حسام السراي
في الوقت الذي تأخذ فيه الاحتجاجات الشعبية في بلاد الرافدين منحى تصاعدياً، عبّر عدد من أهل الغناء والموسيقى عن تضامنهم مع الشعب من خلال أعمال حاكت مقاومة الفساد ورموزه في البلاد اليوم.
الحدث غير السارّ في عام 2015 لساسة العراق، هو هذه الهبّة الشبابيّة العارمة التي لا يبدو أنّها فورة عابرة، بل حراك يتطوّر ويأخذ أشكالاً متعدّدة، بعضها يعلن نفسه في ساحات الاحتجاج، وآخر يؤكّد احتفاظ الروح العراقيّة بقدرتها على الخلق والابتكار. الشعارات اللافتة في التظاهرات مثلاً دليل على ذلك، رغم مرور 40 سنة من السحق ومحاولات التدمير للشخصية العراقيّة.
وإذا كانت الساحات قد منحت الفرصة لبعض شعراء العامية والمُنشدين وحتّى الرسّامين ليبرزوا مواهبهم، فإنّ جمعاً من الفنّانين والموسيقيين غنّوا للشباب المحتجّ ولساحات التظاهر في وجه الفساد ورموزه في البلاد اليوم.
ربّما بسبب العتب الدائم على الفنّان كاظم الساهر لجهة «تقصيره في اتّخاذ الموقف المطلوب ممّا حصل في وطنه منذ عام 2003»، فإنّ أوبريت «شباب العراق» الذي أطلق قبل أيام، لم يلق التفاعل المفترض من قبل الجمهور. يقول «القيصر» في الأوبريت: «شباب العراق، شباب العمل، شباب النضال أبيٌ بطل، عريق الكفاح لنيل الصلاح طويل الجهاد لعزّ البلاد… عقدنا عليه عظيم الأمل». أسباب غياب التفاعل عدّة، منها اعتقاد محبّي «القيصر» ومنتقديه أيضاً بأنّه كان يمكنه أداء أوبريت أو عمل أفضل بحجم الغضب الحاصل، إضافة إلى مواقف مسبقة من الساهر بسبب اتهامه بالتقصير في استخدام صوته لتوضيح حقيقة الوضع العراقيّ وما يواجهه مواطنوه من قتل وإرهاب طوال عقد مضى. هكذا، برز الكثير من الانتقادات القاسية التي لا يستحقها الساهر. ورغم أنّه أجّج الجراح والسجال لدى الجمهور في الداخل، إلا أنّ الأوبريت خطوة تحسب لفنّان سيبقى اسمه محفوراً بقوّة في الذاكرة العراقيّة والعربيّة.
“البرلمان الفاسد”، أنشودة لفريدة محمّد علي ومحمّد كمر، استثمر فيها الفنّانان العراقيان المغتربان أجواء وقفة للعراقيين في هولندا تضامناً مع أبناء وطنهم في الداخل. يظهر في الأنشودة عدد من المثقفين والعائلات المقيمة هناك وهم يحملون الشعارات نفسها التي رُفعت في بغداد ومحافظات أخرى، ومنها ما يطالب بإصلاح القضاء، إذ ترفع «سيّدة المقام العراقيّ» صوتها «باسم الدين باكونا وببلدان العالم طشرونا» (باسم الدين سرقونا وفي بلدان العالم فرّقونا).
لم يلق أوبريت «شباب
العراق» لكاظم الساهر
التفاعل المفترض
ومن البصرة، نجحت مجموعة من الشباب في تقديم أغنيات راب عفوية تعبّر عن السخط الشعبي المتصاعد. اجتمع ثلاثي فرقة فهد البصرة SSK ثانية، لتقديم «أنا العراق من أنتم؟». لاقت الأغنية تفاعلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، ليس فقط بسبب تصوير الكليب بين المتظاهرين، بل لأنّ هذه الفرقة الجديدة بدت أكثر احترافاً اليوم بعد عملها السابق «بلادي أوّل حضارة» (أوائل أغسطس الماضي). يطرح هذا الثلاثي نموذجاً للراب العراقي، ابن الواقع بحقّ. فهد البصرة وحسين العربي وصلاح الحسن هم هذا الثلاثي الصاعد من بصرة الخير والعذاب. وإذا كان التأسّي عنوان عملهم الأوّل الذي قالوا فيه «سجنوك يا عراق وهسّه تنتظر الإعدام» (هسه تعني «الآن» باللهجة عراقية)، تتّخذ لغة العمل الجديد منحى الإدانة الصارخة للطبقة السياسيّة، فنقع على عبارات الشتم: «أبدي (أبدأ) بالوزارة منبع القذارة… أنتم عار أصبحتم على البلد، كلّ الناس ترفض أعمالكم ومعاهم فهد… لكم فرصة للاستقالة الشعب نهض للعدالة».
من جهتها، لم تنل أغنية «أنا حرّ» لـMC Haider الكثير من المتابعة. لا ينحصر السبب في أنّ ما أدّاه ليس جديداً على الساحة، بل هناك أيضاً عدم اختياره موقع تصوير مؤثّر بين المتظاهرين مثلما فعل زملاؤه في البصرة، مكتفياً بتسجيله وتحميله على موقع «يوتيوب».
أمّا «ما نريده»، فهي أغنية مشتركة أدّاها حاتم العراقيّ وابنه قصي، وفيها يحافظ الأوّل على الإيقاع نفسه. الأغنية مسبوقة بموّال عراقيّ حزين عُرف به حاتم في أوساط جيله منذ التسعينيات، لكن بكلمات وألحان تحترم الجمهور.
المفاجأة الغنائيّة حقّقتها حنجرة المطرب جمعة العربيّ في أغنيتين بثّهما في وقت واحد تزامناً مع تصاعد الاحتجاجات الراهنة: الأولى هي «أي إصلاح»: «أي إصلاح يمعود (يا رجل أو يا طويل العمر) مو كل شيء راح أي إصلاح واليحكم (من يحكم) مجرم ذبّاح… أنت الكرديّ تصير الريس (الرئيس) وأنت الشيعيّ تصير القائد وأنت السنيّ تصير النائب وما تقبل شعبك يرتاح». والثانية بعنوان «وزارات للبيع»، اجتمعت فيها الكلمات الموجعة مع لحن تفوّق فيه صاحبه على ألحان سابقة له. ربّما هي لحظة تجلّى فيها تعبير العربي إلى أقصى درجات الصدق وتلمّس المرارة، وفيها: «ما نملك غير الجنسية والكلّ يكولك معليه (الكّ يقول لك لا شأن لي)/ أحزاب تنادي بالإصلاح وكلّ واحد منهم سفّاح يبيع المبدأ بالدولار بدمي ودمك تاجر صار».
على خط موازٍ، اتسمت أغنية «بوك يمعود دبوك» (اسرق يا رجل اسرق)، بسخرية مرّة لعلي محمود العيساوي، واهتمّت بها فضائيات عدّة، خصوصاً أنّها تلخّص حقيقة قطاع كبير من المسؤولين العراقيّين اليوم، ممّن لم يحققوا أي مكسب لمجتمعهم، في حين تنعم عائلاتهم خارج البلاد بخيرات الأخير. لذا يتوجّه العيساوي إلى السياسي العراقي بالقول: «خلي كرشك يكبر انت واترك الشعب النهبته (ليكبر كرشك واترك الشعب الذي نهبته)».
أغنيتا حسام الرسّام وأحمد المصلاوي، «عين الله عليكم» و«ما نسكت… نسكت ليش» (لا نسكت… لماذا نسكت؟)، لاقتا رواجاً بين الشباب. عدم نضج الذائقة يحول دون التفكير في القيمة الفنيّة على مستوى الكلمات واللحن. المتعارف عليه لدى مغنين أنتجتهم فضائيات غنائيّة محليّة، إيقاع سريع وكلمات يمكن تسجيل الكثير من الملاحظات بشأنها. مثلاً في حالة أغنية المصلاوي الجديدة، فهي تحتوي على مفردات عنيفة: «وإلي ياخذ من حقّنا نجيبه وبنص وجهه جيله نصيبه» (من يأخذ من حقّنا نأتي به وفي نصف وجهه نصيبه بالرصاص)، وفي ذلك تجسيد للميول والاتجاهات العنفيّة في الواقع.
أخيراً، قدّم مهدي المحب، وهو فنّان ذو حضور محدود في الساحة، أغنية «جذابين» (كذابين)، مستثمراً أحد أبرز شعارات ساحات الاحتجاج ومضمناً إيّاه في مقاطع جديده الفنيّ: «باسم الدين باكونا الحرامية، باسم الدين ناس تموت يومية» (باسم الدين سرقنا الحرامية باسم الدين ناس تموت يوميّاً).
الأخبار اللبنانية