*د. أشرف صالح محمد
خاص ( ثقافات )
المُعْتَقَدات الشعبيَّة في حقيقتها جوهر للثقافة الشعبيَّة المصرية، فهي تشكل ما يعتقد فيه الناس وتوجه العادات الشعبيَّة والإنسانية الأخرى، في الكشف عن البعد الثقافي لدى أفراد المجتمع بمختلف طبقاته وفئاته الاجتماعية والثقافية.
تُعَدّ المُعْتَقَدات الشعبيَّة أحد أنواع التراث الشعبي، وهي واحدة من أهم روافد تكوين تراثنا الشعبي، وتُعَرف المُعْتَقَدات على أنها مجموعة الأفكار التي يؤمن بها الشعب وتتعلق بالعالم الخارجي والعالم فوق الطبيعي، وتمثل منظور الجماعة في حياتها الاجتماعية وتعاملها معها. وتُعَرف أيضًا بأنها نسق فكري يضم الاعتقاد والشعائر والطقوس وغيرها.
تتميز المُعْتَقَدات الشعبيَّة كغيرها من موضوعات التراث الشعبي بقدرتها على الانتشار الواسع بين المجتمعات والاستمرار من خلال الانتقال بين الأفراد عبر قنوات اتصال مختلفة. وتتم حركتها عبر الأمكنة والأزمنة بين الناس في صورة شفاهية تضمن لها عند انتقالها هذا قدر ملائم من مرونة الانتقال والاستقبال، بحيث تضمن القدر المناسب من التبني والرضا والقبول لدى مستقبليها.
المُعْتَقَدات الشعبيَّة تتفوق على غيرها من موضوعات التراث الشعبي، من حيث الانتشار الواسع لبعض عناصر المُعْتَقَدات الشعبيَّة بين كثير من الأمم والثقافات. وفي هذا السياق يجد الباحث أن المعارف والمُعْتَقَدات تفرض سيادتها على كل ما في البيئة الريفية بوجه عام، ومنها ما هو متعلق بدورة الحياة مثل الزواج.
ليلة الزفاف:
تبدأ أولى المُعْتَقَدات منذ ليلة الزفاف؛ حيث يربط كل من العروسين قطعًا من معدن الرصاص حول الوسط وأسفل الملابس إلى ما بعد ليلة الزفاف، أو قد يستبدل بخيط من شباك الصيد، أو ارتداء الملابس الداخلية بالمقلوب، اعتقادًا منهم بأنها ترد الأعمال السحرية وتعكسها. وهناك بعض المُعْتَقَدات الشائعة حول ليلة الزفاف، وهي تكمن في عادة ذهاب الأم بيت العروس لتلطيخ غرفة النوم (التسريحة) بأي شيء أبيض مثل البودرة أو النشا أو الدقيق، وذلك لمنع العروس من رؤية نفسها في المرأة بعد الزواج ولمدة سبع أيام، والاعتقاد بأن ذلك يبعد عن العروسة الروح الشريرة لأن لها قرين يغضب عند زواجها، فيجب آلا تنظر في المرآة لأن ذلك يثير غضبه عليها فيصيبها بلعنة طوال حياتها.
أما فستان الزفاف، فتستخدم بعض النساء الطرحة بهدف الحماية من الأرواح الشريرة حتى لا تستطيع أن تصل إليها، فهذه الأرواح في المعتقد الشعبي لا تنال بالأذى إلا النساء دون الرجال. كذلك فإن ارتداء بعض الفتيات الصغيرات وأصدقاء العروسة لفساتين بيضاء اللون، المقصود منه تضليل هذه الأرواح الشريرة فلا تستطيع أن تميز من بينهن، وبذلك لا تصل إليها. وهناك اعتقاد بأن استعارة الطرحة من زوجة سعيدة كفيلة بأن تنقل هذه السعادة إلى عُش الزوجية الجديد.
ومن العادات الشائعة المعروفة في ليلة الزفاف عادة كشف الوجه، وفيها يقوم العريس بتقديم مبلغًا من المال نقطة للعروس قبل عملية الممارسة الجنسية، وفي لحظة انفراد العروسين يبدأ شباب القرية بصيحات التهليل والأغاني وإطلاق الأعيرة النارية. وبعد ذلك وفي هذه اللحظة – تكون الماشطة– أحيانًا متواجدة مع العروسين لمساعدة العريس علي إزالة بكارة عروسه، وتقوم بتسليم أم العروس منديل عليه أثار دماء غشاء البكارة، وأحيانًا ما يقدمه العريس بنفسه، فيقوم أهل العروس بإشهاره أمام المدعوين بين طلقات الأعيرة النارية، ويخرج العريس وحده ليستكمل الاحتفال مع أصدقائه.
بيت الزوجية:
هناك معتقد خاص بدخول الزوجين لمنزل الزوجية لأول مرة بالقدم اليمنى قبل اليسرى؛ كنوع من التفاؤل وتيمنًا للحصول على البركة، لكي تكون موفقه في حياتها الزوجية. وفي بعض المجتمعات يلزم العريس حمل عروسه إلى داخل غرفة نومها؛ حتى لا تخطو فوق عمل سحري قد أُعد لهما، اعتقادًا منهما بأن هذا الفعل يبطل مثل هذه الأعمال، كما تستخدم عناصر أخرى طبيعية في بعض الممارسات السحريَّة خاصةً المياه، مثل رشِّ ماء وملح، أو التنظيف بماء رِجلْة (نبات الرجلة).
وتوجد العديد من شعائر الخصوبة أو الاخصاب والتي تهدف إلى جعل الزواج مثمرًا، وذلك كنثر الحبوب على العروسين، أو وضع الفاكهة حول سريرهما، أو إقامة الصلوات ونحر الأضاحي والدعاء والابتهال إلى الله أن يوفر لهما حياة زوجية سعيدة، وأن يرزقهما بالذرية الصالحة، كذلك يتم نثر الأرز عليهم أثناء الزفة لأن الأرز عندهم يرمز إلى الخصوبة. ومن الملاحظ في المجتمع القروي؛ أن والدة العريس أو شقيقته تحرص على نثر بعض المياه على العروسين عند دخولهما إلى منزلهما، حتى يكون مقدمهما مقدم خير.
وتحرص والدة العروس على إعداد عشاء العروس ويعرف باسم “بيرام الاتفاق أو الوفاق”، والذي غالبًا ما يتكون من أبرمة الحمام أو البط أو الدجاج المعد بالأرز والمسلى البلدي (السمن البلدي)، والأرز عندهم يرمز إلى الخصوبة، وهم يعتقدون أن تناول العروسين لتلك الوجبة يعني أن العريس قد ارتاح لعروسه، وقام بفض بكارتها ومن هنا كان الحرص على أن تكون تلك الأطعمة مقوية. وفي يوم الصباحية أو بعد الأسبوع الأول من الزواج تحرص أم العروس في معظم الأحيان على الاحتفاظ ببعض من عجينة الحناء التي أُعدت بمناسبة الزفاف، وتقوم بتقديمها لأبنتها لأنهم يتفاءلون بها من ناحية، ومن ناحية أخرى تقوم الأم بغمس يديها في هذا العجين وطبع كفها على الحائط والأبواب درءً للحسد.
زواج القاصرات:
أما زواج القاصرات وصغار السن، فهو نتيجة اعتقادات خاصة بضرورة زواج الفتيات في سن مبكرة، بمجرد بلوغهن، بعيدًا عن كونهن قادرين على ذلك أم لا، فنظرة المجتمع الريفي للفتاة تغلب عليها فكرة التخلص منها، حيث يعتبر هو الأساس الذى يركز عليه الريفيون، وسرعان ما يكون زواج الفتاة في سن مبكرة هو الحل «زواج البنت سترة». زد على ذلك؛ أن كثير من الأسر يشترطون أن يكون الزواج من الأقارب خوفًا على خروج الإرث للغريب.
إن الطبقات الريفية التي لازالت تقليدية في معظم جوانب حياتها تتميز بضخامة حظها من التراث الاجتماعي لبيئتها الشعبيَّة، وتتبين لنا شواهد كثيرة على ذلك منها المُعْتَقَدات الشعبيَّة، والتي تتفوق فيها الطبقات الريفية على ما عداها من سائر فئات المجتمع، وتتميز فوق كثرة استهلاكها منها بإبداعها وقدرتها الخلاقة في تلك الأنواع.
المراجع:
ثريا نصر، تاريخ أزياء الشعوب.- القاهرة: عالم الكتب، 2007. ص35.
جابر سالم القحطاني، “نبات الرجلة”.- جريدة الرياض (السعودية).- العدد (16464) بتاريخ 22 يوليو 2013.
سامية مشالي، “المرأة الريفية”.- موقع لها أون لاين منشور بتاريخ 12 يناير 2011.
السيد حنفي عوض، علم الإنسان: الانثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية.- (د.م): مطبعة الإسراء، 2002. ص342.
عبد الحكيم خليل، دراسات في المعتقد الشعبي.- القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2013. ص24.
علي السعدني، عادات وتقاليد ليلة الزفاف.- القاهرة: دار التحرير للطبع والنشر، (د.ت). ص6.
ميرفت العشماوي عثمان، دورة الحياة: دراسة للعادات والتقاليد الشعبية.- الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 2011. ص199، 212 – 213.
وليم نظير، المرأة في تاريخ مصر القديم.- القاهرة: دار القلم، 1965. ص10.
_________
*كاتب وأكاديمي من مصر