*د. بوزيد الغلى
خاص ( ثقافات )
لا أجد غضاضة في القول ، إن الانسان يصنع ذاكرة المكان ، ويشكلها كما يشتهي ، وقد ارتبط اسم “كولومينا ” بالتاريخ الاستعماري الاسباني بمدن سيدي إفني و العيون ، ولا أحد يستطيع محو أثر الأحذية الثقيلة من أديم ذاكرة تلك المدن التي غشيها الاستعمار ونحتَ وجوده من صخرها و طوبها ، و أنشأ أحياءً و أمكنة قَدّ اسمها من جلدِ لغته ، مثل “casamar، la casabania ، ، و لا يجد القارئ الذي له أدنى إلمام بأسماء الأماكن زمن الاستعمار عناءً في التعرف على رواية ” كولومينا ” من عنوانها المحيل على اسم لاتيني يتردد عذبا على ألسنة من عمروا دور ” الحي الاسباني القديم ” أو مروا به أو عبروا سككه الضيقة ، لكنه يجد –لا محالة – عنتا في التعرف على معنى ” كولومينا ” في اللسان الاسباني . فما الذي تعنيه كلمة “كولومينا ” التي اختارها الروائي الجادّ محمد النعمة بيروك عنوانا لعمله الروائي البكر ؟ .
في الطريق الى العتبة الأولى/العنوان :
في الطريق الى العتبة الأولى والأهم للعمل السردي ” كولومينا ” ، نجد شرحا في هامش الصفحة 12من رواية ” بقايا أحلام عزة ” يقول : ” كولومينا مصطلح اسباني يعني مجموعة سكنية تشبه خلية النحل “.
قد لا نطمئن لهذا التأويل مادام الاسم ” كولوميناcolomina ” مزيدا من حيث عدد حروفه على الخلية في اللسان الاسباني colmena، فلا نجد بدّاً من سؤال سكنة المكان القدامى الذين عاش بعضهم تحت أكناف الحي العتيق وقت بنائه أو جاور سكانه الإسبان زمنئذ ، فيحدثنا بعضهم حديثا يؤنس ولا يسد مسدّ الخبر اليقين ، أن أصل “الاسم ” عائد الى الشركة الاسبانية التي عهدت إليها سلطات الاحتلال ببناء حي مدني لعائلات جندها .
و لكيلا يستغرقنا بحث دلالة كلمة العنوان التي وردت بصيغة المفرد غير مضافة إلى ما ينهض مؤشرا مائزاًلها ، يمكن القطع بالاستناد الى إحالات références في النص لها ” إحداثياتها ” في الواقع ، بانصراف دلالة العنوان إلى ” حي موروث عن الأسبان بمدينة صحراوية :
-” كولومينا ” و” كلتوم” …حتى في بعض التفاصيل يتشابهان ، فكلاهما من رواسب العهد الاسباني ، هو كان مستوطنة للمستعمرين ، وإن كان طوبه من هذه الأرض ، وهي … درست لمهلة من طفولتها لدى بقية من الاسبان بُعيد خروجهم من الصحراء ” ص 3.
إنه هو ، شارع مكة ، المقاهي ذاتها ، و المتاجر نفسها ، و الوجوه العابرة عينها “ص 14.
ماذا لو صودرت الشركتان و المتاجر المؤجرة في شارع بوكراع” ص 19.
كأن الحياة ببساطة لم تعد “كولومينا ” …حتى بعض الميسورين ممن يقطنونها لا تروق لهم ، لا فخر إلا بأنحاء وأحياء أخرى من العيون كحي الفيلات و شارع السمارة وحي الأمل ” ص 27.
لقد استدرجنا السارد في هذه المقاطع كي نتعرف على الفضاء الذي تدور فيه الرواية ، إذ طالعتنا كلمة كولومينا في مفتتح النص السردي ، دون أن نستبين أية ” كولومينا ” يقصد ، أتلك التي بناها الأسبان بمدينة سيدي إفني أم نظيرتها التي شيدتها بالعيون ، غير أننا لا نلبث إلا قليلا حتى تطرق سمعنا أسماء شوارع مشهورة بكبرى الحواضر الصحراوية مثل شارع مكة و بوكراع، لنخلص من التلميح إلى التصريح بذكر العيون في الصفحة السابعة و العشرين ، و الفضاء “بسعته وامتداده وامتلائه ، يوحي بالواقع ولا يوهم به أو يحيل إليه ، وإن تلمس القارئ شيئا من التناظر والتماثل بينه وبين المكان المحسوس الذي يعيش فيه ، فالفضاء مكون لساني يتسم بخصائص وميزات جمالية ،وتوظيفه في النص يكون لغاية فنية قوامها النظر إلى الفضاء كحامل لقيم تدركها الألباب و لا تدركها الأبصار ” ، ذلك أن الفضاء في ” كولومينا ” ، بأبعاده الجغرافية و أوصافه الهندسية ، لا ينبغي أن يوهم القارئ بواقعية ما جرى من أحداث فيه ، إذ هي أحداث متخيلة من صنع خيال الكاتب و سبكِ اللغة التي تخلّقت منها لحمة النص برمته ، و في هذا السياق ، لا ينبغي غض الطرف عن عتبة هامة من عتبات الرواية ،جاءت بمثابة التصدير في ثوب التحذير الصادر من الكاتب : ” أي تشابه بين أحداث وشخوص الرواية ،وبين أي أحداث أو شخوص في الواقع ،هو محض صدفة ” .إنه أول إعلان تعاقدي هام بين الكاتب والقارئ ، يلجم الألسنة عن اعتبار سرد تخييلي يمتح من الواقع واقعاًبعينه ،و يطلق الأعِنة للخيال والتأويل .
و العنوان علاوة على ما تقدم ، ” يتم اختياره لغاية ما، ذلك أن هناك قصدا ما يسبق الاختيار ويحفزه ، مثلما أن هناك تأثيرا أو وقعا حاصلا لدى المتلقين (…) (إذ) يستهدف العنوان جمهورا محددا اجتماعيا ، ويتم إنتاجه في وسط سوسيو ثقافي محدد ، ويروج بين فئات اجتماعية محددة ” على حد تعبير ليو هوك ، ” وشأنه شأن الوجه البشري ، له وهج و سطوع خاص متقلب ، فقد يظهر محايدا ثم يمر دون أن يثير الانتباه ، وقد يحصل العكس ، إذ يحدث أن يأتي (…) مثيرا للانتباه ، يشد بصر القارئ أو أذنه ” ، وذاك ما أحدثه العنوان في نفسي كقارئ ينتمي لوسط سوسيوثقافي صحراوي ، إذ توقظ كلمة ” كولومينا ” كثيرا من رواسب الماضي الإستعماريالممتد في حاضرنا ، كما تثير عبر الاستدعاء مشهد التحول على المستوى الاقتصادي الاجتماعي إثر تغير نمط العيش من الترحُّل الى الاستقرار و ما رافقه من تغيرات ثقافية واجتماعية تعمل الرواية على تسريد بعضها من خلال الالماع إلى ” تصدع البنية الاجتماعية / تراجع منسوب الوجاهة و تغير روافدها و منابعها الأصيلة (تراجع أو نكوص ” الخيام لكبارات” ) ، و انسياق الشباب إن لم يكن انجرافهم بفعل قوة موجات ” الموضة” و ” التهريب ” …، دون إغفال ثبات الصور المتكلسة بفعل امتدادات البنى الثقافية المشكلة للذهنية العربية (النظرة للمرأة مطلقة أو ضحية اغتصاب …).
و في تقديري ، فإن اختيار ” حي كولومينا ” فضاء أساسيا تدور فيه أحداث الرواية أفضل من اختيار اسم المدينة المعروفة لدى الخاص والعام نتيجة فشو ذكرها في الإعلام (العيون أو عيون الساقية الحمراء ) ، فقد نصح الناقد (دون رامون) الروائي الكبير (ماركيز) بتغيير اسم المدينة التي اختارها فضاء لأحداث الرواية (مائة عام من العزلة) ، لأنه لا يستحسن أن يكون اسم المدينة معروفا في الواقع الجغرافي ، وعلى الكاتب أن يختار اسما يترك للقارئ هامش الحلم ، لهذا اختار الكاتب (ماكوندو) فضاء لروايته ، وهو اسم قرية مجهولة على الساحل في أطراف كولومبيا المنسية ” .
لوحة الغلاف
يتكون غلاف الرواية من مستويين: أحدهما لغوي والآخر أيقوني ، و يتصدر المستوى الأولَ عنوانُ الرواية المكتوبُ بخط أسود عريض البند ظاهر للعيان (كولومينا ) ، وقبل أن يرتد إليك طرفك و ينتابك التساؤل عن جنس العمل ، يطالعك المؤشر الجنسي الذي ” يأتي ليخبر عن الجنس الذي ينتمي إليه هذا العمل الأدبي ..” على حد تعبير جيرار جينيت ، وتنبثق أهمية هذا المؤشر من وسم هذا العمل وتمييزه عن أعمال الكاتب الأخرى في القصة و الشعر و الرحلة ، إذ يبدو أنه تقصّد تجنيس عمله الروائي الأول كي يعلن انتقاله من المِران على الكتابة القصصية إلى المِراس و اختبار الكتابة الروائية الأطول نفَساً ، والأوسع رؤيةً.
أما إسمالمؤلف ، فقد أثبت أسفل الصفحة على غير عادة معظم المؤلفين و الناشرين الذين يجعلونه في رأس الغلاف لاعتبارات ” يصعب على الدوام ضبط التفسيرات الممكنة (لها) …. إلا إذا قام الباحث بدراسة ميدانية “حسب رأي الدكتور حميد لحميداني .
أما المستوى الأيقوني ، فقوامُه ” اللوحة ” التي تحيل على الحكايتين المتضايفتين اللتين تشكلان نواة الحبكة السردية، وهما حكايتاشابة تدعى ” كلثوم” من عائلة ” أهل هلاف ” الفقيرة ، و شاب يدعى ” حماد” من عائلة ” أهل الضرحي” التي كانت ميسورة قبل أن تقلب لها الأيام ظهر المجن . و تبدو الصورة التي تجسد الشابة التي تشبه الحي الذي نشأت فيه في كل شيء ، شديدة التعبير عن صورتها في النص السردي ، فهي ترتدي ” ملحفة الشكَّة ” التي اشترتها بما نالته من مخدومتها ” شريفة ” خلسة دون علم أبيها ، و هي تظهر في الصورة مدبرة ،و كأنها مسرعة إلى بيت جارتها أو إلى محل ” الكوافورة ” مغضية عن الوجوه التي تتسمر في رؤوس الأزقة ترقب حركاتها الخفيفة النزقة .
إن الاستتار خوف الفضيحة قيدٌتتحسسه كل حين هذه الفتاة التي ” فقدت بياضها ” بعد ان “اعتدي عليها من قبل فقيه ” صديق لأبيها ” ، وهي طفلة ، و فقدت عذريتها إلى الأبد” ، وليس إخفاء ملامح وجه الأنثى ” كلثوم” وإبداؤها بالنسبة لنظيرها ” حماد” أمرا عاريا عن الدلالة السيميائية ، إذ إن الإخفاء ينطوي فنيا على كثير من الإنطواء الذي تجنح إليه المرأة الرازحة تحت قيود ثقافية ينضح بها النص ، و يعمل الكاتب على تسريدها في مواقف ومقاطع وحوارات داخلية وخارجية من قبيل :
-لا يتهيب ” حماد” و الذكور غيره في النص من الخروج و السفر إلى حيث يشاؤون ، بينما تهتبل ” كلثوم ” فرصة مواتية لولوج بيت الجيران ، ” فأقصى ما تصل إليه مع ” كابرهو جلسة أنس و شاي ، في ظروف محددة و مشروطة قدريا بظروف الأب النادرة ، حين يسمح لها بقطف زيارة خاطفة لعمتها ” غلات” ، أو حين يمرض أو يسافر ، فتقيم عندها لأيام ، هناك يمكن لكابر أن يقضي بعض الوقت حتى بحضور زوج العمة أحيانا ” .
-تتحاشى الاستمتاع بالإنصات للموسيقى في حضرة أبيها ، لأسباب ” تدخل تحت طائلة العرف بكل ما يحمل من عيب و خجل في هذا المجتمع المحافظ …”
– تتوجس خيفة من وشاية الجيران و وشوشاتهم، ” وتشك في جارتها السمينة التي تبدو دوما ككومة قش على عتبة منزلها ، لا تكاد تبرحه أبداً ، …” ، و تبدو “كشبح وهي تتسلل إلى بيت شريفة بنقاب محكم ،وملحفة بلون جديد” .
– تخشى من تضرر سمعتها في القبيلة و مركزها في عين أبيها ، إذا تناهى إلى علمهم أنها ” تعمل خادمة في بيت غيرها ،” تلك القبيلة التي لم تقدم لها يوما معروفا …لا تفكر في تقديم شيء ، لكنها لا تتردد في العقاب الذي يبلغ حدّ البراء في مجتمع يعتبر عمل امرأة في بيت غيرها ” فضيحة ” ” .
تلك بعض مظاهر القهر الاجتماعي التي تفسر ظهور فتاة بلا ملامح مكسوة بملحفة تستغرق تفاصيل جسدها النحيف ولا تبديها ، وهي مظاهر آتية من بنية ثقافية تكرس قدراً من الاستلاب و العنف الثقافي والرمزي الذي تُلمع الرواية إلى أخف صورهِ وطأة حين تلح العمة غلات على ابنة أخيها أن تهتم بحالتها ملبساً و زينةً، متوسلة بأسلوب التقريع و التوبيخ : ” وايطيرك،مانك كيف لعليات …تخلعي بوكلبين(قلبين) ” . وهذه الكلمات وإن استمدت مشروعيتها من حرصٍ على مصلحة الفتاة ، فإنها مشحونة بطاقة تدميرية آتية من اعتمادها على ” ديناميات التبخيس والازدراء والإهمال و التحقير والإذلال” .
بيد أن جانب صورة الغلاف المتعلق بالمرأة ، وإن فهم منه العنف الرمزي الذي يفسر “احتجاب أو حجب المحيا ” ، لا ينشأ يترك مساحة للتفاؤل و الأمل ،مادامت الألوان التي اختارها الفنان للملحفة لا ترمز للإنكسار و الحداد ، فقد جاءت ألوان الملحفة متشاكلة من الأزرق والأبيض الذي يرمز حسب الدكتور علي أسعد وطفة إلى “الإشراق و الفرح و الطهارة و البراءة ” ، وتلك هي الخصال الحقيقية التي ينبئ عنها مكنون سريرة ” كلتوم ” وسيرتها التي تتكشف مع تقدم السرد ، حين نعلم أنها فتاة طاهرة عفيفة ،و إن اغتصبت ، بريئة من كل شِيّة تقدح في سلوكها ، مشرقة منطلقة في رحلة استعادة الذات رغم سحُب الريبة و التبخيس التي ترين عليها وعلى أخواتها المعنفات المغتصبات حقيقةً أو رمزاً، ولو جاءت ” الملحفة” بلون أسود كالذي يشغل محيط الصورة إيماءً إلى الواقع الاجتماعي المحبط ، لكان التأويل أشد قتامة ، فالأسود إذا أحاط بالجسد الغض إحاطة السوار بالمعصم أنتج دلالةً على ” وضعية تبخيسية تتماثل مع الحزن و الظلام و الجهل والدونية و الدنس” .
ويبدو السوادُ الذي يجلل اللوحة مستغرقا فضاءها العام مثل قطعة ليل مظلم ، لا ترى فيها سوى صورة المرأة الملتحفة “ملحفة ” ذات ألوان مضيئة وملامح وجه دال على الإنشغالالعميق و التهمم (التخمام) الذي ينبئ عنه وضع أصابع اليدين مجتمعة على الأنف ، مع إغضاءٍ يجعل العين تبدو مغمضة إغماضةَ السادر في همومه غير منتبهٍ ولا عابئ بما حوله ، و في تقديري ، فإن هذا الوضع النفسي المأزومينسحب على وضع ” حماد” في الرواية الذي انتهكته الهموم والمشاكل في عزّ شبابه و أنهكته ، بدءا من التهمم و التفكير الدائم في وضع الأب الذي ساء حاله الصحي إثر اعتقال ابنه البكر ” يعقوب”، و رعونة إبنته البكر التي صرخت في وجه من جئن لعيادته ، وهو على فراش المرض المخوف ، فانتهى به الأمر معتقل لسان إثر صدمة نفسية قوية ،و مرورا بالتفكير في شبح البطالة الجاثم عليه منذ تخرجه من الجامعة على غرار أضرابه من المعطلين من خريجي الجامعات في ظل مؤشرات غير مشجعة تنذر بتفاقم وضع العائلة الاقتصادي المشرف على الإفلاس إثر سريان أخبار عن ” إجراء وشيك بحجز بعض ممتلكات العائلة ، وربما مصادرة ” الدار لكبيرة ” ” ، وانتهاء بتفكيره العميق في الاقتران بابنة عمته ” أم السعد” قبل أن يفاجأ بزواجها و انتقالها مع زوجها إلى بيت الزوجية ، ليحدث نفسه في نهاية مسار الحكي بإمكانية الاقتران بكلثوم بعد أن زادتهما الأيام تدانيا ، قبل أن يظن بها الظنونا ، و يصيح صيحة متحسر : ” حتى أنت يا كلثوم ، حتى أنت يا كلثوم ؟؟.
الشخصيات و القوى الفاعلة في الرواية :
أسهمت شخصيات الرواية الرئيسة منها و الثانوية ، المسطحة والدائرية في تصعيد ” دينامية النص ” و توتر السرد تواترا متناميا أفضى إلى نهاية مفتوحة لا مغلقة ، يعكسها سؤال حمّال أوجه ودلالات جرى على لسان حمّاد إحدى الشخصيات الرئيسة في الرواية : “حتى أنت يا كلثوم ؟.
و غير خاف أن عدد الأصوات الهائل في الرواية ، يدلل على أنها ” شريحة من الحياة ” حسب تعبير بيرسي لبوك Percy Lubbok، إذ نتعرف على تفاصيل الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المدينة الصحراوية ” العيون ” ومحيطها البدوي ، و تطالعنا في مواضع شتى ملامح التغير الذي طرأ على عوائد الناس و نمط عيشهم بفعل التوسع العمراني و المد ” التمديني” فضلا عن محمولات ورواسب الوجود الإسباني في المنطقة . و يمكن حصر الشخصيات الرئيسة في :
-كلتوم: شابة في مقتبل العمر منحدرة من وسط اجتماعي فقير (عائلة أهل هلاف) ، استجمعت كل أسباب الهشاشة و المظلومية ، فهي رمز صارخ الدلالة لمظلومية المرأة ، إذ تعرضت لاغتصاب أذبل أحلام طفولتها و قتل أملهافي اعتراف المجتمع “القبلي” بكينونتها و براءة ذمتها من كل شيّة ونقيصة ، و عاشت مهيضة الجناح يتيمة الأم في كنف أب ، لا يرى فيها أكثر من ” خادمة ” ترعاه و تشرف على شؤون بيته ، خلافا لأختيها المحظوظتين اللتين تزوجتا و انتقلتا مع زوجيهما إلى سكناهما . ولذلك ، ستستفرغ جهدا لتحسين وضعها المادي كي تأسوثلمة الماضي وجروحه ، فتعمل -على استخفاءٍ- خادمة لدى جارتها شريفة ، و تقرر التمرد على ” أختها التي تترك لها رضيعها ترعاه كي تحضر الولائم (لن أكون مؤنسة أطفال بعد اليوم )ص25، و “تأخذ خلسة من مال أبيها وجيوب ألبسته في غفلة منه ، معتقدة “أنها أولى به من مطلقات كولومينااللاتي يتردد عليهن 29، و تفشل في الانتقال مع كابر من الإعجاب و كلمات المجاملة إلى خطوة تقربهما من عقد القران ، بينما تلعن في قرارة نفسها أعراف القبيلة التي منعت في الماضي زواجها من خاطب بسبب كونه “غريبا ” عن القبيلة ، وتقودها رحلة البحث عن زوج إلى التعرف على المسماة في الرواية ” سعاد الكوافورة ” وبعض زبوناتها ، فتشرع في الدخول في عالمهن الخاص ، بدءا من الإهتمام المفرط بتغيير مظهرها كي يساعد على الإغراء ، و مرورا بالحرص على الظهور في الشارع الذي يضج بالمعاكسات ،وانتهاء بالوقوع في حمأة جلسة “سكر وخلوة و نقود ومجون … ” ص 158 ، الأمر الذي شكل ورطة ستحاول الفكاك منها بالتماس مساعدة ” حمّاد” الذي كان يحدث نفسه بالزواج منها ، فانتابه الشك في عفافها بعد أن اطلعته ” الكوافورة ” و صديقتها كوثر على ما بدر منها من أخذ نقود الشخص الذي حاول التغرير بها .
– حمّاد: شاب متعلم حاصل على الإجازة في العلوم الإقتصادية ، باحث عن فرصة عمل في إدارة عمومية أو شركة خاصة ص 16، ينحدر من وسط ميسور ، لكنه يتشوف لتحقيق ذاته عن طريق كدّه وعرق جبينه ، ويتبرم من الاعتماد على رصيد عائلته الاجتماعي ، فيعرض عن استعمال سيارة الأسرة للتجوال رفقة صديقه رشيد إلا بإذن أبيه أو أخيه الأكبر يعقوب، و يشتعل في صمت مطبقٍ شوقاً للارتباط بابنة عمته “أم السعد” ، و لكنه يتعفف عن قبول عروض أمه (منح شطر راتبها أو شراء ” كارطية “) لمساعدته كي يبني أسرة مستقلة متخوفا من إعادة إنتاج تجربة زواج أخيه يعقوب الفاشلة ، و يحمل بين جوانحه ثقل هموم الأسرة التي نهبتها المشاكل و استنزفت بعض رصيدها من الوجاهة و الحظوة الإجتماعية(اعتقال أخيه يعقوب ،أزمة الوالد الصحية ، مصادرة بعض أملاك العائلة ، عصبية الأخت الكبيرة و طردها للضيوف، قرار الأم النأي بالأسرة من مدينة العيون الى بادية السمارة .. )، و يزيده ثقلا على ثقل ، زواج ” أم السعد ” من ” الدّحةالإخوانيدن علمه أو إشعاره ، فيكتوي بنار صمته في معرض الحاجة الماسة الى تعبير صريح ، فيشعر بالخيبة و خذلان العمة و ابنتها ، و يعلن التمرد على الصمت المخزي ، فيبدأ بالوقوف سدّا منيعا محبطا مخطط شقيقه “الماجن” يعقوب الرامي إلى بيع منزل الأسرة أثناء غيابها و انتجاعها بالبادية ، وذلك بإقناعه الأمَّ خيرة بوجوب العودة إلى ” الدار الكبيرة” بالمدينة ، و يراوده الندم على عدم قبول “إكرامية ” أو هبة أمه كي يعجل بالزواج ، و يزداد حيرة و خيبة عندما يروم مساعدة “كلتوم ” شقيقة صديقه القديم ” المحفوظ ” ، و يصدّ عنها الشخص المتحرش بها حسب قولها ، فيصطدم بشبهة تدينها ولا تبرئ ساحتها ، فيصيح من فرط الدهشة ووقع سقوط أفق الإنتظار : ” حتى أنت يا كلثوم ،حتى أنت يا كلثوم ” ص 158.
الشخصيات الثانوية :
أب كلثوم: لا يصرح النص باسم شخصي للأب ، ولكنه يُذكر بالاسم العائلي (أهل هلاّف) الذي ينمى إليه آخرون في الرواية ذكروا بأسمائهم الشخصية ، وقد يكون هذا الإجراء الفني منبعثا من طبيعة الدور الذي يسنده السارد له في الرواية ، والأوصاف التي ألحقها به :
-صارم متسلط ، يبسط رقابته على كلثوم و يراقب حركاتها ، بينما يفعل هوما يريد دون رقيب.
-عاش أقرانه من كبار السن عيشة هنيئة بين العمل و المسجد خلافا له .
-تلاحقه الشائعات و الريبة ، فقد قال السارد : “ربما لم يتزوج بعد وفاة أمها ، خوفا عليها ، و إن شاع في كولومينا أنه يزور بعض مطلقاتها ، رغم سنه..”
شريفة : المرأة الفاضلة (ص5) ، وجه مشرق ، سمنة مقبولة ، نضارة وجمال رغم سنها المشرف على الستين ، غطاء الرأس المحكم حتى في البيت …”ص21.
كابر : ” قريب ” كلثوم الذي يغازل أنوثتها و يشعرها بالأهمية (ص5).
اسحابة : جارة كلثوم وصديقتها الوحيدة التي لا تقل بؤسا عنها، ولا تقل أحلاما أيضا (ص 8)، ” هذه تفاخر بأنها موضوع اهتمام كابر ،وتلك تزعم أن ابن خالتها يريد الإقتران بها ، لكنها لا تريد ” شبلا” ص9.
تخشى المغامرة و تضع في الحسبان رقابة المجتمع و حدود الدين الذي ترجع لمعرفة أحكامه إلى ” عمار الحجّاب ” رمز التدين الشعبي بما يحمله من معتقدات أقرب للخرافة و السحر ، و لذلك فإن ” كل مقترح لكلثوم يواجه بردود شبيهة بالإعتراض :” يا خيتي ما نكد ، كالو عنّو حرام يا خيتي” ص 43.
المحفوظ :” شقيق كلثوم ، مهاجر سري مغترب بإسبانيا، موصوف في النص بحسن وطيب الأخلاق ، ص 12، يساعد أخته كلثوم ماديا، كلّف صديقه القديم حمّاد بمنحها مبلغا ماليا على سبيل الإقتراض.
الحاج الضرحي: والد ” حمّاد” ، شيخ من وجهاء قبيلته ، أصيب بوعكة صحية إثر علمه بسجن إبنه يعقوب ، و عاش ظروفا صحية عصيبة إثر فقدانه القدرة على الكلام (معتقل اللسان) ، مما استدعى اتخاذ زوجته قرار انتقال العائلة إلى بادية السمارة بعيدا عن عيون الشامتين و المشفقين ص 14.
” خيرة ” : والدة حمّاد ، موظفة متفرغة لشؤون بيتها ص31 ، مهتمة بزوجها المريض و حالته الصحية ، و مغتمة لحال ابنها يعقوب الذي أُدخل السجن ، ولكنها – رغم ذلك- ظلت متماسكة ص 19.
وعدت ابنها “حمّاد” بمساعدته على الزواج ، فإما أن ” تشتري له كارطية ” أو تهبه ثلثي راتبها الشهري ، أو تبيع مجوهراتها لأجله…ص33، لكنه يستنكف عن ذلك ، إذ أن ” ممتلكات المرأة آخر ما يطمع و يتطلع إليه الرجال حسب العرف الصحراوي ص35
يعقوب :شقيق حمّاد ، شاب من أسرة ميسورة ، مدلل ،مرّ بتجربة زواج فاشلة ، ” سببت لأخيه حمّاد عقدة من النساء ” ص17، و يطلعنا السارد على سبب الدلال الراجع إلى محاولة الأب التكفير عن خطيئة تعنيفه ، بعد تهشيم فكه إثر قذفه ب “براد” …ص34، وقد نتج عن إغداق النعم عليه و إطلاق يده في التصرف في إدارة الشركة و استعمال السيارات جُنوحه الذي أفضى إلى ولوجه السجن .
ابنة أهل الضرحي البكر : عصبية المزاج ، طاردة الضيوف ص30 ، تتقاضى “كارطية” /إكرامية شهرية.
رشيد : صديق حمّاد الذي يبادله أفكاره وبعض أسراره ص 17، لكنه خذله وكفّ عن زيارته إثر الأزمات التي عصفت بعائلة أهل الضرحي
الدحةالإخواني : ذكر السارد أنه أحد الشبان الذين وجدوا في الدين ضالتهم ،… صار حالة متفردة ، إذ اشتهر بلقبهالدحة السكات ، الدحةالإخواني ص 37 ، و يلفح من وصفه ب ” حالة متفردة ” ، أن التدين على طريقة الجماعات الاسلامية يعد في الصحراء بمثابة الحالة المعزولة ، إذ لم تجتح المجتمع الصحراوي ظاهرة ” الإسلام السياسي ” ، كما أن وصفه بالحالة المتفردة يفسر انفراده بمواجهة ” عمار الحجاب ” ،واصفا إياه بالمشعوذ ص120،ومحذرا الناس من التردد عليه لالتماس العلاج ، و قد نجح في مساعيه بعد أن انتزع منه الشابة المصابة بمس من الجن ، و اصطحبها إلى مصحة العلاج النفسي بمراكش ص121 بعد أن تزوج منها .ص 71 ، رغم أنه ” لا يؤمن بالكثير مما ورثه الصحراويون من آبائهم …” ص120.
زوج شريفة : عاش ” عيشة ميسورة …، كان يبدو مستقرا و متدينا…”ص 39.
والد اسحابة :رجل هادئ يمشي الهوينا ، “خطى بطيئة ، يرتدي تلك الدراعة الزرقاء البراقة التي تبدو من تحتها “فوقيته ” البيضاء الأنيقة ” ص 39.
سعاد :”الكوافورة ” الشقراء المنزوية بصالونها الكبير في زقاق بالضاحية الشرقية للحي ” ، بالتعرف عليها بدأ التشكل الجديد لكلثوم ص 43 ( الزينة المفرطة ، التجوال في الشارع ، تمني اصطياد زوج …) ، و رغم ارتياح كلثوم لصحبة سعاد ، ” فإن الريبة انتابتها حين علمت أنها امرأة مطلقة ” ص 56.، وظلت تقنع نفسها بأن ” سعاد .. ليست قوادة ، لكن يمكن أن تتعرف على رجل من خلالها بكل عفوية و براءة ” ص 92 ، و مع مرور الأيام ، سينكشف الوجه الحقيقي لسعاد وصاحبتها كوثر ، إثر إقناعهما صديقتهما الوافدة على عالمهما بالخروج معهما صحبة رجال سيظهر مجونهم ومعاقرتهم الخمر ، و ستدرك كلثوم أن محل ” الكوافورة ” ليس سوى وكر للوساطة الجنسية .
أم السعد :ابنة عمة حمّاد ، وجه وسيم ” كان يتأمله كما تتأمل أي خاطبة فتاة لتعرضها على عريس محتمل ص 50 ” ، أصيبت بعارض صحي ، قيل إنه مس من الجن ، فأخذتها أمها إلى ” عمار الحجّاب ” كي يعالجها ، لكنها لم تتماثل للشفاء ، فأقنع الدحةالإخواني عائلتها بعدم جدوى الخرافة و الشعوذة ، و تزوج منها دون أن يدري حمّاد الذي امتلأ غيظا و إحساسا بالخيبة بعد أن أخبرته جارة عمته بما حدث.
سعيد : رجل من طينة الرجال الذين يأتون أحيانا بسياراتهم لحمل بعض زبونات سعاد ، من بنات كولومينا و غيرها ” ص 56.
كوثرالباروني: إحدى زبونات سعاد ، وهي ” من بنات كولومينا الطامعات فيما يجود به الرجال : ” قيمتك عند الراجل تْبان فمعطاهْ” ص 57، فسخت خطبتها لأسباب كشفت عنها حين قالت : ” لقد اتهموني بقتل أخيه الذي توفي في حادثة سير في الطريق إلى الطنطان ،لأنني لمست الذهب ، وأنا المخطوبة لرجل من قبيلة تعتقد أن الذهب يجلب الشؤم” .ص 92 ، تبدي امتعاضا و تضايقا من أبناء أخيها من زوجته الفلندية التي كان ينوي طلاقها ، فأقسم والده أن ” يتبرأ منه إذا لم يُرجع الأبناء، قائلا : إنهم أبناؤنا ، من دمنا و لحمنا وعرقنا أي قبيلتنا ، أعد إليّ أولادي أو إرحل عني إلى الأبد” ص66 ، و يبدو أن ضيق حال عائلتها وتضايقها من أبناء أخيها ، سهلا ولوجها عالم الطمع فيما يعطيه زبائن ” الكوافورة ” ، الأمر الذي تلحظه كلثوم ، فيسل على لسانها السؤال الآتي : ” هل العذرية دليل شرف؟ “ص 66.
بنت الحجاب عمر:” تبدو كعاملة نظافة بائسة ، رغم ما يدره البسطاء على أبيها من مال في سعيهم لنيل ” بركاته” ص 58.
عمار الحجاب : يصفه حمّاد بقوله : ” ليس أكثر من دجال يمتص دماء فقراء الحي من البسطاء و الجهلة الباحثين عن الشفاء والمال ،وربما الزواج في تخاريفه…من الغريب أن بعض الناس لا يخجلون من الفضيحة التي دوت في حي ” دِيرْ أيْدَك ” ، حيث كان يقطن …” ص 70
العمة غلات :امرأة سمينة صارخة الجمال ، تزوجت أربعة مرات ، تعتني بحالها و تهتم بزينتها ، وتحث ابنة أخيها كلثوم على الاهتمام بزينتها وهندامها ، كي تحظى باهتمام زوج محتمل ،فمن المهم دخول تجربة الزواج ، وإن انتهت بفراق : ” أخيْر تتركي راجل عاكب العرس عن يتركك سابكو ” .ص61.
عيدة :طبيبة تقليدية تحمل إليها أخت كلتومرضيعها ، عندما يكون مريضا ص 77.
أخت حماد الصغرى : تظهر في المسار السردي بعد الأخبار السارة التي تناهت إلى الأسماع ( خروج يعقوب من السجن ، واستئناف الأقارب زياراتهم للدار الكبيرة ) ، و لهذا جلبت مع زوجها ما يمكن أن يحتاجه الضيوف ص 85.
فؤاد : ” رجل أربعيني ،حليق ، يبدو ضخما وانيقا ، شعره الناعم قليل جدا ” ص 110 ، راود كلثوم عن نفسها ، و حاول الإيقاع بها بالكلام المعسول تارة : ” انا عزاز علي صحراوة …وخاصك تعرفي بعدا ، أنا راه جداتي سباعية ، مدفونة فمراكش 111-112. ، و باستعمال المال تارة أخرى .
إن العدد الهائل للشخصيات في الرواية ينبئ عن توتر سردي محكم ، إذ أسهمت تلك الشخصيات في تواتر الأحداث و تصعيدها بالشكل الذي أدغم تفاصيل حياة عائلتين تمثلان نماذج متقابلة من حيث الفقر والغنى في حكايتين متضايفتين تمثلان عينة من مجتمع المدينة الصحراوية في الفترة التي تلت جلاء الاستعمار الاسباني . و يمتاز اختيار شخصيات الرواية بقدر كبير من الدقة في اختيار أسمائها و أعمارها و رصد سلوكها و استبطان نفسيتها وتاريخها السيكولوجي أو بالأحرى سجل حياتها النفسية ، و للتدليل على ذلك ، يكفي أن نستقرئ سياقات كلام السارد عن كلتوم مثلا ، لنكتشف شخصيةً تعاني في صمت من ندوب الماضي الذي هدم حياتها و مستقبلها ، و يمكن تأويل التقابل بين اسمي كلتوم وكوثر ، تأويلا ينسجم مع وظيفة كل منهما في النص ، إذ أن الأولى تمثل نموذج الفتاة الصحراوية التي حافظت على أصالتها و مبادئ تربيتها رغم سيل الاستلاب الذي مورس عليها إثر تعرفها على كوثر و صديقتها سعاد ، و ليس اعتباطا كتابةُ اسمها بتاء مهملة ، إذ يحيل ذلك على معجم الأسماء بالصحراء ،حيث تختفي في الغالب الثاء عند نطق اسم كلثوم ، و تحل محلها ” التاء” خلافا للفصحى ، أما كوثر فتمثل نموذج الشابة الصحراوية التي جرفها تيار تغيُّر القيم في مجتمع قبلي حديث العهد بالتمدن .ويمكن سحب ما سجلته د. زهور كرام عن هوية المرأة ” غير المستقلة ” في قراءتها لرواية ” سحر خليفة ” (مذكرات امرأة غير واقعية ) على هاتين الشخصيتين النسائيتين في الرواية اللتين تفتقدان ” كل عناصر امتلاك الذات والتصرف فيها و التعامل مع إمكانياتها و قدراتها في التفكير والاختيار … وبهذا تظل ( كل منهما) حاملة لهوية غير مستقلة …” .
وينبغي أن نضع في الحسبان أن المفهوم التقليدي للشخصية ، لا يسعف في توسيع زوايا النظر في بنية الرواية ، ذلك أن الفاعل ” هو ما يقوم بالفعل أو يخضع له ، وقد يكون إنسانا أو حيوانا أو فكرة ” ، ولذلك، فان حركية السرد إنما نمت وتصاعدت بوجود (آدميين ) جرى ذكرهم ، ومواقف (الاغتصاب ، الوشاية ، إفلاس الشركة ) وفضاءات (دور كولومينا ، شوارع العيون ، بادية السمارة …).
وإذا رمنا استخلاص النموذج العاملي الذي وضعه “كريماس مستفيدا من إرث بروب في دراسة الوظائف ، ومحاولا الجمع بين التحليل الوظيفي و التحليل الوصفي على أساس أنهما متكاملين ، أمكننا سحب العوامل الست المكونة للنموذج العاملي ( الخطاطة أدناه) على الحكايتين التي تمثلان أساس الرواية مع مراعاة نقطة التقائهما التي تصهرهما في سبك سردي منسجم ومتناغم ،و أعني بالتحديد قيام ” حمّاد” بدور المساعد في ورطة كلثوم .
المرسل المرسل إليه
الذات الموضوع
المساعد المعارض
يمكن استخلاص هذه العوامل الست من شبكة نشاط الأفراد في تفاعلهم مع الأحداث ، وهو نشاط إنساني متمحور حول موضوع الرغبة التي تتوخاها الذات ، ” ومتموضعبوصفه موضوعا للتواصل بين المرسل و المرسل إليه ، وفي كون رغبة الذات تتغير حسب اسقاطات المساعد و المعيق” ،وباعتبار أن المرسل هو الذي يحفز الذات ويجعلها ترغب في موضوع ما ، إما بالاتصال به أو الانفصال عنه ، في حين أن المرسل إليه هو الذي يعترف لذات الانجاز بمجهوداتها ، وأنها قامت بالمهمة على احسن وجه أو قصرت فيها ، فإن دائرة المرسل تشمل دوافع هامة من قبيل : الفقر والهشاشة ، الاغتصاب وفقدان البكارة ، البطالة ، العزوبية ، تسلط الأب وقسوة المجتمع ، وهي دوافع أشعلت رغبة الذات ، ففي حين اختار المحفوظ الهجرة السرية إلى اسبانيا رغبة في تحسين مستوى عيش عائلته الفقيرة ، سلكت أخته كلتوم سبلا شتى للحصول على المال (العمل كخادمة ، أخذ مبلغ مالي من فؤاد في ظروف يتيح النص معرفتها …)، وذلك رغبة في الانعتاق من ربقة العيش الضنك مع والدها بعد موت أمها ، و التحرر من أُسار جروح ماضي الاغتصاب اللعين ، و هو ماضٍ لن ينمحي مالم تجد ” زوجا ” يتفهم براءتها و قسوة المجتمع وقيوده عليها ( النظر إليها بوصفها شابة لا يلتفت إليها نظرا لنحافتها و سوء وضع عائلتها المادي فضلا عن فقدانها بياضها ، أما بالنسبة لحمّاد ، فان الرغبة في الحصول على عمل يخرجه من دائرة البطالة ، والتفكير الدائم في البحث عن شقه المناسب و التحرر من نظرة المجتمع التي تلاحقه نتيجة مركز عائلته الاعتباري ، و العزم على مواجهة مشاكل العائلة من أجل حلها ، تمثل أهم الدوافع التي تحفز رغبة الذات . و غير خاف أن الذات أثناء تحفزها وتحيزها إلى إنجاز مطلوبها وتحقيق رغبتها ، اصطدمت بمعارضين ومساعدين ، و تشمل دائرة المعارض أساسا أفكار المجتمع ونظرته المحبطة ونفاقه وتلونه المقرف ، ممثلا في الجيران الذي شبههم السارد بالجرذان الذي يقفزون من السفينة عند أول هزّة ، والوشاة كالجارة السمينة التي لا همّ لها سوى التلصص ، ووسيطة الفجور و الدسيسة التي لطخت سمعة كلتوم، و فاقمت مشكلتها مع ” فؤاد” الندل المتربص بها … و تسلط الأب الكابح للرغبة في استقلال الذمة و القرار الشخصي …، أما دائرة المساعد ، فتشمل السواعد الحانية الواهبة كالشقيق المحفوظ و السيدة الكريمة ” شريفة ” و العمة غلات ، وأم حمّاد “خيرة” ..
ملامح من بلاغة السرد :
لا تنفك بلاغة السرد عن الصور السردية التي تمنح الرواية باعتبارها نصا مكتوبا ” من الجاذبية ما يجعل أثرها يفوق أحيانا الكلام (الشفهي المرسل ) ،وذلك بتعددية دلالاتها وانغراسها في المتخيل الرمزي والاجتماعي ، وهي تستحضر الغائب وتعينه ” ، كما في هذه الصورة السردية التي استثمرت بلاغة التشبيه ، كي تستدعي الغائب الكريه /الاستعمار الاسباني ، و تشبِّه كراهية ” أشيائه /منازله ” بكراهية كلتوم لصفات ذاتها المبخسة نتيجة الاغتصاب والفقر . يقول السارد : ” ” كم يشبهها هذا الحي ، أو هكذا ترى ، ومع ذلك تكرهه ، لأنها تكره نفسها .. كل الصفات التي يحملها هذا الحي بغيضة :دور قصيرة كقامتها ، متراصة ومتشابهة كأيامها ، ضيقة كصدرها ، مغبرة حزينة كنفسيتها ..” .
يستغور هذا النص سيكولوجية ” كلتوم ” التي أضحت تكره نفسها ، و تضجر من أوصافها (قصر القامة ، الملل وتشابه الأيام ، الحزن والضيق ) التي تطابق أوصاف الحي الموروث عن الاسبان (دور قصيرة ، متراصة ومتشابهة ، ضيقة، مغبرة وحزينة)، غير أن حالة السكون التي تخيم على ” أجواء ” هذه الصورة ، ستتحول إلى حالة من الحركة عندما ينتقل السارد إلى وصف انتشاء كلثوم بالموسيقى الاسبانية ، إذ يقول ، وهو العليم بما يجوس في أعماق نفسها : ” و على نغمات الأغنية الاسبانية ” قبلة ووردة ” الصادحة من مسجلتها القديمة ، تستحضر كلتوم الكثير من الشجن … وتذوب في لحنها العميق الذي يذكرها بطفولة ما قبل الواقعة …تذكرها هذه الأغنية بكل شيء فارقها ولم يعد ” ، (اخوها المغترب ،خطيبها المطرود، الراحلة أمها ).
ليس اعتباطا اختيار السادر اسم الأغنية ” وردة وقبلة” ، إذ ” يدل على مدى فتنتها وجاذبيتها ، وكأنها شعلة (أو وردة) الحياة بمباهجها وحلاوتها” ، ولم تعد الأغنية تحيل الى الوجه الاستعماري الكريه ، بل ” غدت نموذجا إنسانيا و حضاريا وفنيا يولد فعلا تأثيريا ” جميلا ، أمتع الفتاة الكئيبة و أدخل عليها الأنس بتذكار ما كان جميلا في الماضي.
لقد كشفت بلاغة السرد عن شيء من التناقض الذي يكتنف نفوس بعض ” شخصيات ” الرواية ، فهي لا تحمل وداً للتاريخ الاستعماري الاسباني ،وتكره ما تركه من بنيان يذكر به ، لكنها في الوقت نفسه ، تطرب لأغانيه ، وتتكلم بعض كلمات لغته ، بلتركب الأهوال للهجرة إلى أرضه ، مثل محفوظ الذي يأتي ” صوته الدافئ عبر الهاتف من جزر الكناري …” ، وهو الهارب من شظف العيش و ذل الحاجة ، خلافا لأخته التي ” لا تتمنى أكثر من هروب شرعي إلى كنف رجل ” ، وهي أمنية مكتنزة بتمثلاتترتد إلى بيئة اجتماعية رسخت فكرة يختزلها المثل الحساني ” عوْجه و لا عوْزه” أي ” زوج من عود خير من قعود” .
إن التوسل بمحسنات بلاغية من قبيل ” المقابلة ” بين صورة ” الهارب ” من الفقر (المحفوظ) و الحالم بالهروب (كلثوم) ، يقدح في الذهن إعلاء المجتمع شأن ” الذكورة” بوعي أو بدونه ، و تتأكد صورة القمع الناعم الذي تمارسه الأعراف و سلطة الآباء على الإناث فيما يبوح به هذا الملفوظ السردي : ” من حسنات أبيها أنه يكتفي بالسخط و التذمر في أقصى الحالات ، عندما يفاجئها ،وهي تستمع إلى الأغاني ، فلم يسبق له أن ضربها قط ، وإن كانت كلماته أقسى من الضرب ذاته ، لكنه أحيانا يكتفي بالصمت ، مع أنها أصلا لا تجرؤ على سماع الموسيقى بحضوره لأسباب أخرى … تدخل تحت طائلة العرف بكل ما يحمل من عيب وخجل ، في هذا المجتمع المحافظ حدّ الصمت” .
إنها صورة بليغة من صور العنف الرمزي الناعم الذي تقع تحته النساء ، على وجه الخصوص ، و تنداح بلاغة هذا الملفوظ من استخدام ذكي لأسلوب المقابلة بين صمت الأب وصمت المجتمع في صورة استعارية تربط بين الصمت و التزمت على النحو الذي يهدف من جهة إلى رصد الإنتقال” من الحركة الجسدية (الكلمات القاسية ، السخط) إلى الحركة النفسية (الغيظ والاحتجاج الصامت) ، وهي صورة تذكر بوصف الجاحظ للقاضي الوقور الزميت المتكلف ( كأنه بناء مبني أو صخرة منصوبة)، وهو يخرج عن صمته وسكونه ليطرد أضعف المخلوقات “الذبّان” ، إذ ” كأن الجاحظ يسخر ممن الشخصية التي تتكلف سلوكا لا يقتضيه المقام ،و لا ينسجم مع الطبيعة الانسانية ” ، وهي السخرية السوداء ذاتها التي ينضح بها تصرف الأب الذي يتأفف من سماع ابنته الموسيقى ، بينما يطرب لها في خلواته مع المطلقات اللاتي يؤانسهن ” على وقع صب الشاي و أنغام المطربة كبّارة …” .
إن وصف هذه الحالة الضاجّة بالتناقض سمة سردية تخييليةقائمة على بلاغة المقابلة و التضاد ، تجعل من الرواية مسلاطاً موجها إلى مناطق الغموض و التناقض البالغ حدّ النفاق الإجتماعيفي سلوك أفراد المجتمع ( الدحةالاخواني يحارب في الظاهر المشعوذ ” عمار الحجّاب” ، لكننا نكتشف نيته الباطنة عندما ينتزع من سلطته ” الوهمية ” أم السعد و يتزوج منها ،و أمها تجامل “حمّاد” و ترخي له حبل الأمل في الزواج ، لكنها تكتم عنه زواجها ) ، ( كابر يغازل كلتوم ، لكنه يستبطن النظر إليها كامرأة فقدت بياضها ) ، كلتوم تصلي خلف أبيها ،وهي حائض ، خوفا أو استحياء من مصارحته ، رشيد و الأقارب يبدون وداًّ و صداقة حقيقية لعائلة أهل الضرحي، لكنهم ينقطعون عن زيارتها لما وقعت في ضائقة ….).
لقد أثْرت الصور السردية الرواية ، و جعلت منها نموذجاً ” للحكي المركب” الذي يروم حسب د. جمال بندحمانتجاوز” التصنيفات الخطية التي تنطلق من تصور ضيق للخطابات و أنواعها ، فتمنح الرواية هبة الحكي ، و الشعر هبة الخيال ، و المسرحية هبة الحوار ” ، إذ تظلل شعريةُ الحكي بعض سياقات هذا النص الروائي ، و تثير في القارئ لذة تلقي صور الارتباط بالمكان، وذلك من قبيل هذا المقبوس :
“مجانين هذا الحي لم يتركوه قط ، ولا يتعدون حدوده كأسماك في بركة …حتى قطط و جرذان كولومينا تجد مأوى آمنا ” ص 38.
فرغم الرتابة و الكسل و الادمان على لعب الأوراق (مرياس) التي يسبلها النص في مواضع شتى على كولومينا، فإن المكان جادب لا طارد لساكينه ،فحتى المجانين و القطط و الجرذان لا تبرحه و لا تغادره ، بالرغم أنه لا شيء يغري بالبقاء فيه ، و ” حتى البحث عن الآخرة ليس في كولومينا ، فقد لا تكون صدفة ألا يجعل فيها بُناتها النصارى مسجدا واحدا ” ص 39.لكن رغم كل ذلك ، يقرّ السارد أن ” لا دفء غير دفء كولومينا الجدران ، كولومينا التاريخ” .
إن شعرية المكان التي تغري كل الموجودات فيه بالبقاء وعدم الرحيلعنه ، تبعث نوعا من الحنين و النوستالجيا التي تساور الزائر العربي للأندلس أيضا ، فكما ترك العرب المسلمون ملامح حضارتهم و رائحة وجودهم هناك ، يعترف السارد بهذه الخصيصة الاسبانية لكولومينا ، وإن على مضض ، حيث يقول :” هذا الحي عاد لأصحابه ، وإن بملامح إسبانية ” ، مؤكدا أن “الفضاء … معنى تعكسه الصور والإدراكات والتمثلات” ، ومرسخا صدق ما قاله أحدهم :
To live is to leavetraces » «
و ضميمة إلى ما سلف من ملامح بلاغة السرد في رواية ” كولومينا” ، تجدر الاشادة بما أسبغته الأمثال و الأقوال المسكوكة من جمال العبارة و تكثيف الدلالة ، فقد عمد الناصُّ إلى إيراد أمثال شعبية وأخرى عربية مسكوكة من أجل إبلاغ المعنى بما قلّ من الكلمات ، ومن أمثلة ذلك ، الاشارةُ إلى الجمال بوصفه قيمة في الذوات الجميلة لا يغيرها عوَر الرائي أو نكرانه : ” اللي زين زين ، يسوا يغمس فالطين ” ، و من أمثلة ذلك أيضا القول الشائع المسكوك -“زوجة أحبها خير من حبيبة أتزوجها ” – الذي جرى على لسان حمّاد لحظة انغماس في أحلامه المستقبلية ، وهو مثل يفتح سؤالا وجيها : هل الحب يولد بعد الزواج ؟ ، مع العلم أن قصص العشاق تقيم تمييزاً بين العاشق الواجد وطالب الولد … ، ويبدو أن تسريد هذا السؤال بين ثنايا حوارٍ داخلي ، يهدف إلى كشف بعض دخائل النفوس التي تفرز المحبوبة أو العشيقة عن الزوجة ، وتعتبر الأولى موضوع رغبة مؤقتة أو نزوة عابرة ، والثانية موضوع رباط مقدس دائم . و هذا تمييز يسقط هذا النوع من الرجال في دائرة الإشتباه بممارسة الإغواء استجابة لرغباتهم اللاواعيةطبقا للنتيجة التي توصل إليها د. لطيف زيتوني في تحليله نماذج ” المرأة المغوية ” في بعض الروايات العربية حيث قال : «فالمرأة ليست مغوية، بل المغوي هو لا وعي الرجل الحافل بالرغبات» . وغير خاف ،أن نتيجة هذا الاستقراء تتطابق مع صورة الإغواء التي يرسمها المقطع الآتي :
“لم تكن كلتوم قد رأت جيدا وجهه الحليق ، لكنها رأت اللؤم ، وكأنها تفترضه في عينيه المطلتين من المرآة المقابلة كعيني ذئب ، قبل أن يلتفت إليها في حركة لا تخلو من تهور …يضع كفه على ركبتها ، وكأنه يكلم صديقا قديما ، فتزيحها بسرعة ” .
لقد شبه السارد المتحرشَ بالذئب بما تحمله صورة الذئب في المخيالالإجتماعي من جوع دائم وغدر (أسرع من غدرة الذئب كما في المثل ) ، وهي أوصاف كافية للدلالة على التربص بالضحية (نظر إليها بعيني ذئب) قبل الشروع في الفتك بها ( المراودة / وضع الكف على الركبة ، الكلام المسترسل دون خجل…).
والكلام عن الغواية يجر بالضرورة الى صورة سردية أخرى تتصل بالتزين وتغيير المظهر ، إذ حرص السارد على ربط ما سماه ” تغيير اللوك” بالاستغواء الذي مارسته سعاد على كلثوم التي تعرفت عليها ذات بحث عن الاهتمام بمظهرها ، وما إيراد صفة ” سعاد” المهنية (لكوافورة )، إلا للإيحاء بارتباط صالونها للتجميل و الحلاقة بالغواية ، إذ أن دورها كان في الظاهر تزيين و تجميل منظر زبائنها مثل كوثر وكثوم ،ولكنه في الباطن يمتد أبعد من ذلك إلى ما يشبه ” الوساطة الجنسية” ، ولذلك يصبح التزيين مقدمة للغواية طبقا لقول بورديار ” إن الزينة أولا و قبل كل شيء استراتيجية مظهرية لها علاقة وثيقة بالفتنة و الغواية ” .
لقد تخيلت كلتوم في غمرة ترددها الدائب على الصالون ، و معاينتها ما تتمتع به ” صاحبتاها ” من ” هدايا ” و ” عطايا ” من قبل زبناء الصالون ، أن ” …صاحبها سيخرج من ذلك الصالون ، سيصعد كعفريت علاء الدين من إبريق إحدى صديقاتها الجديدات …” ص 98 .هذا الملفوظ السردي الذي يعتمد على طاقة تخييليةتغترف من معرفة السارد بحكاية علاء الدين في التراث العربي ، كي تصور الانقلاب السحري الذي تتمناه الفتاة في حياتها ، أي ظهور رجل في حياتها بطريقة مفاجئة أقرب للروح العجائبية ، إنه الإيحاء بالقنوط من مجيء من يطلب يد فتاة “مغتصبة” نحيلة في مجتمع لا يحتفيسوى بالبكر الممتلئة ، مما يدفع ” كلتوم” لفعل ما ليست مقتنعة به . أي التخلي عن مألوفاتها و التمرد على زينة ورثتها عن مجتمعها البدوي ، بدءاً ” بدءا بالعطر الذي لم تكن تعرف منه غير ” ظاما” و الريفيظور” ، وانتهاء بالعدسات و انواع الماسكات” masques التي لم تكن تعرف منها سوى النيلة ” .
وهذه إشارة هامة من السارد إلى تغير أدوات الزينة و موجباتها ، فقد كانت الصحراويات على غرار ” النساء العربيات (البدويات) ، يتزين لأمرٍ ما في الحي (عرس مثلا )، أو حين يتم عرضهن على الخاطب … ومع تطور المجتمع العربي الاسلامي ، سوف يغدو التجميل فنا له قواعده ووظائفه المتعددة المتمثلة في تظريف الجواري … وإخفاء عيوبهن ….(مما) دفع المتنبي إلى القول بنوع من الحسرة :
ما أوجه الحضر المستحسنات به //// كأوجه البدويات الرعابيب
حسن البداوة مجلوب بتطرية /// وفي البداوة حسن غير مجلوب ” .
تجليات السرد المكتنز في رواية ” كولومينا”
نقتبس من الناقد الدكتور أيمن بكر مفهوم ” السرد المكتنز ” بوصفه مشروعَ مصطلحٍ نقدي يتيح ” إمكانية أن يتحرك التحليل السردي من النص إلى الواقع الثقافي الذي أنتجه ” ، وإذا ” انطلقنا من فرضية أن بنية النص السردي أو الحبكة Plotليست امراً ثابتا في النص ، وأن القارئ هو من يقوم بعملية ” حبكنة “النص ploting ، طبقا لأسس متنوعة من التفاعل بين النص و القارئ ليس هنا مجال تفصيلها – ، أمكننا – بناء على هذه الفرضية – أن نموضع مفهوم السرد المكتنز ضمن عمليات التفاعل هذه بين النص و القارئ (…) ، من زاوية أخرى يفترض من وجود السرد المكتنز أن يكون المتلقي و النص كلاهما منتميين إلى ثقافة واحدة ، أو أن يكون القارئ مستوعبا للمفردات والمفاهيم الثقافية التي أنتج النص في إطارها ، وأن يكون مدركا التضمينات والإحالات المحتملة في هذه المفاهيم ، أو على الأقل معظمها” .
و اعتباراً لتوافر هذه الشروط فيَّ كمتلقٍ لرواية كولومينا، ينتمي للثقافة ذاتها التي أنتج النص من داخلها ، فقد استنبطت الكثير مما تحت سطح مقاطع عدة ضمنها الكاتب بعض المفاهيم و التصورات التي لا يمكن فهمها إلا في سياقها الثقافي ، و لنسق أمثلة على ذلك :
1- يحيل مستهل الرواية على ظاهرة غدت سلوكاً لافتاً للإنتباه في حياة بعض لا كل ّ الصحراويين بُعيد جلاء الأسبان و بُعيده، و يستدعي من الذاكرة صور الإستيلاء على دُور ” المحتل الاسباني ” بالحي المعروف ب “كولومينا ردسَ” ، كما يعيد تمثيل مشاهد مماثلة من قبيل ” اقتحام دور المخزن ” ، أي الدور التي شيدتها الدولة ، و بقيت فارغة لم توزع على جهة معينة ، فيما يعرف بعملية ” اردس” اي اركل الباب لكي ينكسر ، وقد توغل الراوي العليم بكل شيء في الرواية إلى تخوم تعليل هذه الظاهرة :
)كان اكتساحه (حي كولومينا) من قبل الناس الذين لم تكن لديهم وثائق ملكية ورقية بقدر ما كانت لديهم الملكية بالهوية ، مباشرة بعد انسحاب المستوطنين الإسبان منه ، بعد ذلك بقليل اكتسح عرض كلثوم نفسها ، بعد أن اعتدي عليها من قبل فقيه ” صديق ” لأبيها ،وهي طفلة ، فقدت عذريتها إلى الأبد…)” .
( كولوميناردْسَ…اسم الحي لا يزال يحمل زخمه الثوري القوي ” اردس” ، حين بدأ بركلة قام بها أحد الرجال الشجعان ذات اندحار اسباني … إنها الركلة التي فعلها الكثيرون بعده ، ومنهم الضرحي الجد الذي دشن هذه الدار التي فرّ منها رافاييل وصابرينا اللذان كانا يسكنانها بدون وجه حق ” .
يكشف النص عن استصحاب أهل الصحراء ، و معظمهم حديثو عهد بالإستقرار ، حالَ البداوة التي يندر فيها التوافر على رسوم الملكية في جل الأحيان ، إذ أن التوثيق كان يجري وفقا للعرف ، ولا يكتب العقد العرفي إلا عند اللزوم والاقتضاء كحالة النزاع بين القبائل على ترسيم حدود المجال و تخوم النفوذ ، لدرجة أن أحد الأعيان سئل عن وثيقة تبرر ملكية قبيلته لمرعى محل تنازع ، فأجاب : لا نعرف إلا المزن ، فحيثما أمطرت انتجعنا ،وتملكنا الأرض ، و يربط الراوي على سبيل التعليل اقتحام دور الحي بامتلاكها وحيازتها بقوة ” قانون الهوية ” ، فهم أهل الأرض الحقيقيين الذين يحل لهم حيازة ما تركه المستعمر على أرضهم ” ، إذ أنهم في حكم المسترجع حقّه المغتصب سواء أزاد عليه المستعمر أم تركه على الحالة التي وجده عليها .
إن مخيلة أي قارئ عارف بهذه الأمور ، ستعيد بلا شك بناءَ الأحداث انطلاقا من استدعاء مشاهد اكتساح المساكن التي أخلاها المستعمر الأسباني أو تلك التي بنتها الدولة المغربية بعد جلائه ، ثم تُركت شاغرة إلى حين حدوث فيضانات عارمة ، فاجتاحها الناس دون امتلاك رسم ملكية أو عقد تسليم . ورغم أن النص لا يشير إلى الحوادث الأخيرة التي حدثت بعد الجلاء ، فإنه في مقدور القارئ إعادة تشكيل المشهد الذي يحيل عليه النص على النحو الآتي :
الشخصيات الرئيسة : سكان بدون مأوى آتون من البادية أو مرحلّون …
الحدث :اكتساح دور شاغرة .
الفضاء السردي : أزقة و شوارع ومنازل كولومينا ومحيطها .
المخطط الزمني : الوقت الذي استغرقه اكتساح المنازل ، و حالة الجلبة التي سادت المنطقة لمدة معينة .
التبئير : ” وهو عنصر ذاتي تماما في هذه الحالة يتوقف على عناصر كثيرة منها موقف القارئ التقييمي” للأحداث وخبراته الشخصية عن حالة الحي قبل حادث الإقتحام .
إن التمثلات الآتية من ثقافة مترسبة تداخل فيها الإرث الاستعماري و عوامل أخرى سياسية واجتماعية متعددة، تفسر ما يصطنعه اللاوعي الشعبي من صور تتعلق “بالمال السايب ” ، يندرج تحتها احتلال الملك العمومي ( السكن الوظيفي ) الذي كان مثار جدل في المغرب مؤخرا . و غير خاف ، أن السارد ، و إن علل حادثة اكتساح الحي بما يعتبره المكتسحونحجة مقبولة ، فإن السياق السردي الذي يحكمه منطق الحكي ، يشي بموقف ضمني يدين هذه الظاهرة بدليل مقايستها بحادثة اكتساح عرض الصبية ” كلثوم ” من طرف ” فقيه صديق لأبيها ” ، وهي إحالة ضمنية إلى “جنوح بعض المنتسبين للدين ” لاقتراف أفعال مقززة ، تتداولها الصحف أحيانا كثيرة من قبيل استغلال الشعوذة للتغرير بالفتيات و اغتصابهن و ممارسة اللواط على الصبيان …
2-تتلامح في ذهن القارئ أبعاد تستضمرها هذه الأغنية الأسبانية (قبلة ووردة) التي تحمل مفتاحا من مفاتيح السرد المكتنز في الرواية ، و مراعاة للتسلسل المنطقي للحكي ، فان الأغنية تأتي متناغمة مع الوضع النفسي والاجتماعي لِ ” كلثوم ” ، فعلى إيقاعها تستحضركلتوم” الكثير من الشجن في تلك المقاطع التي لا تفهم كل كلماتها بقدر ما تفهم سياقها العام ،وتذوب في لحنها العميق الذي يذكرها بطفولة ما قبل الواقعة…بالرجل الوحيد الذي خطبها ذات يوم ن فرفض لأسباب عنصرية …بكابر الذي تعتقد أنه يرفض أن يراها أكثر من عشيقة…و بالخصوص ، بأخيها الطيب ” محفوظ” الذي قصد البحر مهاجرا سريا ” .
نقتطف من الأغنية :
” تركت لك أرضي وبساتيني
بعيدا عن هنا
سأغادر
سيرافقني ضوء القمر
وحجارة الطريق
في لحظة المغادرة
قبلة ووردة ولمسة
ووداع
إلى هناك
إلى ما وراء البحر
حيث الموعد
حيث تشع الشمس أكثر…
لكنني أقسم أنني سأعود غدا ”
يهب هذا النص الشعري للمتلقي مفتاحا هاما من مفاتيح السرد المكتنز ، فحين يتلقف سمعه عبارة ” إلى ما وراء البحر” ، يعيد تمثل مشاهد الهجرة السرية التي كانت موضوع أعمال درامية مغربية و دراسات اجتماعية حاولت دراسة ما يسمى عند المغاربة ” لحريكَْ” ، و يسبل النص الشعري على بلاد ما وراء البحر سمات تشجع على المغادرة إليها ، فهي بلاد الموعد التي تتوق “أصوات ” رواية زفزاف مثلا إلى اللقاء على أرضها ، “حيث تشع الشمس أكثر ” ، أي شمس الحرية و الانطلاق، و قد لا يكون المتلقي في حاجة لاستدعاء شخصيات زفزاف كي يبني مشهداً سردياً مكتنزا بكافة عناصره (الشخصيات ، والفضاء ، والزمان ، ووجهة النظر أوالتبئير ) ، إذ تنطوي الرواية (كولومينا) على ما يسعف في هذا البناء :
الشخصيات : أبناء كولومينا العاطلين الباحثين عن فرصة عمل ، و الشخصية الرئيسة هنا “محفوظ” شقيق كلثوم المهاجر السري إلى إسبانيا من أجل مساعدة عائلته الفقيرة ، وصوته الدافئ الذي يشعل الحنين في فؤاد أخته الفارغ .
الفضاء : تتنوع الأفضية من ظهر السفينة في عرض البحر إلى فضاءات المهجر / اسبانيا ، فضلا عن أرض الانطلاق التي يتوق المهاجر للعودة إليها في المستقبل (لكنني أقسم أنني سأعود غداً).
المخطط الزمني : أي الحيز الزمني الذي تشغله الأحداث المتخيلة من لحظة اعتزام الهروب سراً عبر البحر الى زمن الإقامة والبحث عن عمل علاوة على الأزمنة التي يفترض أن يربط خلالها الاتصال بعائلته التي تستخبر عن أوضاعه .
التبئير :زاوية الرؤيةفي هذا المشهدقدتكون داخلية إذا كان المهاجر هو المتكلم الذي يحكي فصول مغامرته التي قادته إلى حافة الخطر بركوب البحر في قارب يتقاذفه الموج من كل جانب .
و هكذا يكون المتلقي قد أسهم بتفاعله الذهني في بناء سرد مكتنز من خلال اقتناص مفتاح للسرد تتيحه خامةُ النص السردي الأصلي ، دون أن يكتفي بملء فراغات النص Gaps كما يطرحها وولفجانجإيزر .
3-يقودنا المثال الثالث للسرد المكتنز في رواية كولومينا إلى ما يسميه الدكتور أيمن بكرب” السرود الكبرى Grand Narratives التي تسكن الوعي العام في ثقافتنا ، بما يعد أحد إمكانات ذلك السرد المكتنز التي تخرج بالتحليل عن حدود النص إلى الواقع الثقافي الذي أنتج فيه” .
لنتأمل هذه المقاطع :
” لا أحد سيهتم لامرأة فقدت بياضها الذي يشع في كل أفراد أسرتها إلا هي ، لا أحد سيهتم لامرأة نحيفة في مجتمع يؤمن بالسمنة ، ليس دليلا على الجمال فحسب ، بل دليلا على الرفعة والنسب أيضا ، لا أحد سيلتفت إلى امرأة ترتدي ملحفة بالية طول الوقت …والأهم … لا أحد سيلتفت إلى امرأة يحرسها غول مثل أبيها”) ص 6
(…وأختين مرضي عنهما ، فقط لأنهما تزوجتا ورحلتا مع زوجيهما ، ولم يحدث لهما ما حدث لها وهي طفلة ، في مجتمع محافظ كمجتمع الصحراء)ص 4
إن مفتاح السرد المكتنز في المقطع الأول هو أن الفتاة قد فقدت عذريتها خلافا لأختيها المرضي عنهما ، لأنهما تزوجتا ، ولم تتعرضا لما تعرضت له من اغتصاب ، و يمكن للقارئ أن يتصور مشهد الفتاة المغتصبة المنكسرة في مجتمع لا يقبل أن تفقد عذريتها خارج وضعية زواج مقننة ،الأمر الذي يشعرها بأنها منتقصة اجتماعيا ، خاصة عندما يُدخل القارئ في المشهد المحايث أو المقابل صورة مكرمة ومشرفة لأختيها “المحظوظتين” ، و يزيد من قتامة صورة الفتاة المنتهكة نحافتها التي تقصيها من دائرة الاهتمام والحظوة في مجتمع يؤمن بالسمنة ، ليس دليلا على الجمال فحسب ، بل دليلا على الرفعة والنسب أيضا ، و يزيد وضعها سوءاً تشديد الرقابة عليها من قبل ” الأب” المتسلط الموصوف في النص بالغول الذي يبيح لنفسه الاستمتاع والاستئناس مع ” المطلقات ” اللاتي سنعود لاستكناه مخايل السرد المكتنز في إيرادهن في النص الروائي
إن السرد المكتنز الذي تطفح به المقاطع المتقدمة ، يشرع التحليل على الواقع الثقافي العربي بشكل عام ، والصحراوي بشكل خاص ، فمن حيث العموم ، تطل برأسها مسألة ” قداسة البكارة ” ، إذ ” إن أعز ما تملكه البنت هو عذريتها التي تعد رمزا لعفتها ( …)، فإذا ما تزوجت …ثم طلقت بعد ذلك ، أصبحت خارج التقنينات التي يطمئن إليها المجتمع ، إذ يمكنها أن ترضي غرائزها بعيدا عن المؤسسة الشرعية ، ودون رادع داخلي ، …إنها إذن محل شك و ريبة ، وعليها أن تثبت – بصورة مبالغ فيها – أنها عفيفة” . ولعل هذه الصورة النمطية للمطلقات Stereotype هي التي يلمع إليها السارد حين ينقل تشنيع و استهجان ” اسحابة” وغيرها من الوشاة سلوك الأب الذي يتسلل سرا أو جهرا إلى بيوت مطلقات كولومينا دون ذكرهن بأية شيّة أوعيب ، إذ أن الكلام المحذوف يفيد أنه لا ضير عليهن في عرف المجتمع ، فهن مطلقات يبحثن عمن ” يحمل إليهن اللحم وكبد الإبل و أرطالا من الحليب ” حسب تعبير السارد ، و هن في كل الأحوال ، محل شك وريبة كما تقدم بحكم الصور التي تسكن الوعي العام الإجتماعي عن المطلقة . تلك الصور التي جعلت ” كلتوم” تبدي الحيطة و الحذر من سعاد بمجرد علمها بأنها امرأة مطلقة .
و بمجرد ذكر المطلقة تنفتح أبواب التمثلات التي رسختها الدراما العربية ، و خاصة المصرية صاحبة الريادة في ولوج الببوت العربية ، ويمكن أن نذكر في هذا الإطار أفلاما شهيرة مثل فيلم ” المطلقات والذئاب” ، ولا شك أن للموروث الشعبي ضلع في إنتاج و ترسيخ الصور النمطية عن المطلقة في المجتمع أيضا ، و المثل الحساني ألاتي نموذج حي ناطق بالتمثلات السلبية : ” ما أكثر رجالة المشدودة ، و ما أقلهم إلَ تخلات” ، أي أن ” المرأة المتزوجة يطمع فيها الكثير من الرجال ، وإذا طلقت ينفرون منها ” .
خاتمة : تقود قراءة رواية كولومينا إلى خلاصة مفادها أن مجتمع الصحراء الذي انتقل من البداوة إلى الاستقرار ، لا يزال بحاجة ماسة إلى أعمال روائية تقدم ظواهره وقضاياه إلى العالم عبر التخييل الذي يحرر الكاتب من كثير من الحساسيات التي يطرحها طرق القضايا بشكل مباشر ، خاصة وأن التركيبة القبلية للمنطقة و الوضع السياسي الذي يجعل منها ” استثناء ” حسب تعبير بعض السياسيين ، يلجم كثيرا من الأقلام عن طرق ما يموج في مجتمعها المتنوع المشارب ، وقد أكدت الرواية الصحراوية الأولى التي رأت النور أواخر التسعينات تحت عنوان ” لا أحد يعرف ما أريده” للأستاذ أحمد القاري ، وجود تلك الهواجس التي أخرت كسر كثير من المبدعين جدار الصمت .
وفي تقديري فإن رواية كولومينا رغم حجمها الصغير ، قد اقتحمت بعض ” الجُدُر ” و تحررت من بعض العُقَد ، و توسلت بأسلوب تمتزج فيه التورية بالمواربة من أجل رسم الأبعاد الثقافية لبعض الظواهر والقضايا والصراعات التي يعج بها واقع المدينة الصحراوية الحديثة كالعيون ، فعلاوة على النقد الضمني للنفاق الاجتماعي و تبدل قيم المجتمع الذي وُضع على سكة الحداثة دون ارتقاء طبيعي ، فإن الرواية مرآة للبعد الثقافي لكثير من الانطباعات و الأحكام كالموقف المزدري للنحافة في مقابل إعلاء شأن السمنة والبدانة التي تعد ميسما هاما من مياسم الجمال المفترضة في المرأة الصحراوية ، لدرجة أن الروائية المغربية فاتحة مرشيد كتبت على لسان إحدى شخصيات روايتها “الملهمات” : ” تصوري أن المرأة الصحراوية تحتفل بطلاقها كما تحتفل بزواجها ، وكلما ارتفع عدد المرات التي طُلقت فيها كلما زادت قيمتها في سوق الزواج … أعجبني تحررهن من مقاييس يحاول الغرب أن يفرضها علينا . مقاييس الجمال ، أعني النحافة المفرطة ، فالصحراوية كلما زاد وزنها ازداد مهرها … ” . وهذه شهادة تنطبق على صورة ” غلات” في رواية كولومينا ، العمة السمينة الصارخة الجمال التي تزوجت عدة مرات .
_______
سيدي محمد بن مالك، سيميائية الفضاء الجزائري ، من المطابقة إلى المغايرة ، مجلة نزوى العدد السادس و السبعون ،ص 54
كولومينا ، ص 2.
عبد النبي ذاكر ، اسبانيا و المغرب : نظرات متقاطعة ، سلسلة شرفات ، العدد 44 ، أكتوبر 2014 ، ص 17.
Leo HuikHoek , La Marque Du Titre( Dispositifs Sémiotique d’une Pratique Textuelle) ; Mouton éditeur , La Haye- Paris – Newyork 1981. Page 286.
ماجدة حمود ، جماليات رواية ” مئة عام من العزلة ” لماركيز ، مجلة علامات ،منشورات النادي الثقافي بجدة ، العدد 80 ، أغسطس 2014 ص 312.
عبد الحميد نوسي ، الكليات في الخطاب الإشهاري ، الصورة الإشهارية نموذجا ، مجلة البلاغة و النقد الأدبي ، العدد الأول ، صيف 2014، ص 71.
عبد الحق بلعابد ، عتبات ، جيرار جينيت من النص إلى المناص ، تقديم د.سعيد يقطين ، الدار العربية للعلوم ناشرون ، الطبعة الأولى 2008 ، ص 89.
راجع أعماله القصصية المنشورة ضمن ” قناديل الواحة”
راجع نصه المنشور على الانترنت : ” النيل لا يضحك كثيرا ”
حميد لحميداني،بنية النص السردي ، ( من منظور النقد الادبي ) ، المركز الثقافي العربي للطباعة و النشر و التوزيع ، الطبعة الأولى ، 1991، ص60
” كم يشبهها هذا الحي ، أو هكذا ترى ، ومع ذلك تكرهه ، لأنها تكره نفسها .. كل الصفات التي يحملها هذا الحي بغيضة :دور قصيرة كقامتها ، متراصة ومتشابهة كأيامها ، ضيقة كصدرها ، مغبرة حزينة كنفسيتها ..” الرواية ، ص 3.
” كانت مهمة الخروج الآمن ” من بيت شريفة تقتضي الاسراع دائما قبل أن تفيق كولومينا ” ، الرواية ، ص 22.
الرواية ، ص 3.
الرواية ، ص 6
الرواية ، ص 13.
الرواية ، ص 11
الرواية ، ص 21.
الرواية ، ص 10.
الرواية ، ص7.
علي أسعد وطفة ، الطاقة التدميرية للعنف السيكولوجي في التربية ، مجلة المعرفة ، منشورات وزارة الثقافة في سوريا ، العدد 534، آذار ، 2008، ص 20.
علي أسعد وطفة ،من الرمز و العنف إلى ممارسة العنف الرمزي ، قراءة في الوظيفة البيداغوجية للعنف الرمزي في التربية المدرسية ، ص 20، أنظر الموقع :
نفسه ، علي أسعد وطفة ، ص 20.
” من يومها لم يعد ذلك الأب ينطق أبداً … بدا أن نصفه الأيسر مقبل على شلل ” الرواية ، ص 30.
الرواية ، ص 30.
بيرسي لبوك ، صنعة الرواية ، ترجمة عبد الستار جواد ، دار الرشيد للنشر ، ط1، 1981، ص 226.
استفاقت كلثوم على وقع الفضيحة المدوية التي تتهدد عفتها ووضعها في المجتمع ، فأقرت بأنه :” لا بد من امتلاك الجرأة الكاملة لطرد كوثر من حياتها ،وقطع الصلة بذلك الصالون المنحوس، فهناك بالتأكيد من الصالونات ما لاتفوحمنه رائحة الرذيلة ” ص 149.
يتمنى حماد ” احترام الناس له بوصفه عاملا ،وليس بوصفه ” ابن أهل الضرحي”ص 15
يتمنى الزواج من ابنة عمته ” أم السعد” ،ويطرب للقول الشائع :” زوجة أحبها ، خير من حبيبة أتزوجها ” ص17.
الصمت سبب كل المآسي التي تنهال على رأسه منذ أمد ” الرواية ص 122
من المفيد الاشارة الى تنوع أعمار الشخصيات داخل الرواية من الصبي الذي تناغيه و ترعاه كلتوم عند غياب أمه إلى الكهل ممثلا بوالدي حماد وكلتوم ، و الملاحظة نفسها تنسحب على النساء في الرواية .
المرأة قارئة لذاتها ، موقع القدس العربي ،
محمد مفتاح ، دينامية النص (تنظير و إنجاز)، المركز الثقافي العربي، بيروت ، ط 2، 1990، ص 169.
حميد لحميداني ، بنية النص السردي ، ص 32.
محمد الداهي ، سيميائية السرد، بحث في الوجود السيميائي المتجانس ، رؤية للنشر و التوزيع ، القاهرة ، ط1 ، 2009، ص 35.
النموذج العاملي في رواية ” مذنبون لون دمهم في كفى ” للحبيب السايح، إعداد : كمال أونيس ، إشراف : عبد الحفيظ حرزلي ، رسالة لنيل الماجيستر في الآداب و اللغة العربية ، جامعة محمد بن خيضر ، بسكرة ، الجزائر، 2013- 2014 ، ص 108
فريد الزاهي ، الجسد و الصورة والمقدس في الاسلام ، منشورات افريقيا الشرق ، ط2 ، ص 96-97.
عرف الدكتور محمد أنقار الصورة السردية بأنها ” نتاج ثري لفعالية الخيال الذي لا يعني نقل العالم أو نسخه ،وإنما إعادة التشكيل …فهي في هذا السياق نقل لغوي لمعطيات الواقع … وهي ذات مظهر عقلي ووظيفة تمثيلية …موغلة في امتداداتها إيغال الرموز و الصور النفسية والاجتماعية و الانثروبولوجية و الاثنية ، جماليةٌ في وظائفها مثلما هي سائر صور البلاغة ومحسناتها ، ثم هي حسية ، وقبل كل ذلك ، هي إفراز خيالي” محمد أنقار ، صورة المغرب في الرواية الاسبانية ، مكتبة الادريسي للطباعة والنشر 1994 ، ص 15 .
الرواية ، ص 3
الرواية ، ص 11.
هشام مشبال ، البلاغة والسرد والسلطة في (الامتاع والمؤانسة) ، دار كنوز ، الطبعة الأولى 2015. ص 275.
هشام مشبال ، ص 273.
الرواية ، ص 12.
الرواية ، ص 12.
الرواية ، ص 13
هشام مشبال ، ص 274.
الرواية، ص 10.
سيمياء الحكي المركب ، البرهان و العرفان ، جمال بندحمان، دار رؤية ، ط 1 ، ص8.
الرواية ، ص 53.
الرواية ، ص 4
Jean yvesTadie ; Le recitpoetique ; PUF 1978 ;P47 . 48
Sexuality and Space ; The Split Wall : DomesticVoyeurism ; BeatrizColomina ;p74.
الرواية ، ص 8
الرواية ، ص 17.
الرواية العربية: البنية وتحوّلات السّرد – مكتبة لبنان – ناشرون ،ص 118
الرواية ، ص 112.
فريد الزاهي ، الجسد و الصورة و المقدس في الإسلام ، ص 96.
الرواية ، ص ص 55.
فريد الزاهي ، الجسد و الصورة و المقدس في الاسلام ، ص 96-97.
” انفتاح النص النقدي ، نحو تحليل ثقافي للأدب ،د. أيمن بكر ، مسعى للنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى 2013 ،ص 39.
نفسه ،ص 43-45.
الرواية ، ص 3.
الرواية ، ص 105.
أيمن بكر ، 53.
قال صاحب روضة الأفنان معرضاً بأحد الفقهاء الذين ترجم لهم : ” شابَ وهو أعزب …وكان ممن يزَنُّ بالهنات ،ويغلب حب البنين على البنات ” ، روضة الأفنان في وفيات الأعيان و أخبار العين و تخطيط ما فيها من عجيب البنيان ، تأليف محمد بن أحمد الاكراري ، تحقيق د. حمدي أنوش ، مطبعة المعرف الجديدة – الرباط ، الطبعة الثانية 1999 ، ص 263.
الرواية ، ص 11- 12.
الرواية ، ص 12.
فولفجانجإيزر ، فعل القراءة : نظرية في الاستجابة الجمالية ، القاهرة ، المجلس الأعلى للثقافة ، المشروع القومي للترجمة ، العدد 126، السنة 2000، ص 187.
أيمن بكر ، ص 61.
من نماذج امتداح السمنة باعتبارها مفتاحا من مفاتيح الإقبال على الزواج من المرأة ، نجد ” غلات العمة السمينة الصارخة الجمال ، ثلاث زيجات سابقة ، والآن تعيش الرابعة ” ص 7
أيمن بكر ، ص 63.
من صور تسريد سلوك الوشاة في الرواية ، هذا الحوار الذي يدور بين حماد و جارة ابنة عمته ” أم السعد” : تقول امرأة تجلس على عتبة دار مقابلة ، وتضيف دون أن يسألها حماد:
لهم خمس تيّام مشاو (سافروا منذ خمسة أيام )
فيسأل سؤالا من وحي ما يعلمه من مرض أم السعد …
ياك لا باس ؟
فترد المرأة وكأنها تعرفه ..
عقبى لك.. منتهم تعرصت ، ورحلت مع راجلها ”
” الريبة انتابتها حين علمت أنها امرأة مطلقة ” ، الرواية ، ص 56 .
ابراهيم الحيسن ، المرأة في الأمثال الحسانية ، مطبعة النجاح الجديدة ، البيضاء ، ط1 ، 2013 ، ص 111.
فاتحة مرشيد ، الملهمات ، ص 33- 34- 35