محمد الخضيري
كما يعيش الاقتصاد الفرنسي أزمة انخفضت معها معدلات النمو، فإن الموسم الأدبي الفرنسي يعيش الحالة نفسها بانخفاض طال ثلاثة في المئة في ما يخص عدد الروايات المنشورة في الموسم الأدبي مقارنة بالسنة الماضية. مع ذلك، فإنّ هذا الكم من الروايات الفرنسية والمترجمة يظل ضخماً، إذ وصل بحسب أرقام تداولها الإعلام الفرنسي إلى نحو 589 رواية، تعرض على رفوف المكتبات وتطلق موسم الفرز بين الغث والسمين، وحفل التباري على الجوائز الأدبية الأكثر شهرة. سيرسخ بعضها في بانتيون المؤسسات الرسمية للأدب الفرنسي، بينما تجر أخرى إلى مكتبة النسيان.
ورغم هذا «التقلص» في حجم الروايات الفرنسية الجديدة التي بلغ عددها 393، فإن دزينة من الروائيين الجدد نشروا أعمالهم الأولى هذه السنة ويبلغون 68 كاتباً. رقم يدل على الحيوية التي يعيشها الأدب والإبداع في «عاصمة الأنوار». مع انطلاقة الموسم الأدبي الجديد، بدأت التكهنات بمن سيبيع أكثر ومن يلقى مباركة من النقاد والصحافة، بينما تراهن الغالبية العظمى من متتبعي الكتابة على أحصنة السباق الرابحة في مسالك الأدب الفرنسي. هكذا يتحدث الجميع عن رواية إميلي نوتومب الجديدة كما اعتادت أن تفعل الروائية كل سنة. عبر «جريمة الكونت نيفيل» (ألبان ميشال)، تحكي نوتومب قصة أرستقراطيين من عائلة بلجيكية. ولأن كل رواية لنوتومب «بيضة ذهبية»، فقد سارعت دار النشر إلى طبع 200 ألف نسخة من الكتاب في طبعة أولى، ستجد لها أخوات في المقبل من الأشهر. وبين خفة نوتومب، و”ثقل” مذكرات عضو الأكاديمية الفرنسية جان دورميسون الذي أصدر «الله، الأعمال، ونحن، مذكرات نصف قرن»، هناك كتابات جديدة لعتيق رحيمي وياسمينة خضرا وماتياس إينار وكريستين أنغو التي تستمد مرة أخرى قصة شخصية عبر علاقة والدتها ووالدها في سنوات الخمسينيات (روايتها «حب مستحيل» ـ فلاماريون).
العودة إلى الحكايات الفردية، ديدن الكثير من الإصدرات الفرنسية التي تلقى إقبالاً في المكتبات، في كل موسم أدبي جديد، كما هي الحال مع دلفين دو فيغان التي تغوص في ذكرياتها مع رواية «نقلاً عن قصة واقعية» التي طبعت منها 100 ألف نسخة، ورشحت لـ «غونكور» 2015.
حدث هذا الموسم الأدبي يظل «الوظيفة السابعة للغة» (غراسيه). في روايته الجديدة، يذهب لوران بيني إلى نظرية لا تخلو من السخرية مفادها أنّ مقتل رولان بارت في حادث سير لم يكن مجرد مصادفة وإنما بتدبير أدى إلى اغتياله بسبب اكتشافه لوظيفة جديدة للغة. سيمون سارد الرواية ينطلق في رحلة بوليسية، ليثبت هذه الجريمة، ويلتقي بالكثير من الشخصيات التي صنعت حقبة البنيوية ومفكري فرنسا الذين عاصروا بارت كفوكو ودولوز. إنها رواية فيها الكثير من التخييل، ونقاشات حول اللغة، ولا تخلو من التندر من فكر المرحلة، ما أثار سخط عالمة اللغة والكاتبة جوليا كريستيفا على العمل المتخيل. الرواية حصلت على جائزة قراء محلات Fnac، التي تعتبر من أكبر المتاجر بيعاً للكتب، وتشير معطياتها وإحصاءاتها إلى توجهات القراء.
الكتّاب العرب باللغة الفرنسية، هم الآخرون في مرمى الموسم الأدبي الفرنسي. ياسمينة خضرا، أصدر رواية «الليلة الأخيرة للريس» (دار جوليار) التي يحاول فيها حكاية قصة عما يجري في رأس معمر القذافي، وهو يعيش أيامه الأخيرة. أما بوعلام صنصال المثير للجدل بمواقفه المتزلفة لإسرائيل، فقد صدرت له رواية «2084 نهاية العالم» (غاليمار) التي يحكي فيها قصة تهديد الأصولية لمجتمع ليبرالي متخيل اسمه «أبيستان» (في إشارة ربما إلى بلاد العرب).
الموسم الأدبي لا يخلو من روايات الأدب العالمي التي تبلغ 196 هذه السنة أبرزها رواية الأميركية طوني موريسون «خلاص» التي تحكي كما اعتادت الكاتبة قصة شابة من المجتمع الأفروأميركي، تعيش أزمة «اللون»، قبل أن تكتشف خلاصها الشخصي. وهي رواية بحسب النقاد عن التربية العاطفية، والبحث عن مكان في المجتمع الأميركي. أما الجنوب أفريقية زوي ويكومب، فيصدر لها «أكتوبر». أما الهندي جويديب روي باتاشاريا، الذي كان قد كتب عن «رواة مراكش»، فينتقل هذه المرة إلى أفغانستان، ويكتب عن «أنتيغون في قندهار».
وفرة الإصدارات الأدبية رافقها إعلان العديد من الجوائز الأدبية أبرزها جائزة الـ «غونكور» التي كشفت عن لائحتها الطويلة، في انتظار إعلان الفائز بها في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. اللائحة الطويلة التي تضم 15 كاتباً من ضمنهم كريستين أنغو، وماتياس إينار، وهادي قدور، وبوعلام صنصال، وآلان مابانكو، وجون هاتزفيلد أثارت الكثير من الجدل، والاحتجاج على أسماء المعلن عنهم، بخاصة، أنها أغفلت أسماء كلوران بيني، وشارل دانتزيغ، وآخرين أصدروا روايات تستحق الترشيح. النقاد شككوا في القيمة الأدبية لبعض الأعمال، واعتبروا أن ترشيحها هو ترشيح لشهرتها و»إنتاجها» في دور نشر صارت هي الخصم والحكم في اختيارات أعضاء الأكاديمية.
الأخبار اللبنانية