عبد المجيد زراقط: التشخيص والترميز والجنوب


صفوان حيدر

عبد المجيد زراقط، روائي، ناقد أدبي، أستاذ جامعي، يحفل كتابه المؤلفات القصصية الصادر عن دار الفارابي، بأبعاد متنوّعة وحاملة غنى التجربة الروائية، ورسوخها، في جذور الأرض، والمعاناة الوجودية، والثقافة الروائية الأسلوبية. وتتضافر الأبعاد المكانية والزمانية في أجواء الجنوب اللبناني حيث تتحول الجهات الأربع الى جهة واحدة هي الجنوب. إنها مؤلفات الأرض بطبيعتها الصامدة وحكايات الناس والنضال، من شتلة التبغ الى مجابهة الإقطاع السياسي الى المقاومة في مواجهة العدو الوطني والقومي والديني الصهيوني.

تمتاز أعماله القصصية المجتمعة في هذا المسار الروائي بتعددية أسلوبية وحكائية، يتحوّل فيها الفن القصصي في تقنيات السرد الى تركيب فني درامي، يقرن التاريخ بالجغرافيا وبالحالة الوجودية والوجدانية للبشر، المنجزين الأحداث الدرامية التي تحكي علاقة الإنسان بالأرض وبالسلطة السائدة وبالعدو الجاثم على الحدود.
يسبك عبد المجيد رواية الأحداث، الطريفة والظريفة والدموية والدرامية بأسلوب يتأرجح بين الذاتي والموضوعي، التنظير والممارسة العملية في علاقة الواقع بالمضمون القصصي، مستعيناً بشاعرية لغوية تستمد بلاغتها من روح الأرض، التي يرتفع فيها عبد المجيد عن التشخيص الفوتوغرافي الى تجريد الوقائع والأحداث باتجاه المعاني الإنسانية الكبرى الثابتة والمستمرة في صيرورة الفعل القصصي.
يحتلّ «بو علي» كبطل درامي واجهة الأحداث البطولية في هذه المؤلفات ليواجه قوى الأمر الواقع في مجتمع الإقطاع الذي تقوم تراتبيّته على علاقة الإقطاعي بالمختار وبمخفر الشرطة. وبين الهجرة والنزوح والرحيل في رواية الهجرة في ليل الرحيل تتحرك وتتشعب طريق الهجرة فتشتمل النزوح الى المدينة والسفر الى القارات البعيدة، حيث لا تحقق الهجرة سوى الخيبة والضلال والخسران. فيحق التساؤل: إلى أين يهرول الراحلون عن الوطن الى اللاوطن؟
في مجموعته القصصية القصيرة ذات عصر وقصص أخرى يتحدث عبد المجيد عن تجربة المقاومة في تاريخ جبل عامل التي انبثق منها عصر المقاومة المعاصر ليحاول أن يحيط بتجربة المقاومة، زمناً وأمكنة ومراحل من دون التفريط بفنية النص والتماعاته الشعرية اللغوية. أما في مجموعته القصصية القصيرة حكايات في البال فيفوح عطر التراب بتعب الزنود وحصاد الخيرات طموحاً الى أن تكون الحياة بعطر ترابها وأن تكون إنسانية الإنسان هي مبدعة الكتابة وصانعتها. ومن قصة «حفنات تراب» الى قصص «أقحوانة صفراء» و «ياسمينة خضراء» و «وردة حمراء»، تتشخصن الطبيعة ويصير الإنسان ابن الأرض الأمين لأحلامها والمحور لكرامتها.
أخيراً في مجموعته «ضحكات الكروم» يروي عبد المجيد حكايات الفلاحين بين أرجاء الحقول والكروم لتصبح تجاعيد وجوه الفلاحين كتجاعيد الهضاب وتجاعيد أيديهم وأجسادهم كتجاعيد غصون الصنوبريات الشجرية ومن بينها الأرز والشربين والسنديان والحور والكينا والبلوط والزيتون وتصير ملامح الوجوه السمراء كابتسامات ألوان الحقول والتراب.
يتضافر في هذه المؤلفات القصصية جهد روائي يجمع بين البصر والبصيرة، المشاعر المذنبة والأحاسيس البريئة، الواقعية المفرطة في واقعيتها من جهة، والأسلوبية السردية النقدية التي يتمتع بها التحصيل المعرفي. هكذا ينفعل السرد الروائي بتدرّجات إبداعية تتحرّك مستويات نجاحها بتموّج دؤوب في مستويات التفاعل والتبادل بين التشخيص والترميز والانعكاس والتعبير وبين والمقدرة الذاتية على سرد موضوعية الأحداث والمقدرة على إعادة تشكيلها.
السفير

شاهد أيضاً

فصل من سيرة عبد الجبار الرفاعي

(ثقافات)                       الكاتب إنسان مُتبرع للبشرية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *