء جيله الذي كتبوا الشعر العمودي ومن بعده شعر التفعيلة، كان موقف حسن فتح الباب من شعر النثر جيدا للغاية، فرغم أنه لم يكتب أبدا قصيدة النثر، فإنه خرج برأي يعد فريدا مقارنة بآراء أبناء جيله الذين حاربوا من أجل حريتهم في كتابة قصيدة التفعيلة، ثم حاربوا الأجيال التالية عندما لجأت إلى قصيدة النثر.
رأى فتح الباب أن قصيدة النثر ليست بدعة وإنما لها جذور في الأدب العربي، بدأت بالسجع الذي عرفه العرب في العصر الجاهلي، ثم تطورت بعد الإسلام في كتابات نثرية ذات عبارات مكثفة جميلة البناء كالتي كتبها الجاحظ وغيره.
ولم تقتصر أعمال فتح الباب على الجانب الشعري فقط، إنما كانت له إسهامات نقدية وتأريخية مهمة، ربما تعادل أهمية إنتاجه الشعري.
في كتابه “شعر الجزيرة العربية”، و”رؤية جديدة لشعرنا القديم”، و”حسان بن ثابت شاعر الرسول” وغيرها من الكتب التأريخية يغوص فتح الباب في قلب تاريخ الأدب العربي، محاولا استخلاص عوامل ازدهاره وتدهوره، وأدواته الأدبية والفنية.
ومن القديم إلى الحديث ينتقل حسن فتح الباب ناقدا ومؤرخا ليكتب “سمات الحداثة في الشعر العربي المعاصر”، كما تناول في أكثر من كتاب سلاح الشعر في الثورة الجزائرية، كما في “مفدي زكريا شاعر الثورة الجزائرية”، و”ثورة الجزائر في إبداع شعراء مصر”.
رحل عن عالمنا حسن فتح الباب عن عمر يناهز 92 عاما مخلفا وراءه أثرا أدبيا عظيما بين الشعر والنقد والتأريخ، والثورة.
——
بوابة الأهرام