بيع «سخم كا»..يثير أزمة حضارية



محمد رجب


أثار قرار متحف «نورث هاميتون» البريطاني ببيع التمثال الفرعوني «سخم كا» حالة من الغضب والاستياء لدى أوساط المثقفين والأثريين، لما يمثّله هذا التمثال من قيمة حضارية وتاريخية كبيرة، ما دفع وزارة الآثار إلى إعلان إيقاف التعامل مع المتحف البريطاني، ووصفه بيع التمثال بالجرم الأخلاقي في حق التاريخ والحضارة الإنسانية، وهو ما يُعيد للواجهة مرة أخرى قضية الآثار المصرية في الخارج. 
«سخم كا» هو كبير كتبة مصر الفرعونية في عصر الأسرة الخامسة، ويرجع تاريخه إلى حوالي 2400 عام قبل الميلاد، وتمّ استخراجه من سقارة عام 1850م، وخرج من مصر منذ اكتشافه، وتمّ إهداؤه من ماركس الثاني لوريثه، وظل يتنقل بين عدد من المتاحف، كان آخرها متحف نورث هاميتون في بريطانيا.
ويظهر التمثال كبير الكتبة وهو جالس يرتدي الشعر المستعار المكوّن من صفوف من الشعر المجعد بعناية، والعينان تنظر إلى أسفل قليلاً وهو مبتسم. وقد صنع التمثال بدقة متناهية، حيث يوضح مقاييس الأعضاء الجسدية بشكل دقيق، وتظهر فيه العضلات وعظام أسفل الرقبة وعظام الساقين، ويرتدي «سخم كا» تنورة قصيرة يمسكها حزام معقود، ويمسك بكفيه ورقة بردي منحوت عليها نقوش هيروغليفية. وعلى جوانب التمثال نقشت كثير من العبارات الهيروغليفية، وسُجلت أسماء وألقاب «سخم كا» على قاعدة التمثال الذي يبلغ ارتفاعه حوالي 75سم. 
وفي محاولة جاءت متأخرة لاستعادة التمثال الأثري، دعا وزير الآثار عشاق الحضارة المصرية خاصة من العرب المقيمين في بريطانيا، لإبداء رغبة جادة في التبرّع لشراء التمثال لإعادته إلى الأراضي المصرية، هذا بجانب تدشين وزارة السياحة حملة لوقف بيع التمثال في مزاد علني.
أحمد عامر، الباحث الأثري، يقول: إن «سخم كا» يعود إلى ما يقرب من أربعة آلاف عام، ويرجع تاريخه إلى عهد الأسرة الخامسة من عهد الدولة القديمة، ويمثّل كاتباً أو مسؤولاً في البلاط الملكي الفرعوني، وتمّ استخراجه من الجبانة المنفية بالجيزة من محيط منطقة سقارة، موضحاً أن التمثال يمثّل أحد أعمال فن النحت الفرعوني الرائعة، صُنع من الحجر الجيري الملون، وصُمّم وهو جالس على مقعد بدون مسند للظهر، وبجانب ساقه اليمنى تجلس إما إحدى زوجاته أو إحدى بناته، فهو تحفة فنية بجانب قيمته الحضارية والتاريخية. 
ويشير عامر إلى أن خطورة بيع هذا التمثال ترجع إلى أن هناك متاحف عالمية بها آثار مصرية ومع مرور الزمن ستحذو تلك المتاحف حذو المتحف البريطاني وتبيع الآثار المصرية، مطالباً منظمة اليونسكو بالتدخّل وإصدار قانون يجرم هذه الأعمال التي من الممكن أن تدمر التراث الحضاري، مؤكداً أن الحضارة المصرية ليست للبيع، فليس معنى أن التمثال تمّ بيعه قديماً أنه سلعة يمكن تداولها مقابل المال.
وتابع: يجب على الدولة المصرية أن يكون لها موقف قوي ومشروع في مواجهة هذا الاتجاه الذي يبيع الحضارة والتراث الإنساني، محملاً الحكومة المصرية المسؤولية بسبب بطء تحرّك وزارة الآثار لإيقاف عملية البيع، واتخاذ إجراءات للخروج من تلك الأزمة.
ومن جانبه، يؤكد أحمد شهاب، رئيس اتحاد آثار مصر، أن تمثال «سخم كا» خرج ولم يعد، حيث إن المهلة التي حدّدتها وزارة الثقافة البريطانية ستنتهي من دون حدوث جديد يمنع بيع التمثال، مشيراً إلى أن التمثال تمّ بيعه في المزاد العلني بمبلغ 15,8 مليون جنيه إسترليني، وسيغادر بريطانيا إلى مكانه الجديد، مستنكراً حملة جمع التبرّعات التي أطلقها وزير الآثار لوقف بيع التمثال، مشدّداً على أن «سخم كا» هو ملك مصر في الأساس ومن حقها استعادته.
ويوضح د. يوسف خليفة، رئيس الإدارة المركزية لآثار الوجه البحري، أن أزمة تمثال «سخم كا» المعروض للبيع ببريطانيا، أخذت أكبر من حجمها بكثير، مشيراً إلى أن مشكلة تمثال «سخم كا» قائمة منذ 2014 عندما طُرح للبيع في مزاد صالة «كريستي»، وقد تعاملت الوزارة مع أزمة «سخم كا» منذ اليوم الأول بجدية، وبذلت كل ما بوسعها لإيقاف بيع التمثال، بدليل كم المخاطبات والمراسلات التي أرسلتها لبريطانيا من خلال وزارة الخارجية، إلا أن الوزارة استنفدت كافة السبل لإعادة التمثال من دون جدوى.
وتابع: «سخم كا» مثله مثل باقي التماثيل المصرية الموجودة بالمتاحف المختلفة بالخارج، مؤكداً أن جميع المنظمات الدولية ومن بينها اليونسكو والإيكوم، تقف بجانب مصر في محاولاتها للإبقاء على التمثال، متخذة كافة الإجراءات القانونية والضوابط الأخلاقية والأدبية التي تحرم على المتاحف بيع ممتلكاتها.
ويتفق معه أمير جمال، عضو حملة «كنوزنا ما تطلعش برة»، في أن تمثال «سخم كا» قد بيع منذ سنة تقريباً، إلا أنه يتساءل: أين كانت وزارة السياحة ووزارة الآثار منذ عام؟ ولماذا لم يتحركوا لإيقاف هذا الأمر والحفاظ على التمثال؟ لافتاً إلى أن ما يقوم به وزير الآثار من إطلاق الحملات وإقامة المؤتمرات هو شو إعلامي لتبرير الفشل والصمت طوال الفترة السابقة، وغسل يد الوزارة من ضياع التمثال، مؤكداً أن وزارة الآثار لا تزال تفتح باب التعاون مع المتاحف البريطانية التي تسرق الآثار المصرية وترفض إعادتها، بل قامت بمنحهم جرد المخازن بدلاً من أن تصدر قراراً بمقاطعة المتاحف والضغط عليها لحين استعادة الآثار.
وعن الخطوات التي من الممكن أن تتخذها مصر لاستعادة التمثال، يقول بسام الشماع، خبير علم المصريات: إن مصر تعمل بمفردها في هذه الجولة، مشيراً إلى أن الحل يتلخّص في ثلاث نقاط: النقطة الأولى هي جعل قضية استرجاع «سخم كا» أو على الأقل إيقاف بيعه من خلال طلب رسمي من رئيس الجمهورية لنظيره، في إطار الاتفاقيات الدولية التي تتم بين الدول. والتلويح بالقوة من خلال رسائل رسمية من وزير الآثار. والنقطة الثالثة هي أن تنسحب مصر من اتفاقية اليونسكو لأنها لا تبذل أيّ جهد في إطار الحفاظ على الآثار المصرية، ولا تساند مصر في مساعيها لاسترجاع آثارها الموجودة في الخارج.
أخبار الخليج

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *