من أدب الرحلات/ أيوا.. البحث عن إيقاع ما (7)


*محمود شقير


خاص ( ثقافات )
قطعة من القمر في هيوستن
1
تمشيت في غرفتي. أدرت المذياع، انطلقت موسيقى شجية. تخيلت أنني أموت وحيداً على سريري في هذه الغرفة النائية. (النائية عن بيتي وأسرتي) سيكون المشهد مؤلماً حينما يدخل عليّ زملائي وزميلاتي، يراقبون صمتي الأبدي، وبقربي ساعة منبه متجمعة على نفسها، وكأس ماء أضعه كل ليلة قرب سريري، لعلني أنهض محتاجاً إلى جرعة ماء. تخلصت من هذه المشاعر الطارئة بالعمل في المطبخ: نظفت المائدة، نظفت فرن الغاز، غسلت بعض الصحون والملاعق. كان علي أن أبقى في الغرفة حتى المساء، لكنني لم أحتمل البقاء. غادرت الغرفة، وجدت أن المغادرة هي السبيل الأفضل للتخلص مما ألمّ بي من مشاعر. 
ذهبت إلى مكتبة الجامعة. شاهدت فيلم “ماسح الأحذية” لفيتوريو دي سيكا. (سأشاهد أفلاماً أخرى في أوقات متعاقبة: “مكاريو” فيلم مكسيكي ظريف، عن حطاب فقير تسرق زوجته ديكاً رومياً وتطبخه له، لأنه في أحيان كثيرة يترك حصته من الطعام لأطفاله. “البريء” للمخرج الإيطالي فيسكونتي، عن رجل يعشق امرأة أخرى، ثم تخونه زوجته وتحمل من عشيقها وتلد طفلاً. يأخذها الندم، وتحرقه الغيرة، ثم ينتحر بعد أن يقتل الطفل بتعريضه لهواء الثلج البارد. “النظر من خلال زجاج معتم” لإنغمار بيرغمان، عن امرأة مريضة بالكآبة، وهي معذبة حائرة بين والدها الكاتب وزوجها وأخيها. ثمة تلميح إلى أنها مارست الجنس مع أخيها دون وعي منها. وثلاثة أفلام أخرى لبيرغمان: ” الليلة العارية” ، ” ثلاث قصص حب” ، و “الساحرة”) الموظفة التي تعمل في المكتبة ظنت أنني إيطالي، قلت لها أنا من القدس. قالت إنها ترغب في زيارة القدس، شجعتها على القدوم إليها، ثم خرجت. 
اتجهت إلى مكتبة بريري لايتس، وجدت البائعة “هيثر” تجلس عند الصندوق، قلت لها: هاي! ردت على تحيتي بمثلها. اشتريت رواية “باب العامود” باللغة الانجليزية لمؤلف لم أسمع باسمه من قبل، (اشتريتها لزميلة كاتبة بناء على طلبها) ثم ذهبت إلى مقهى جافا هاوس للقاء مجموعة من الشباب الفلسطينيين الذين يدرسون في جامعة أيوا، وذلك تلبية لدعوتهم لي على العشاء. وجدتهم ينتظرونني هناك.
انطلقنا إلى مطعم يملكه مواطنون جزائريون. تناولت عشاء إيطالياً: معكرونة مع الدجاج. الشباب اختاروا وجبات مختلفة، تبادلنا أحاديث متنوعة. غادرنا المطعم إلى مقهى جافا هاوس، لم نجد مكاناً شاغراً في المقهى. ذهبنا إلى مقهى آخر مقابل مكتب البريد، شربت شاياً. تحدثت مع الشباب عن همومنا في الوطن، ثم أهديتهم نسخاً من كتابي “ظل آخر للمدينة”. أوصلني أحدهم في سيارته إلى السكن الجامعي. صعدت إلى غرفتي، ورحت أستعد للرحلة إلى مدينة هيوستن. بذلت جهداً غير قليل في كيّ عدد من بنطلوناتي وقمصاني. هذه المرة، شعرت أنني أنجزت عملي على نحو أفضل، لكن الإنجاز ما زال متواضعاً. 
الساعة الآن الثانية والنصف بعد منتصف الليل. تنطلق من المذياع موسيقى عذبة مصحوبة بغناء أوبرالي. هذا النوع من الغناء يثير في نفسي متعة عميقة مصحوبة بأسى. انشغلت في تصفح جرائد عربية صادرة في شيكاغو، أشفقت على العرب المقيمين في هذه البلاد وأنا أتابع إعلاناتهم في الجرائد، وكذلك أخبار حفلاتهم، زواجهم، ووفياتهم. أشفقت عليهم لأنني تصورت أنهم أصبحوا بعيدين من قراهم ومدنهم، وهم يموتون هنا بعيداً منها ومن أحبائهم الذين تركوهم خلفهم، وهاجروا بحثاً عن لقمة العيش. (مع ذلك، ربما كانوا مغتبطين بغربتهم. من يدري!)
2
وصلت إلى هيوستن مساء.
استضافني صديقي محمد السلحوت. أبدى كرماً أصيلاً وهو يستضيفني.
وجدته هو وابن أختي باسل في انتظاري بمطار هوبي، (التقيت محمداً قبل سنتين في فندق السان جورج بالقدس مدة ساعة. كان قادماً إلى البلاد في رحلة سريعة، وجدت أنه ما زال محافظاً على شبابه رغم التقدم في العمر، إنه أصغر مني بسنتين) ذهبنا في سيارته إلى فندق إمباسي سيوتس. فندق فخم يغمر أجنحته هدوء كثيف. جلسنا وتبادلنا الذكريات، ثم تناولنا عشاء مكوناً من سمك وخضروات. نمت تلك الليلة في الثالثة صباحاً. كان نومي مشوباً بكوابيس مفزعة.
هيوستن مدينة كبيرة، عدد سكانها أربعة ملايين نسمة، وهي منتشرة على مساحة واسعة من الأرض المستوية، وفيها عدد من ناطحات السحاب. الطقس هنا حار في الليل وفي النهار، يذكرني بطقس عدن ودكّا ودلهي. تسقط الأمطار هنا فجأة بسبب الرطوبة الزائدة. 
انطلقت أنا وباسل إلى وكالة بحوث الفضاء (ناسا)، (باسل هنا منذ خمس سنوات، درس الطب في موسكو، عمل طبيباً في القدس، ثم سافر إلى الولايات المتحدة لاستكمال الدراسة المتخصصة، ولم يحقق نجاحاً في ذلك) تفرجنا على تصاميم لسفن فضاء مختلفة، لمسنا قطعة من حجارة القمر، سوداء وسطحها أملس، رأينا صخوراً أخرى وتربة مجلوبة من القمر والزهرة. تأملنا السيارة التي هبطت على سطح الزهرة، دخلنا إلى جوف بعض سفن الفضاء. شاهدنا فيلماً قصيراً عن رحلات الفضاء الأمريكية منذ العام 1958، ومن بينها هبوط أول إنسان (أمريكي) على سطح القمر. زرنا القاعة التي يداوم فيها فريق مراقبة سفن الفضاء وتوجيهها، تلك القاعة التي شاهدتها غير مرة على شاشة التلفاز، أثناء تصوير رحلات الفضاء ومتابعتها من هذه القاعة. هذا المكان عابق بأحلام كثيرة قد تتحقق بعد أجيال. بقيت فترة من الوقت مشدوداً إلى المستقبل وإلى المسافات البعيدة الغامضة، وكان ذلك ممتعاً إلى حد ما.
أخذني باسل في سيارته إلى بيت عمه الذي هو في الوقت نفسه صديقي محمد السلحوت، إنه بيت واسع يقع في حي هادئ بالمدينة. تعرفت إلى زوجة محمد، اسمها جويس، وهي امرأة أمريكية مثقفة. تحدثنا عن الثقافة حديثاً عاماً، ثم غادرتنا جويس إلى غرفتها. بعد ساعة، خرجنا، محمد وباسل وأنا، لتناول طعام العشاء. أكلنا وجبة سمك. انتبهت إحدى العاملات إلى أننا نتحدث العربية، أخبرتنا أنها عربية اسمها نسرين. (أمها نهاد نسطاس من بيت لحم، ووالدها عيسى قنصل من مأدبا. هاجر إلى الولايات المتحدة في السبعينيات من القرن العشرين، وهو كاتب وصحافي) أخبرتها أنني أتذكر اسم والدها بسبب المقالات التي كان ينشرها في الصحف الأردنية. نسرين طالبة في الجامعة، تعمل في بعض أوقات فراغها وتواصل دراستها الجامعية. (سألتقي والدها بعد يومين، سيأتي لزيارتي في الفندق، نستعيد أياماً جميلة مضت، ثم نفترق)
دلني باسل على معرض للفنون الجميلة، (لباسل صديقة سأتعرف إليها في زيارة قادمة) تفرجت على لوحات فنية لرسامين أوروبيين وأمريكان. تفرجت على تماثيل وأدوات مختلفة خاصة بالحضارات الصينية والهندية والكورية واليابانية. تماثيل لبوذا، وأعمال أخرى متأثرة بديانة الهند وبالكونفوشية، (للرجل روحان) (تمثال لآلهة الدمار، لها أربع أيادٍ) تفرجت على تماثيل وأعمال خاصة بالحضارة الإفريقية.
عدت من هيوستن. هاتفت كانغ ولم أجدها في غرفتها.
تركت لها رسالة على الهاتف. حينما عادت إلى غرفتها بعد ساعة، هاتفتني ثم جاءت إلى غرفتي. تبادلنا الأحاديث المختلفة. انتهى بنا المطاف عند السياسة. حدثتها عن مآسي الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي، حدثتها عن المحامية الإسرائيلية التقدمية فيليتسيا لانجر، التي تولت الدفاع عني وأنا في السجن الإسرائيلي، كما تولت الدفاع لسنوات طويلة عن الكثيرين من السجناء الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال، حدثتها عن هبّة النفق التي ذهب ضحيتها خمسة وثمانون فلسطينياً خلال ثلاثة أيام. أبدت تأثرها بما سمعت. حدثتني عن عيد اكتمال القمر في كوريا. بدت مسرورة مثل طفلة لأنها لن تحضر هذا العيد في بلادها، ما يعني أنها سوف تستريح من إعداد الطعام لعدد كبير من أفراد عائلتها، حيث يقتضي التقليد في هذا العيد، أن تقوم النساء بالطبخ لأفراد العائلة الذين يتجمعون معاً احتفاء بالمناسبة. حدثتني عن أسرة زوجها الكبيرة، عن الصلات الحميمة بين أفراد هذه الأسرة. حدثتني عن والديها وأخويها، عن الحب الذي يجمع بينهم. (والدها روائي معروف وأخوها الكبير كاتب، وهي متفرغة للكتابة ولا تمارس أي عمل وظيفي)
3
قبل أن أنام، شاهدت فيلم “الخلاص على يدي القديس ماثيو” للمخرج الإيطالي باولو بازوليني. (أحداث الفيلم تدور في القدس). منذ أن شاهدت فيلم “ماما روما” لبازوليني وأنا مهتم بمتابعة أفلامه المدهشة، مثل اهتمامي بأفلام بيرغمان. 
نهضت من النوم في التاسعة والنصف صباحاً.
الطقس خريفي بارد إلى حدّ ما، والسماء ملبدة بغيوم سوداء. تعكر مزاجي على الفور. هذه السماء المتجهمة تجعلني سيء المزاج. أتذكر سماوات مشابهة مصحوبة بالأحزان، بالذات في الفترة الأولى أثناء إقامتي في براغ. (كيف هربت تلك المدينة المدهشة من بين يدي، ولم أعد إليها منذ غادرتها بعد انتهاء مهمتي فيها!) ندمت لأنني لم أحضر معي ما يكفي من الملابس الخاصة بتحولات الطقس. أحضرت ملابس ثقيلة للبرد الشديد، وهي لا تنفع الآن، ولا أريد أن أشتري مزيداً من الملابس، كي لا أثقل على نفسي أثناء العودة إلى الوطن. أكثر شيء أكرهه الحقائب الثقيلة وقت السفر.
غير أنني كنت مضطراً لشراء ملابس. ذهبت عصراً إلى متجر لبيع الجاكيتات والجرازي، دلتني عليه فتاة رشيقة اسمها إنغريد، رأيتها صدفة ترقص في محل النوفوتيه الذي تعمل فيه، ترقص حينما لا يكون هناك عمل، أطريت على رشاقتها وجمالها من دون مقدمات، فرحت لذلك. ذهبتُ إلى المحل واشتريت معطفاً وجرزاية صوف. 
خرجت إلى الشارع، وجدت الناس محتشدين على نحو كثيف. وقفت قليلاً للتفرج ثم مضيت إلى مكتبة بريري لايتس. وجدت الكاتبة الروسية أولغا موخينا في الشارع، سلمت عليها وسألتها عن هذا الحشد، قالت: إنهم يحتفلون بفوز فريق المدينة لكرة القدم. دعوتها للجلوس معي في المقهى التابع للمكتبة، قالت إنها ستذهب لشراء السجائر وستأتيني هناك. قطعتُ الشارع نحو المكتبة. في اللحظة نفسها رأيت فرقة من العازفين تتقدم في الشارع، وقفت للتفرج عليها، اكتشفت أنني أمام مهرجان. قال لي مساعد المصور كيم، وهو طالب جامعي ضخم الجثة: هذا احتفال سنوي تشهده مدينة أيوا، اسمه “العودة إلى البيت”، وفي اليوم التالي لهذا الاحتفال، تبدأ المباريات الرياضية في المدينة. أدركت أن معلومات أولغا كانت خاطئة، أو أنني لم أفهم عليها جيداً لأن لغتها الإنجليزية ضعيفة. 
مرت حشود من الراقصين والراقصات، من اللاعبين واللاعبات. مرت عربات مجللة بلوحات للدعاية. مكتبة بريري لايتس كانت لها مشاركة في الاحتفال: عربة مزخرفة بالورود وعليها إعلانات خاصة بالمكتبة. استمر الاحتفال حوالي ساعتين، ذهبت بعد ذلك إلى المكتبة فوجدتها مغلقة، ولم يفاجئني هذا الأمر.
عدت إلى مقهى جافا هاوس. كانت أولغا تجلس هناك في القسم المخصص للمدخنين وللمدخنات بالقرب من الرصيف، كنت متأكداً من أنها لم تستطع قطع الشارع باتجاهي، لأن الاحتفال حال دون ذلك. اعتذرت مني وأبديت تفهماً لموقفها. نهضتْ وغادرت مع زميلتها أنستاسيا. كانت معهما طالبة أمريكية من أصل يهودي، تشارك معنا في ورشة الترجمة. 
خطوت إلى داخل المقهى، شربت كأساً من الشاي وأنا أقلب أوراق الصحف. كانت كانغ تجلس في المقهى مع الكاتب الفيتنامي فان تروي هاي. قرأتُ صحيفة شيكاغو تريبيون، تابعت ما نشر عن الكاتب البرتغالي خوزيه ساراماغو الذي فاز بجائزة نوبل للآداب. خرجت كانغ من دون أن تراني، انتبه هاي وهو خارج، إلى وجودي في المقهى. نادى كانغ، اقتربا مني، اقترحا عليّ أن أرافقهما إلى مكتبة تبيع الكتب القديمة. ذهبنا إلى المكتبة فوجدناها مغلقة، أخبرتهما بأنني أعرف مكتبة أخرى مشابهة، (كنت ذهبت إليها أنا والكاتبة التركية أرينديز لحضور ندوة عن الكاتب الأمريكي سكوت فيتزجرالد) وجدنا المكتبة ما زالت مفتوحة والساعة تقترب من التاسعة مساء. اشتريت خمسة كتب بمبلغ سبعة وعشرين دولاراً.
عدنا إلى السكن الجامعي، قال هاي ونحن نمشي على الرصيف إنني أشبه الممثل عمر الشريف. لم أقتنع بكلامه ولم أقل له إنني غير مقتنع بذلك. قلت: بعض أصدقائي في الوطن يقولون إنني أشبه الممثل صلاح قابيل. هاي لا يعرف صلاح قابيل لأن شهرته ليست مثل شهرة عمر الشريف. قالت كانغ: لدينا في كوريا سجائر اسمها “عمر الشريف”. لم أستغرب ذلك. قلت: كانت لدينا سجائر رخيصة الثمن اسمها “عمر”. (لم تقصد شركة سجائر القدس، اسم عمر الشريف. إنه أي عمر) قلت: كانت شرطة السجون الإسرائيلية توزع سجائر عمر علينا في السجن، حيث يبلغ نصيب كل واحد منا أربع سجائر في اليوم. لم نتوقف عن الثرثرة إلى أن أشرفنا على الوصول إلى السكن الجامعي. 
كان الليل هادئاً وأضواء السكن تلتمع عبر النوافذ. تفرقنا في الطابق الأرضي، كانغ ذهبت إلى السوبرماركت، هاي ذهب إلى صندوق البريد، أنا صعدت إلى غرفتي. (سيخبرني هاي فيما بعد عبر البريد الإلكتروني، أنه نشر كتاباً عن تلك الأيام في أيوا، وأنه خصني بالذكر في غير موقع من كتابه. ستخبرني كانغ أنها كتبت كتاباً عن تلك الأيام أيضاً، غير أنها ما زالت تؤجل نشره) 
4
مضى على وجودي في الولايات المتحدة شهر ونصف الشهر تقريباً. 
جاءت ماريان في الساعة الثانية عشرة ظهراً. (امرأة في حوالي الخمسين من عمرها، قابلتها أثناء حفل العشاء الذي أقيم على شرف الكتاب الضيوف في المتنزه القريب من السكن الجامعي. ماريان تحب أن تلتقي الناس وتعشق الرحلات، وعدتني بأنها ستأخذني لزيارة بعض المناطق القريبة من مدينة أيوا) أخذتني في سيارتها البونتياك الحمراء إلى بلدة صغيرة اسمها “هوفر” وهو اسم رئيس أمريكي سابق، ولد في البلدة التي أصبحت تحمل اسمه. لا يزيد عدد سكانها عن ألف نسمة، فيها بيوت نظيفة مبنية من الخشب، وهي تنعم بهدوء تام، فيها نزل صغير من طابقين. 
تناولنا، ماريان وأنا، طعام الغداء في مطعم بالبلدة. لم يعجبني الطعام. ازدردت بضع لقيمات بصعوبة. تحدثنا عن مباريات كرة القدم، (كان التلفاز يبث مباراة. قلت إنني لا أحب هذا النوع من المباريات: اللاعب ينطلق راكضاً وهو يحمل الكرة، والفريق الخصم يتبعه لتخليص الكرة من بين يديه. قالت إنها تحب هذه المباريات. لم ننشغل في مناقشة هذا الأمر سوى لحظات) تحدثنا عن بعض الشؤون الاجتماعية، قالت إن لديها قطتين في البيت، وهي تعيش وحيدة بعد أن انفصلت عن زوجها. قالت إن زوجها تزوج امرأة أخرى.
البيت الذي ولد فيه هوفر صغير متواضع. بالقرب منه متحف خاص برؤساء الولايات المتحدة الأمريكية: رأيت معروضات وصوراً للرؤساء وزوجاتهم وأفراد أسرهم، مع شرح مختصر عن تاريخ الولايات المتحدة. دخلنا إلى قاعة صغيرة تعرض أفلاماً وثائقية عن رؤساء البلاد، (غفوت وأنا جالس في المقعد الوثير بالقرب من ماريان. لم أستيقظ إلا حينما أيقظتني، اعتذرت. قلت لها يبدو أنني متعب. لم تعجبني هذه الغفوة التي جاءت في حضور الرؤساء وزوجاتهم، ولو عبر الصور)
عدنا في السيارة إلى أيوا. قالت لي إنها ما زالت تقيم علاقة مع زوجها السابق. لم أعلق على الأمر كي لا تفسره كما لو أنه تدخل في شؤونها الداخلية. قالت إنها تحب قطتيها. أوصلتني إلى السكن الجامعي، قالت إنها ستعرفني على القطتين، شكرتها ثم افترقنا. (لم تعرفني على القطتين ولم أرها بعد ذلك)
نمت نوماً عميقاً تلك الليلة. أمضيت نهار اليوم التالي في المدينة، وفي المساء اتجهت نحو موقف الحافلة. لم يبق أمامي سوى خمسين متراً للوصول إليها، لكنها تحركت قبل أن أدركها. عدت إلى السكن الجامعي ماشياً. 
________
*روائي وقاص من فلسطين.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *