حاوره: علي عبيدات*
(1) لو افترضنا أن أريحا بداية التكوين والمخزون الذهني البِكر وأرشيف الوجع كما يشي شعرك، وأن عمان المسير والتعب وباب المعرفة والتعارف والنجاح وفرض الحضور بسطوة شاعر شاب كان – وما زال- يسعى بين أبنيتها وثقافتها وشراكتها الروحية بموطن الأصل… كيف صقل غازي الذيبّة شخصيته الشعرية بين هذه الأطراف..؟
أصرخ مع الرعاة وأطارد الدجاج
بدأت القصة وأنا أجلس تحت شجرة الكينا في مخيم البقعة في بيت جدي بينما كنتُ أقرأ على رجال كبار في السن سيرة الزير سالم من كتاب كان أحضره أبي وشغفت به، وكان هذا من بواكير اكتشاف الكلمة التي شكلت في داخلي كينونة هذا المغني الذي يريد أن يرفع صوته عالياً في البراري ويكون حادياً.
وبالنسبة لي أعتبر الشاعر مغنياً، لأن الشعر تربية وجدانية وشعري أنا تحديداً يقطن في منطقة رعوية باعتباري ابن بيئة قروية وعشت في مخيمات، فكانت هذه الطبيعة هي التي تشكل وجداني، أصرخ مع الرعاة وأطارد الدجاج في قُن دجاج جدتي وأفتش عن المرايا والخواتم والمناديل التي تملكها ثم أعيد تلويح مناديلها بالكلمة وهي تلوح بالوداع إلى من ذهبوا، ولم أكن أرى الأشياء على نحو مادي، وأحاول أن أوازي كل فعل مادي كنت أذهب نحوه باستخدام الكلمة لأجد لها معنى.
كنت أعكس كل شيء بكلمة يتجاور معها صوتي الداخلي بإيقاعاته اليومية والأخرى التي أبتكرها أي “الغناء الداخلي” وأحياناً الخارجي، فقد كنتُ أناظر الزجالين وأشارك في حفلات الزجل ارتجالاً، وكان هذا جزءاً من صقل الموهبّة وأشارك الأصدقاء أيضاً بكتابة قصائد ارتجالية، وكل هذا ذهب باتجاه تشكيل هذه التجربة التي أظن أنني ما زلت ماضياً في التجريب بها، ما زلت أجرب ولم أستقر بعد على منطقة بعينها في الشكل والمعنى والأسلوب بالنسبة للقصيدة.
أما الكينونة المكانية، فأنا لم أقم في أريحا سوى سنتين ولا في الظهرانية التي ولدت فيها وسجلت على أنني مواليد مخيم عين السلطان. وبعد أن وصلت قافلة النزوح بأبي وأمي إلى عمان وعشت في هذه المدينة التي لا أعرف وطناً سواها، وأتمثل الآن من خلال رائحة المخيم وفلسطين التي لا تفارق وجداني، هذا الحق الذي اغتصب هو حقي في فلسطين ومكاني والذي يشكل جزءاً من هويتي، وعلى رأي الصديق الروائي مفلح العدوان: “بطينٌ أيسر وبطينٌ أيمن، هل يفرق بينهما نهر مقدس؟”.
هذه هي الحالة التي عشتُ في وعيها، وكنت أسأل عمان دائماً: “أنا ذاهب إلى فلسطين” وتقول عمان: “وأنا ذاهبة معك” وأحتمي بعمان حتى عندما كنت خارج الأردن وخاطبتُ عمان مراراً وناجيتها بشعري الذي شكلت وجدانه، أنا ابن أزقتها وشوارعها، ومكنتني من أن أكون أنا في هذا الفضاء الإنساني الذي احتضن روحي، عمان مدينة الحب الأبدي والتاريخ مليء بمواطن التلاحم. ومن يتحدث عن نزعات بين عمان والقدس فلم يقرأ التاريخ عندما كان ملوك البتراء (الحوارث) لا يغمسون لقمتهم إلا بزيت فلسطين، وكان ملوك القدس (ملكي صادق) كان لا يأكلون طعامهم إلا بسماق عجلون.
(2) دبلوم المحاسبة من كلية المجتمع.. حيث الأرقام والجمود وانعدام الخيال والمعادلات الثابتة والمسلمات الوضعية التي لا علاقة لها بالشعر واللغة كمؤسسة لغوية وحاضنة عاطفية لجأ غازي الذيبة لها وجعلت منه كائن أبجدية.. هل منعتك الدراسة عن شيء أو ساهمت بتأخرك عن مواعيد بوحك الشعري لأنها بعيدة عن مجال جنون أهل العاطفة، والشعر تحديداً؟
الصدمة البصرية والدهشة وإتقان الحركة والصورة من منظور رياضي
أغلب الشعراء الذين نبغوا في الشعر كان لهم علاقة في الرياضيات والعلوم، ويبدو أن هناك ربطاً بين العلوم والشعر، لكنني اخترت الشعر وتركت الرياضيات ورفضت منح دراسة وعمل في هذا المجال لأنني قررت أن أتفرغ للشعر وأعيش له. الرياضيات تدريب على تحريك العقل وإنتاج خصائص للنص بالعقل الرياضي، فحتى الحضور في النص يحتاج إلى منطق في الغموض والحضور والرياضيات تساعد على هذا، وهذا المنطق يقود إلى الغموض سواء كان جميلاً أو ملتبساً أو حتى مغلقاً، وهناك تجاوب مع ما أكتبه من منظور الرياضيات التي ساهمت بصقل شعريتي واستثمرتها في خدمة النص، ومن هنا جاءت الصدمة البصرية والدهشة وإتقان الحركة والصورة من منظور رياضي، واللعب على حبّال اللغة.
(3) من يكتب من؟ هل ترى الإلهام مصدراً رئيساً للشعر أم أن الجبلّة والملكة أصل والإلهام هامش مضى زمن الحديث عنه في خضم إنكار الماورائيات وما لا يتقبله العقل هذه الأيام، درويش مثلاً كان ينتظر القصيدة ويلبس لها أجمل ملابسه منذ الصباح ويجلس في بيته منتظراً لحظة الكتابة وفق روايات أصدقائه.. هل تكتب القصيدة استمراراً لنزيف لا فكاك من طبَّابته أم أنك اليوم بعد تجربة شعرية طويلة تكتب متى أحببت وفي ما تشاء باعتبارك توظف الأسطورة بشكل كبير في السنوات الأخيرة وتستلهم من الشعراء القدمى كالخيام وغيره بعد بحث واستقصاء أو على الأقل بعد قراءات وافية.. كيف ومتى تكتب؟
لا أنتظر إلهاماً ولا استفزازاً
الهدوء فقط أرضية الكتابة بالنسبة لي، لا أنتظر إلهاماً ولا استفزازاً، فقط عندما أكون مرتاحاً ويتوفر بين يدي ورق وأقلام ولوحة مفاتيح مؤخراً. الآن مثلاً بوسعي أن أكتب قصيدة، وحدثت معي قصة لم أتحدث عنها سابقاً، فقد طلبت مني إحدى دور النشر أن تنشر لي ديواناً شعرياً وكنت أملك العديد من القصائد، وبدأت أحررها ليبقى منه 3 قصائد، فكتبت ديواناً في أسبوع وتلك القاصئد هي أغلب ديوان “حافة الموسيقى”.
(4) لو فتحنا باب مواقفك.. الموقف من المدينة والتمدن ومن الزمن (ماضياً وحاضراً ومستقبلاً) ومن الآخر (ضمن الهوية وأبعدُ من الذات وفي محيط انعكاسها على الأنا)، ومن السلطة (قديمة في بطون التاريخ وسلطتنا اليوم) ماذا نجد؟ فكلنا نعرف أن لك باعاً طويلاً في استثمار القصيدة لبيان مواقفك في غير موضع وباب ولعل هذا من مهمات الشعر في الأصل، لكن ما الموقف الأكثر شيوعاً في شعر غازي ويراعيه دائماً ويحاول قدر الإمكان أن يتبنّاه في مسيرته الشعرية؟
المتنبي كان شاعراً حقيقاً لكنه صاحب هدف شخصي
أن أقف في منطقة رمادية يعني أن أترك الطاغية والقاتل يسرح ويمرح وأن أترك الوحوش تنهش لحم الحملان، فإذا لم يكن الشاعر صاحب موقف فعليه أن يترك الشعر، رامبو مثلاً عندما أصبح نخاساً وتاجراً للسلاح بعث لأهله من عدن أنه ترك الشعر وهو من أعظم شعراء البشرية. فأن تكون شاعراً وتقف إلى جانب قاتل فيجب أن يعاد النظر بشعرك وإنسانيّتك.. كل من نراهم ببزاتهم الرسمية من الذين يحكموننا في المنطقة العربية طغاة فكيف يمكن لشاعر أن يكون في بلاط السلاطين وهم على هذا النحو..!
وفي نظري فغازي الذيبة على عداء مع أي طاغية وعدو للإنسانية.. عدائي مع ستالين وصدام حسين ومعمر القذافي والأسد.. عدائي مع 22 طاغية… عدائي الثقافي والفكري والتنويري ولا سلاح معي إلا الكلمة، هات لي شاعراً حقيقياً لم يكن صاحب موقف.. المتنبي مثلاً، كان شاعراً حقيقياً لكنه صاحب هدف شخصي وأحمد شوقي مثلاً كان أميراً لأنه كان في البلاط… لا يتفق الشعر مع الطغيان والاستبداد والدم.
(5) أجراس.. قلق.. وربما هناك غير هذه الجماعات ولم نعرف قصصها، كل هذا ساهمت في تأسيسه مع شعراء آخرين وكأنك تحاول أن تعيد أمجاد الجماعات الشعرية القديمة أنتَ وصحبك.. هل تبحث عن المجد؟ وهذا طبعاً هدف الكثير من الشعراء وهو شرعي، أم أنك تملك كلمة لم يتسنَّ لك أن تقولها وحدك وتحتاج مشاركة جيل كامل لتقول كلمتك ورؤيتك.. فهل أنت شيخ طريقة تريد قلب المريد وآذان الناس بهذا.. وهل كان العيب في الماء أم في الإناء بسبب ركود هذه الجماعات؟
أحاول أن أرتقي بفكرة الشعر مع الجمع ليكون التنوير والدفق الثقافي أقوى وعلى مستوى جيل بأكمله. والعيب كان في الماء وليس في الإناء.
منذ أن انطلقت في مشواري الشعري وأنا أغني منفرداً، وكما قال سعدي يوسف: “أسيرُ مع الجميع وخطوتي وحدي”، لكنني أحب التشارك والالتقاء لأن الانكفاء والجلوس بأبراج عاجيّة لا يصنع المثقف العضوي الذي يتوجب عليه أن يكون شريكاً في هم المجموعة.
الشاعر نبي مسلح بالمعرفة والاكتشاف والاختلاط والتشارك مع الآخر، وأنا من خلال مشاركتي في هذه الجماعات أكتشف ذاتي وأتلمّس ما أريد قوله. رغم قول البعض إنني أشارك بهذه الجماعات لأهرب من السياسة والحزبيّة العقائدية، وعملياً هذا صحيح لأنني أنبذ السياسة بما هي عليه اليوم، وباختصار كنت أحاول أن أرتقي بفكرة الشعر مع الجمع ليكون التنوير والدفق الثقافي أقوى وعلى مستوى جيل بأكمله. والعيب كان في الماء وليس في الإناء.
(6) يلتمس المراقب للمشهد الثقافي في الأردن غياباً تاماً لهرم الآباء وفكرة المثل الأعلى أو المعلم أو حتى الشيخ من منظور الطاعة الصوفية والبحث عن اليقين، وفي لقاءات وتقارير سابقة “لثقافات” التمسنا أن النسبة الكبرى من كتَّابنا لا يملكون فكرة الأب الروحي وبنوا كيانهم الأدبي وحدهم… هل غازي الذيبة من صناعة غازي فقط؟ أم هناك من يستحق الشكر وأخذ بيد غازي شعرياً؟ وحبّذا لو ذكرت لنا أسماء الشعراء الذين أثروا تجربة غازي الذيبّة الشعرية وساهموا في بناء مخزون شعري، وأحبهم؟
محمد القيسي أخذ بيدي
شاعرنا الكبير محمد القيسي كان ممن أخذوا بيدي، فأجيال الثمانينيات والسبعينيات والتسعينيات تقاربت مع بعضها بدرجة كبيرة بالنسبة لمن أجادوا الشعر وأحبوا التعلم على الكبار في ذلك الزمن.. وتتلمذتُ على التراث العربي الزاخر، قرأته وتعلمت منه وقرأت من مكتبة أمانة عمان عندما كانت زاخرة بالكتب في تلك الفترة.. وبين بطون الكتب بحثت عن من سأكون مريده ووجدت نفسي في منطقة محمود درويش وعز الدين مناصرة وتيسير سبول والكبير عرار.. ومن سوريا نزار قباني وأدونيس ومن السودان الفيتوري العظيم ومن العراق رواد شعره وما بعد الرواد.
وانغمستُ في مجمل الأدب الإنساني الزاخر بالكثافات الشعرية منذ روائع جلال الدين الرومي حتى أبي بشر الحافي وبينهما العديد من أصدقائي الشعراء الذين أتقرب منهم وأتودد إليهم وأتلمس كراماتهم. ثمّة آباء كثر ويبقى في الذاكرة أصحاب الحس الكبير، ونحن لسنّا أيتاماً ولا يوجد مثقف أردني يتيم وهذه كذبة كبرى، كلٌّ له أب وله من أثر به وأثرى تجربته.
وفي الأردن ثمّة شعراء لا يمكن إنكار بصمتهم وحضورهم ومتانة نصوصهم وعمق تجربتهم، دونك مثلاً الشاعر الرصين عطا الله الحجايا والأديب الكبير وصاحب الكلمة المجلجلة الدكتور حكمت نوايسة وأنا معهما ضمن علاقة روحية عميقة وشراكة في الهم والشعر.
عاطف الفراية… عاطف لم يمت، وحاضر في كل شيء وحتى الآن لا أؤمن بغياب عاطف، فكل هاتف يأتي من رقم دولي أتخيله من عاطف. علاقتي به ليست شعرية هي علاقة ما بعد الصداقة إن شئت، وصلت إلى أدق تفاصيل حياتنا، أعرف بيته ويعرف بيتي. عاطف الراعي الإنسان الذي كان يقول لي أنا أخوك الكبير رغم أنه أكبر مني بأيام، حتى أن أولادي يطلبون حتى الآن من الحلوى التي كان يحضرها لهم العم عاطف، ونحن جميعاً لا نؤمن بموته. إنها شراكة روح.
قصي اللبدي شاعر التفاصيل المدهشة العاقل الذي يرقد على تل من الجنون.. زهير أبو شايب.. قشرة اللوز الصلبة واحد من أكبر المتأملين في الشعر ولا يكشف عن الأشياء، بل يجب أن تذهب إلى أعماقه لتدرك ما يريد وأين هو، ولا يكتب عن الملموس ويكتب في منطقة شفيفة كالروح. باسل رفايعة شاعر فذّ طلق الشعر وظل الشعر في مقالاته وتجلياته.
للأسف حتى الآن لم نقف أمام تجربة شعرية نسائية ناضجة، ربما لأن سطوة الذكورة عالية في الشعر، إلا أن هناك محاولات لا ننكرها، لكننا بحق نفتقر إلى الكبيرات كسيلفيا بلاث وفروغ فرخزاد مثلاً، وبالمناسبة فروغ فرخزاد الإيرانية من أغرب وأقوى الشاعرات على مستوى العالم، فهي تستنطق الأشياء بطريقة ساحرة وتستنطق الريح والضوء.
(7) ما الذي لم يقله غازي الذيبّة بعد؟
سأكتب المزيد من الحب
سأتحدث عن الحب أكثر، ما زال بداخلي حصان فتي يخفق قلبه عندما يرى الجمال، ولا يمكن للشاعر أن يبقى مستوحشاً من ذاته وعاشقاً للكلمات فقط، على الجمال أن يكون في كل حياته: بالمكان بالطعام بالموسيقي بالفنون بالعلوم بالتمدن بالتحضر، وإذا لم يتلمس ذلك يفقد كل شعره.
كلنا مرضى القصيدة، تلك التي لا جنس لها، فإذا قلنا إنها ذكر سنُقتل وإذا قلنا أنثى ستطلق علينا نار الجحيم، والحقيقة أننا نتجنس بها ونحمل جنسيتها. وهناك مآخذ علي لأنني أكتب الشعر يومياً، لكنني كما قالت الشاعرة الإمارتية ميسون صقر ذات يوم: “الشعر يسيل منا” وقد ضربت على وتر كنت أخاف أن أعزف عليه، لأنني أكتب يومياً، فإذا لم أكتب كل يوم، أقتل قصيدة. سأكتب المزيد من الحب.
لا أجد نصاً صوفياً خالصاً في شعرنا الحديث
قرأ هؤلاء الشعراء كتاب الصوفية والسوريالية لأدونيس.. وبعده فهموا الصوفية على أنها أداة من أدوات الشعر وهي ليست إلا حالة تأملية قصوى تذهب بحالة تسامي الروح والجسد، وليس كما قال أدونيس واستدرج الحمقى ليعبدوا فكرة التصوف.
أغلب من يدعون التصوف اليوم لم يقرأوا الرسالة القشيرية ولا يعرفون البسطامي أو السهروردي، وبقية أعلام التصوف كالشاذلي والكيلاني وابن عربي، هذه المدارس والطرق يجب أن نراها في نصوص من يدعون التصوف لنؤمن بتجربتهم، وعلى سبيل المثال كيف يمكن أن نستدل على جلال الدين الرومي في غازي الذيبة..؟
أقرأ نصوص من يدعون التصوف وأتأمل حضور التصوف والإشراق والاستلهام الصوفي فلا أجده..! حتى الآن لم يكتمل النص الصوفي والكل يجاملون أدونيس الشاعر العظيم والذي أحبه، وأعتبره مبتكر موضات في الشعر.
الآن، لا أجد نصاً صوفياً خالصاً في شعرنا الحديث.
(9) أخيراً اسمح لي بسؤال بعد أن أثريتنا وأثريت القارئ بهذا العصف الذهني الذي يهب بين خلجات شاعر حداثي جعل القصيدة كهفه وباب اتساعه على العالم… إلى أين يذهب الشعر وماذا تريد منه في هذه الحقبة الصعبة التي تمرّ بها منطقتنا…؟
اختلط الحابل بالنابل
أولاً علينا أن نؤمن بأن الشاعر هو الأجود في معرفة الحياة والأكثر انصاتاً للطبيعة والمحيط، فهو من يرى الندى على الزهر ويسمع رفيف أجنحة الفراشات، وهو المتأمل الكوني القادر على قراءة المستقبل وعلى علم تام بوجهة هذا العالم.
ومؤخراً اختلط الحابل بالنابل وثمة حديث عن الفصل بين الشاعر والسياسة مثلاً، وهذا آخر ما يحدث مع الشعر الذي سألتني إلى أين هو ذاهب وكيف أراه، وبالنسبة لي لا يمكن أن نفصل السياسة عن الشعر –في جوانب مفصلية- فالشاعر يدركُ أين تذهب قنبلة السياسي الذي يريد أن يفجر هيروشيما مرةً أخرى، ولن ننسى أن محترفي السياسة على علاقة بالشعر ولو كان بقراءته واستحسانه. وأتمنى أن يكون الشاعر في سيّاق المثقف العضوي على صعيد سياسته لا أن يكون إقصائياً أو مقدساً لرأيه السياسي ومشككاً بالآخرين كما يحدث من سجالات حولنا.
على الشعر أن يكون إنسانياً صرفاً ضمن إخوة انسانية تشاركية مع العالم، وأن ننبذ الحديث عن الماضي والطوباويّة، فنحن بلا حاضر وبلا ماضٍ ونتكئ على أمجاد قديمة كان أكثرها بسبب الغزو الذي لا أراه إنجازاً حضارياً، وبعيداً عن جلد الذات يمكن أن نلتمس بعض المنجزات والإشراقات العربية الإسلامية لكن لا يجب أن نبالغ، نحن شركاء في صناعة الإنسانية لكننا بهذا لسنا نداً حتى الآن، ولا نستطيع أن ندعي أن الثقافة العربية الإسلامية أسسّت للحضارة الغربية.. لماذا لم نؤسس الحضارة الثقافية شرق الآسيوية أو الاسترالية أو الأمريكية وغيرها. على الشاعر أن يكون يقظاً وسط هذه المعمعة لنعرف أين سيذهب الشعر.
*.