ماذا تختار: أن تكون «مطاع» أم «مطيعة»؟


*غادة السمان


بكثير من خفة الظل كتب الزميل سعد الياس من بيروت خبرا عن «متحول جنسيا» أوقفوه لتنفيذ حكم السجن بحقه وحاروا في «سجن النساء» أم «سجن الرجال» سيتم حبسه؟ خبر لا يخلو من الطرافة الســــوداء. في غمرة الأهوال اللبنانية الحالية.
لم يُذكر اسم «الشاب المتحول».. وبما أنه كما جاء في الخبر «ذكر بحكم الهوية»، وبما أن حكما إنسانيا عادلا كان قد صدر عن القاضي المنفرد في المتن ناجي الدحداح عام 2014 قضى بأنه «يحق للأشخاص الذين لديهم اضطرابات في هويتهم الجنسية أن يختاروا الهوية التي تتوافق مع ميولهم وتكوينهم الطبيعي، على اعتــــبار أن شرعة حقوق الإنسان تحمي الفرد من دون تمييز جنسي، إذ لديه الحرية الكاملة بالتحول الجنسي».
ولما تقدم يبدو أنه من الأرجح الآن توقيفه ربما بشكل انفرادي ريثما يتقرر، وبالأحرى يقرر الأخت؟ الأخ جنسه!!
أوامر «مطاع» أم «مطيعة» المأمورة؟
وإذا نفّذ «المتحول جنسيا» عقوبة السجن بشكل انفرادي حرصا عليه ربما سيجد «مطاع» الوقت لقراءة سطوري هذه.. ومطاع هو الاسم الذي سأطلقه عليه ريثما يقرر هو جنسه وهل سيظل «مطاع» أي «الذكر» كما جاء في «بطاقة هويته» أم سيختار أن يصير «مطيعة» وهو أيضا اسم افتراضي من عندي.
إذا اختار «مطاع» أن يظل كذلك ولا يصير «مطيعة» سيكون بوسعه أن يحصل على جواز سفر من دون موافقة «ولي أمره» فهو ولي أمر نفسه لا كمطيعة.. بل إنه سيصير وليا على أمر (حريم) الأسرة في حال غياب والده.. وسيرث ضعف ما سترثه مطيعة من المال والعقار.. كما انه سيحظى أيضا بأربع «حصص جنسية» إذ يحق له الزواج من أربع نساء، أما إذا صار مطيعة فله «حصة جنسية» واحدة في أفض الأحوال، أي إذا وقعت مطيعة على زوج يكتفي بها وهي مضطرة طبعا للاكتفاء به حتى ولو لم يكن يرضيها كأنثى!
والآن ماذا ستختار أن تكون؟
إذا قرر مطاع أن يظل كذلك سينجو من مصير «الزيجة الإجبارية» وقد يصير «عازبا مزمنا» لا «عانس» منفرة.
ولن يراقب أحد من أفراد الأسرة «المخابرات الهاتفية» التي تصله، بل قد يفخر الوالد بكثرة الصبايا اللواتي يلاحقنه، أما إذا اختار أن يكون مطيعة فسترتجف لحية الوالد وشاربه إذا طلب صوت خشن الحديث معها.. وستصير مطيعة هدفا دوريا للفتاوى التي تملي عليها ثيابها وحتى ما يحق لها إزالته من شعر جسدها!!
سيظل بوسع مطاع الجلوس باسترخاء في المقعد وقد أبعد ركبتيه عن بعضهما، أما مطيعة فتعرف أن عليها الجلوس بركبتين مضمومتين متوترتين وقد غطت ساقيها فهما عورة قد تثير الغرائز الجنسية للذكور، وذلك ممنوع على النساء. أما الرجال فيحق لهم ذلك بارتداء ثياب الاستحمام أو تعرية الصدر من القميص، كما لو أنه ليس للمرأة شهواتها أيضا كبشر وكأي ذكر.. فهي وعاء للجنس فقط، ولضمان ذلك من الأفضل «ختانها» كي لا تتطرق إلى جسدها النشوة!
يحق لمطاع خلع ثيابه باستثناء ما يخفي عورته، والسباحة ولبشرته حق التنفس تحت الشمس. ولا يحق ذلك لمطيعة التي عليها إذا أصرت على معانقة البحر أن تهبط إليه بكامل ثيابها، وقد تصاب بالنزلة الصدرية ريثما تجف (الخيمة) التي ترتديها، ولكن من يبالي ومطيعة حرمة (أجلّك الله) وحتى صوتها عورة!
ارحل كما تشاء يا كامل الأوصاف
مطاع ليس ناقص عقل ودين كمطيعة. إنه كامل الأوصاف والمؤهلات القانونية بل بوسعه أن يطيل لحيته (كسلا) ويرتدي عمامة ثم يسدي النصائح بل الأوامر إلى «مطيعة القبيلة»! 
لقد ربح «الجائزة الكبرى» في يانصيب التحول الجنسي، فماذا سيختار؟ ان يكون مطاع أم مطيعة؟ لا أحد يستطيع حدس ذلك، فللطبيعة البشرية دهاليزها السرية وأمزجتها.
وبوسعه ما دام «مطاع» ان يغيب إلى ما بعد منتصف الليل، وحين يعود إلى البيت سيجد أمه قلقة عليه ووالده يخفي قلقه لذلك، ولكن الوالد سيبتهج بمغامراته إذا رواها له، وسيعتبر ان شبابه تجدد! أما مطيعة، فستكون السكين بانتظارها خلف الباب ولن يسألها أحد عن أسباب التأخر!
مطاع من حقه إغواء «بنت الجيران» بل ممارسة علاقة معها، أما مطيعة فسيتم قطع عنقها إذا تجاوبت مع ابن الجيران.. أي مع شقيق الأنثى التي يلهو معها مطاع..ثم ان مطاع يستطيع طلب زوجته إلى بيت الطاعة، أما مطيعة فتدخل إلى بيت الطاعة الاجتماعية منذ لحظة الكتابة في (بطاقة الهوية) انها أنثى وليست ذكرا.
الرجل العربي لا يُحسد كثيرا!!
مطاع وحده يقرر مصيره. وهو سعيد الحظ لأنه في بلد حضاري كلبنان يحترم حرية الفرد حتى في اختيار جنسه، ولا أعتقد ان ذلك كان يمكن ان يتاح له لو وجد نفسه في قبيلة متخلفة، حيث سيتم استعماله كدمية جنسية لأصحاب الأمزجة كلها وموضعا للسخرية ناهيك عن الإعدام!
أنت المطاع يا مطاع، فهل تفضل على الرغم من ذلك كله ان تكون مطيعة؟
إذا أهلا بك في جحيمنا! هذا مع الاعتراف بأن الرجل العربي في معظم أقطارنا لا يحسد على حاله، ولكن للمرأة العربية مثل حظ الذكرين من القمع والقهر.
وعلى الرغم من كل ما تقدم، تقضي الأمانة الأدبية بأن أقول لمطاع الافتراضي إن لدى مطيعة الامتياز الذي يعجز عنه ألا وهو الشعور الأجمل في العالم، والأكثر نقاء في التاريخ البشري منذ ما قبل العصر الحجري وحتى زمن إمكانية الولادة فوق سطح القمر، وهذه الميزة التي سيفتقد إليها مطاع اسمها الأمومة. وبالمقابل فالظلم الذي سيتعرض له إذا اختار ان يكون مطيعة مركب ومضاعف.. ولكنه سعيد الحظ لأن له الخيار.. ولم يسألني أحد هل أحب ان أكون غادة أم أغيد!!
وذلك ينطبق على القراء جميعا.
______
*المصدر: القدس العربي.

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *