*غيث خوري
ماري آن إيفانز وجورج هنري لويس، من أشهر الأسماء في الأدب الإنجليزي، ارتبطا من خلال علاقة الحب والصداقة التي أثرت حياتهما وكتابتهما على الرغم من عدم الزواج، وتحملا معا عبء تمردهما على السائد ورفضهما قيود العصر الفكتوري.
كان جورج هنري لويس، فيلسوفاً إنجليزياً وناقداً أدبياً ومسرحياً معروفاً، وجزءاً من الحركة الفكرية التي شجعت على مناقشة الداروينية وبعض الأفكار الراديكالية والثورية في منتصف العصر الفكتوري في أوروبا.
كان للويس اهتمامات في أكثر من مجال، وقد حاول في بواكير عمره أن يصبح ممثلاً، وبالفعل قدم عدداً من المسرحيات، ولكنه قرر بعد ذلك أن يتفرغ للعمل النقدي الأدبي والفلسفة والعلوم، وفي عام 1845 نشر لويس كتابه «تاريخ السيرة الذاتية في الفلسفة»، وبين عامي 1847 و 1848 نشر روايتي «رانثروب» و«روز بلانش آند فيولييت»، وعلى الرغم من احتواء أعماله الروائية على حبكة ماهرة، وبناء ممتاز للشخصيات، إلا أنها لم تأخذ مكانها في الأدب، ويبقى كتاب «حياة غوته» هو أشهر أعماله في المجال الأدبي، كما قدم عدداً من الإسهامات والمؤلفات العلمية والفلسفية.
أما إيفانز فقد ولدت في عام 1819، في الريف الإنجليزي وترعرعت في كنف عائلة تراعي التعاليم الدينية الصارمة، ومع مرور الوقت فقدت ماري إيفانز حماسها الديني في عقدها العشرين، وأصبحت واحدة من الأوائل الذين تبنوا المواقف العلمية التي تتطلب المنطق السليم والموضوعية في المسائل الدينية، لكن من دون أن تتخلى عن الحس الأخلاقي المتجذر عندها.
بدأت العلاقة بينهما بعد أن التقيا في لندن عام 1851، حيث وجدت إيفانز في لويس الشريك والصديق المخلص، وبحلول عام 1854 سافرا إلى مدينة فايمر في ألمانيا لإجراء بعض البحوث وقضاء شهر العسل، وكانت أولى محاولات إيفانز مع عالم الفكر، ترجمتها لكتاب «حياة المسيح» لديفيد شتراوس، كما ترجمت «جوهر المسيحية» لفيورباخ، إلى جانب بعض أعمال سبينوزا. وفي عام 1851 أصبحت مساعدة محرر جريدة «ويستمنستر ريفيو»، وصدرت أول رواية لإيفانز وهي في عمر الأربعين بعد تشجيع كبير من لويس الذي حثها بشدة على الكتابة الروائية، وكانت بعنوان «آدم بيد» 1859، والتي وقعتها باسم «جورج إليوت» منتحلة اسم رجل حتى تأخذ أعمالها بجدية من قبل النقاد والمتابعين، وقد رافق هذا الاسم كل أعمالها الأدبية اللاحقة، ثم أصدرت روايتي «طاحونة على نهر فلوس» 1860، و«سلايس مارنر» 1861، وقد رسخت من خلال هذا الأعمال شهرتها كروائية تتميز بدفء العاطفة والمشاركة الوجدانية نحو الفقراء والمحرومين، وقد سافرت إلى إيطاليا لتقف مباشرة على خلفية روايتها «رومولا» التي صورت فلورنسا في عصر النهضة، وما إن ظهرت «رومولا» حتى مدحها الخبراء والمختصون، فكتب الناقد روبرت براوننغ «إن رومولا هي القصيدة النثرية الأكثر نبلاً والأكثر بطولة من بين كل ما قرأته في حياتي»، أما أنتوني ترولوب فقد أخبر جورج إليوت أنه لو قدر لها أن تموت قبل أوانها فبإمكانها أن تمضي راضية لأنها كتبت العمل الأوحد الذي لن يموت بموتها من دون ريب.
ووضِعت جورج إليوت إلى جانب تشارلز ديكنز ووليام ثاكري كأحد أهم كتاب الأدب الاجتماعي الإنجليزي، وكان ديكنز من المعجبين بإليوت حيث قرأ روايتها «آدم بيدي»، وهو من أوائل الذين تكهنوا بأن جورج إليوت قد يكون امرأة. وأثنى ديكنز على صدق أعمالها ورقتها قائلاً: «لو كان الأمر بيدي لخاطبتُ الكاتب على أنه امرأة» مشيراً إلى أنه لاحظ «لمسات امرأة في هذه الرواية» ولم يقتنع بأن الاسم المطبوع على أغلفتها هو الاسم الحقيقي لمؤلفها. وأضاف «لا أظن أن رجلاً أتقن فن التحول ذهنياً ليكون شبيه امرأة إلى هذا الحد منذ بدأ العالم».
وعندما أرسلت إليوت نسخة من روايتها «آدم بيدي» إلى ديكنز في يوليو/تموز 1859 كشفت له عن هويتها الحقيقية فيما تعهد ديكنز بأن يصون سرها معبراً عن سروره البالغ بتعرفه على مثل هذه الكاتبة النبيلة.
كان لويس في معظم الفترات سنداً قوياً لإليوت، ومساهماً فاعلاً في استمرارها بنشاطها الأدبي، إلى جانب عمله في الفلسفة والأدب الذي لم ينقطع يوماً، لكن اسمه ارتبط بوصفه شريك إليوت ورفيق دربها، فهي الكاتبة التي حظيت بالاهتمام والشهرة، وقد شُيد لها نصب تذكاري بعد مرور مئة عام على وفاتها، أي في عام 1980، وُضع في زاوية الشعراء ضمن مقبرة كنيسة ويستمنستر آبي.
_________
*المصدر: الخليج الثقافي