المتحف المصري الكبير.. هل يولد غارقاً في الديون؟


كريم البحيري


شنَّ خبراء وأثريون مصريون، هجوماً حاداً على الحكومة المصرية، المسؤولة عن إنشاء “المتحف المصري الكبير”، الذي تأجَّل افتتاحه عدة مرات خلال السنوات السابقة، بسبب أزمات مالية عدة، رغم بدء تنفيذه منذ نحو عشر سنوات. المتحف، الذي يقام حالياً بالقرب من منطقة أهرامات الجيزة، من خلال اثنتين من أكبر شركات البناء، على مساحة 117 فداناً، يفترض أن يضم نحو 100 ألف قطعة أثرية من العصور الفرعونية واليونانية والرومانية، وأن يستوعب نحو 5 ملايين زائر، بالإضافة إلى مركز الترميم والحديقة المتحفية – التي تضم مزروعات عرفت في العهد الفرعوني – والمباني الخدمية والترفيهية.

أجمع خبراء الآثار على أن “المتحف المصري الكبير” يواجه الكثير من العقبات، كان أبرزها عدم توافر التمويل اللازم لإنشائه، والاعتماد على التمويل الياباني، ما أدى إلى تأجيل موعد افتتاحه عدة مرات، على مدار عدة سنوات، حيث بدأت فكرة المشروع العام 2002، وأطلقت الخطوة الأولى في بناء المتحف 2005، وكان من المقرر أن يتم افتتاحه العام 2009، ليتم تأجيل الافتتاح إلى 2012، ثم يعاد تأجيله مجدداً إلى 2015، وأخيراً أعلنت إدارة المتحف أنه تم التأجيل ليكون هناك افتتاح جزئي للمتحف العام 2018، على أن يفتتح بالكامل 2022.
المشرف العام على المتحف المصري الكبير، طارق توفيق، لم ينف فكرة تأجيل افتتاح المتحف عدة مرات، مشيراً إلى أن الافتتاح الجزئي للمشروع سيكون في مايو 2018، بالمجموعة الكاملة للملك توت عنخ آمون، على أن تحتفل مصر بالافتتاح الكلي للمتحف 2022، وقال: “تم الانتهاء من 78% من الأعمال الخرسانية بالمتحف، و35% من أجمالي المشروع”..
انتقادات
عالم المصريات وأستاذ اللغة المصرية القديمة ومقرر لجنة الآثار بالمجلس الأعلى للثقافة الدكتور عبد الحليم نور الدين، كان له رأي آخر، حيث قلل من خطورة الاعتماد على التمويل الأجنبي فقط في بناء المتحف، مشيراً إلى أنه جرت العادة، على حصول قروض لتمويل المتاحف المصرية، مشيراً إلى أن هذا لا يعني بيع الآثار المصرية، وأضاف: “ضياع الآثار لا يكون بالقروض التي تبنى بها المتاحف، بل بعدم ولاء المسؤول عن الأثر لمصر، وأن يكون ولاؤه لصالح دول أجنبية، خصوصاً دولة التمويل”. وأضاف نور الدين أن الإدارة هي أساس الحفاظ على الآثار، مشيراً إلى أن المشرف على المتحف ومدير مركز الترميم ليست لديهما خبرات كافية في المتاحف.
وقال نورالدين لـ “الجريدة”: “أكثر ما قد تطلبه اليابان بعد تمويلها المتحف الكبير هو معارض لقطع أثرية بشروط خاصة، وأزمة المتحف أنه تأجل موعد افتتاحه أكثر من مرة لأسباب تتعلق ببطء الإجراءات وضعف المهارة وعدم المتابعة الجيدة، وقطاع الآثار في مصر يتم التعامل معه بنظرية العزبة”.
من جانبه، أكد الخبير الأثري أمير جمال، أن إنشاء المتحف بالتمويل الخارجي هدفه إحياء مشروع “روكفلر” من جديد، مشيراً إلى أن وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، ووزير الآثار الأسبق زاهي حواس، طالما طالبا بأن ينفصل المتحف عن وزارة الآثار ليكون هيئة مستقلة، يديره عدد من الشخصيات الدولية، وهو ما يسهل سرقة وتبديل كنوز مصر من الآثار الفرعونية، على حد قوله.
وأضاف جمال : ” الهدف من إنشاء المتحف من التمويل الخارجي هو إبقاء المتحف مديوناً”، بالإضافة إلى أن التأجيل المستمر وصرف الأموال بدون رقابة، يهدف إلى إجبار وزارة الآثار على وضع المتحف تحت الإدارة الدولية، مؤكداً أن المحاولات الدولية للسيطرة على الآثار المصرية لم تتوقف طوال تاريخ مصر.
وأشار جمال إلى أنه ” في 11 من نوفمبر عام 1991 اقترحت اللجنة الأثرية البريطانية إشرافاً دولياً على الآثار، وقام عالم الآثار جميس هنري بريستد بإقناع رجل الأعمال جون روكفلر بإقامة متحف جديد تحت إشراف دولي بحجة أن المتحف القائم وقتها – في ميدان التحرير – لم يعد يتحمل كمية الآثار، وأصبح أسوأ حالا، فعرضوا على الحكومة المصرية إقامة متحف بخمسة ملايين دولار ومعهد للأبحاث بـ 400 ألف دولار ومبلغ 4 ملايين دولار، يخصص ريعها لصيانة المتحف، ولكن تلك المنحة لم تكن هدية بل رافقتها شروط أن تقوم الولايات المتحدة ودول الغرب بإدارة المعهد والمتحف لعشرات السنوات، وتظل الآثار تحت إدارة أميركية غربية.
وأضاف: “هذا يعني أن ترفع الحكومة المصرية يدها عن المتحف، باختصار تصبح كل آثار مصر وديعة في يد لجنة دولية تتصرف فيها كيف تشاء دون رقابة مصرية ويتم وضع آثار الملك توت عنخ أمون تحت يدها وبعد انتهاء المدة يمكن لمصر أن تعرف أو لا تعرف مصير هذه الآثار”.
التمويل والدعم
تقدر تكلفة المشروع بـنحو 550 مليون دولار، منها 100 مليون تمويل ذاتي (المجلس الأعلى للآثار)، ويتمثل الباقي بواقع 300 مليون دولار في قرض ياباني ميسّر، يسدد بعد فترة سماح 20 عاماً بفائدة بسيطة (1.5%)، إضافة إلى 150 مليون دولار من التبرعات والمُساهمات المصرية والدولية. يفترض أن القرض الياباني- تبلغ قيمته ٣٤٫٨ بليون ين ياباني (٣٩٢ مليون دولار)- يغطي المرحلة الثالثة من المشروع والتي تتضمن تمويل الجزء الأكبر من إنشاءات مباني المتحف، وقاعات العرض، والتصميم الداخلي، والمناظر الطبيعية، والتصميم الحضري ونظم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ICT. أما عن الدعم فتعد وكالة التعاون الدولي الياباني (جايكا)، أهم مشارك في المتحف، فبخلاف الدعم المادي المتمثل في القرض الياباني، تمت المشاركة فنياً في أعمال بناء المتحف ومركز الترميم منذ العام 2008.
أقيم مركز الترميم على مساحة 14 ألف متر مربع، ويضم معامل متخصصة تحتوي على أحدث أجهزة ترميم الأحجار والجلود والمعادن والخشب، أقيمت تحت مستوى سطح الأرض لتوافر الظروف البيئية المناسبة لحفظ الآثار .
تصميم معامل ومخازن الآثار تم وفق أحدث تقنيات الحفظ والتأمين، وربطت بالمتحف عبر ثلاثة أنفاق، ويستقبل مركز الترميم الآثار التي ستعرض في المتحف لإجراء أعمال الصيانة والترميم اللازمة وإعدادها لتكون جاهزة للعرض فور انتهاء المتحف.
مدير إدارة الترميم الأولى بالمتحف الكبير ومشرف الترميم الدقيق بمشروع مركب خوفو الثانية عيسي زيدان، أكد أن مركز الترميم الموجود في المتحف صرح عملاق، ويعد أهم مراكز ترميم الآثار الفرعونية حول العالم.
وأضاف عيسي لـ “الجريدة”: ” المركز تم تأسيسه وفقاً للمعايير الدولية ليكون بمثابة معهد للأبحاث والأعمال الترميمية، والهدف من إنشاء مركز الحفظ والترميم جعله مركزاً رئيساً لترميم ليس الآثار الخاصة بالمتحف الكبير (GEM) فحسب، بل ومختلف الآثار من جميع أنحاء مصر، وفوق ذلك سيكون مركزاً لتدريب الكوادر البشرية المتخصصة في أعمال الحفظ والترميم من مصر والدول العربية وحتى الإفريقية”.
في السياق، وصف عضو فريق التصميم الخاص بالقاعات الداخلية للمشروع ستيفن جرونبرج، المتحف الكبير، بأنه أعظم مشروع ثقافي عالمي ينفذ خلال القرن الحالي، مشيراً إلى أنه سيتفوق على متاحف العالم بأهميته، كونه متحفاً مصرياً عن الحضارة المصرية، على أرض مصر.
وأكد مدير المخازن المتحفية للآثار بمحافظة القليوبية أسامة وهبة، أن المتحف الكبير ليس كما يشاع سيحتوي على كل القطع الأثرية، لأن ليس كل أثر صالح للعرض، بالإضافة إلى أن عرض القطع الأثرية سيحتاج للكثير من “فاترينات” العرض، وهي مكلفة للغاية، مشيراً إلى أن المتحف سيبدأ بعرض 50ألف قطعة، لتصبح 100 ألف قطعة في نهاية آخر مراحل إنشائه. وأضاف وهبة: ” مصر تحتاج إلى متحف بهذا الشكل، لكن إحدى مشاكل المتحف تمويله عن طريق المنح والتي تحولت في ما بعد إلى قروض، بالإضافة إلى تضاعف مدة الإنشاء وعدم الالتزام بالمدة المحددة، مشيراً إلى أن أكبر مشكلة في المتحف هي مكان الإنشاء، حيث تم اختيار المكان بعيداً عن متناول الزوار، وفي حال توافر التمويل المالي كانت الإنشاءات ستنتهي في موعدها المحدد، مشيراً إلى أن في عمليات صرف ميزانية المشاريع والآثار بشكل عام أزمة في إدارتها، حيث يتم صرف غالبية تلك الميزانيات في بند الأجور فقط”.
الجريدة الكويتية

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *