قيم “غاندي” تقود حزب العمال البريطاني


غصون رحال


خاص ( ثقافات )
كيف لبريطانيا، الدولة الرأسمالية بامتياز، أن تحتمل النائب جيرمي بيرنارد كوربين Jeremy Bernard Corbyn بأفكاره الاشتراكية المنحازة إلى المستضعفين، والمهمَّشين، والأقل حظاً رئيساً لثاني أقوى حزب في بريطانيا؟ 

هذه الأفكار المنعوتة بالتعفن والصدأ، أوصلته إلى النيابة للمرة الأولى عام 1982، وأهلته للفوز بجائزة “غاندي الدولية للسلام” عام 2013 لتمسُّكه وحفاظه على قيم غاندي داخل قاعة البرلمان البريطاني لثلاثين عاماً، ومكَّنته من حصد ما نسبته 59.5 % من أصوات الهيئة العامة للحزب – ومن الجولة الأولى – ليتولى على أثر هذه النتيجة غير المتوقعة رئاسة الحزب وقيادة المعارضة في مواجهة حزب المحافظين الذي يترأسه ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا الحالي.

تلك الأفكار التي بها حمل حزب العمال فوق كتفيه منذ مني بهزيمة نكراء في الانتخابات العامة التي جرت في شهر أيار من هذا العام بسبب ترهل قياداته -“توني بلير ” و”غوردن بروان” وأخيراً “إد ميليباند” – وافتقارها إلى رؤية واضحة وحاسمة لمواجهة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتنامية في بريطانيا، مما حدا بالعديد من أعضاء الحزب إلى الانقلاب على سياسات الحزب البالية ومنح دعمهم الكامل له ولرؤيته الاشتراكية بعدما تبيَّن لهم الغث من السمين، واتضح للجمهور البريطاني من خلال ما يسمَّى “فضيحة النفقات” المتعلقة بالغلوِّ بالإنفاق من قبل بعض أعضاء البرلمان البريطاني، منذ العام 2009 أنه الأقل إنفاقا من بين 650 من أعضاء البرلمان، وأن مطالباته من الأموال العامة لا تتعدى الحد الأدنى، مسجلاً بذلك هدفه الأول في نظافة اليد في مرمى كل من تسول له نفسه توجيه تهم بالفساد لشخصه الإنساني والسياسي.

الأفكار التي تصدى بها لمبادرات هيمنة القطاع الخاص على المشاريع العامة، ومقاومة محاولات خصخصة مشاريع الدولة وتجييرها لصالح رجال الأعمال والشركات العابرة للحدود، ووقف صارخاً بقوة في وجه التواطؤ الرأسمالي المتغافل عن جرائم التهرب الضريبي من قبل الشركات الكبرى، مطالباً برفع الحد الأدنى من الأجور والتخفيف من الضرائب على ذوي الدخل المتوسط.

كيف لبريطانيا، الشريك الأول لأمريكا في حروبها الخارجية حول العالم، ألا تصاب بلوثة سياسية وهستيريا تشريعية أمام فوز ساحق لعضو دائم في منظمة العفو الدولية، ومناهض شرس لممارسات الفصل العنصري في أفريقيا، وعضو تنفيذي في حركة مناهضة الفصل العنصري، وعضو لجنة إدارية في تحالف “أوقفو الحرب” ومعروف بمناهضته للحرب في أفغانستان والعراق؟

كيف لبريطانيا، صانعة سياسات التشظي في الشرق الأوسط ابتداءً من فلسطين 1917 حتى العراق 2003، أن تتهاون مع صوت معارض للسياسات البريطانية في الشرق الأوسط، وعضو ناشط في “حملة التضامن مع الشعب الفلسطيني” الذي طالما تصدَّر حملات التظاهر ضد الحرب على غزة وما تطلق عليه الحملة “الفصل العنصري في إسرائيل”، ومع سياسي محنك يتبنى سياسات غير معادية لحركة حماس لأنه يؤمن بأن عملية السلام لن تكتمل إلا بمشاركة فاعلة من هذه الحركة؟ 

وقبل كل ذلك، كيف لبريطانيا أن تتجاوز عن إمكانية أن يصبح رجل يعمل بدأب على اتخاذ تدابير معادية لنمو السلاح النووي الإسرائيلي رئيساً للوزراء إن فاز حزب العمال في الانتخابات البرلمانية القادمة؟

* روائية من الأردن.

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *