الحبّ الأول


* ماجد بوشليبي



يقول هنري مللر إن الكتاب السيئ كالعلف الرخيص، بمعنى أنه لا يقدم كثيراً لقارئه، فالقارئ يتوقع من الكاتب والكتاب الكثير، فالوقت الذي سينفقه في قراءة الكتاب مهم جداً في إكسابه ثقة ما، تجاه فعل القراءة إلى حد بعيد، وكثير من الكتّاب يقولون إن الجيل الجديد قد فقد حماسه تجاه القراءة، وأثرت عليه وسائل التكنولوجيا الحديثة، وهذا حقيقي إذ أظهرت دراسة أجريت مؤخراً في المحيط المحلي تؤكد أن 88% من الذين أجريت عليهم الدراسة يقولون بهذا، وأن الإنترنت والأجهزة الحديثة قد حالت دون وجود القراء التقليدين، لكن هذا لا يتعارض مع مفهوم أن الكتابة الجيدة والمضمون الجيد عامل مؤثر في فعل القراءة، إذ إنه في ذات الدراسة تقول إن الواقع الثقافي ينقصه المزيد من الإبداع والمزيد من المضمون الجيد، حيث صوّت 60% من المشاركين فيها لصالح افتقاد عامل المضمون الجيد في العزوف عن القراءة رغم شهرة الكاتب، والأسباب في هذا كثيرة ولا معنى للكثرة إذ يكفي أننا نجد في الشبكات الاجتماعية دليلاً على ذلك في الدعوات إلى الكف عن جعل الكتاب والإعلاميين السيئين مشاهير على حساب جودة المضمون الإبداعي والثقافي، في ذات الدراسة توقع المبدعون من المؤسسة الثقافية أن تقدم لهم التدريب، وأن تتبنى منتجهم الإبداعي إضافة إلى التفرغ للكتابة، وبغض النظر، فمازال الأمر متعلقاً بالقارئ رغم النية الصادقة من حاجة الكتاب إلى تجويد الأدوات واستكمال عناصر النشر الأخرى، وخاصة الوكالة الأدبية ووجود المحرر الأدبي.


كثير ممن ارتبطوا بالقراءة كهواية صاحبهم، في بداية حياتهم، مؤلف معين أو كتاب ما، ترك في ذاكرتهم ما يشبه أثر الحب الأول الذي يحضر في ما بعد، في تجارب القراءة كلها، وربما كان المنتج الإبداعي، فيما بعد، جزءاً من تلك القراءات الأولى، الحب الأول أو الكتاب الأول لا يرتبط بذكريات المدرسة، وإنما العادة حيث تكونت ونشأت، فقد تكون الأسرة وقد تكون المدرسة وربما الأصدقاء، أو المصادفة وحدها هي من صنعت روح القراءة في شخصياتنا، فالكتاب لا يعد وسيلة معرفية فحسب، وإنما يتحول من دون إدراك منا إلى بضع منا نتصرف وفق ذكرياتنا عن تلك التجارب الأولى في القراءة، لذا فإن تجارب القراءة الأولى المتاحة مهمة في التأثير على نسق ما نقرأ في ما بعد، ويسهل ذلك في الاعتماد على انتقاء ما نقدمه لأطفالنا من خلال اختيارات تشدّ من أزر اللغة المحكية والمقروءة والفكر والخيال، وحتى في مرحلة متقدمة في اختيار الكتب، علينا أن نهتم بكلاسيكيات الفنون وتجربة القواعد من المعارف وتنمية الذائقة، فأنيس منصور قارئ نهم بل تنوعت مكتبته وقراءاته واتسعت ليكتب كتباً لخص فيها بعض ما قرأ، كذلك هنري ميللر له مقال كان يحكي فيه سيرة ذاتية له من خلال ما كان يقرأ، ويشير في كتابه «الكتب في حياتي» إلى أنه في هذا الكتاب كان يسعى إلى وضع لائحة بخمسة آلاف من الكتب، لولا أن ذلك كان سيضخم حجم الكتاب وتكلفته، وكان عليه في ما بعد، كما يقول، أن يقرأ أقل فأقل، ينتقي أكثر ويقرأ أقل.
_______
*المصدر: الخليج الثقافي 

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *