ميخائيل نعيمة.. ناسك الأدب


*إسماعيل فقيه



تكمن أهمية الكتاب في تلك الأحاديث والحوارات الممتعة مع الراحل، بما تحتوي من مواقف وآراء ونقاشات في الفكر والأدب والثقافة والشعر والكتابة والحياة والإنسان والمعرفة، وقد جاءت هذه الحوارات، في حينها، بمثابة نقلة نوعية في مسيرة الراحل الفكرية والثقافية، ونشرها اليوم، ترفع من هذا المنسوب المعرفي والضروري عن شخصية أديب كبير عاش كل حياته في خدمة الفكر والمعرفة والكتابة، يتحدث الكاتب اسكندر عن كتابه وعن شخصية الراحل نعيمة بكثير من المعرفة والذكرى، ويستحضر ذاكرة مشوقة بامتياز، حيث يحضر كاتب «مرداد» و«سبعون» و«الغربال» و«البيادر» و«كرم على درب» و«الأوثان» وسواها الكثير من الروايات والكتب المحورية التي أغنت الفكر والثقافة، وما زالت إلى اليوم تشكل حلقة وعي تكبر وتتوسع وتمتد في الوعي الحديث.
* كيف تُعرّف ميخائيل نعيمة؟
– الأديب الكبير الراحل ميخائيل نعيمة هو من بين الأدباء والشعراء والمفكرين الذين عرفتهم عن كثب، خلال مسيرتي الصحفية الطويلة، وما زالت صورته ماثلة أمامي، صورة الإنسان الذي جمع في شخصيته بين العبقرية والتواضع، وبين الكبر والبساطة. إنه شخصية عظيمة راسخة في وعي الأول، لا تغيب عن بالي أبداً. ولست أدري كم هو باق في بال الوطن الذي أنجبه، واسهم في تخليده.
التقيت الراحل مرات كثيرة وتارة في زيارة خاصة، وأخرى بغية إجراء مقابلة صحفية معه، وكانت هذه المقابلات مملوءة بأفكار الراحل وحملت الكثير من أفكاره المتقدمة في حينها، وفي يومنا الآني أيضاً.
* لماذا جمعت كل هذه الأحاديث وكل هذه الحوارات مع الراحل ووضعتها في كتاب، علماً بأن مؤلفاته كثيرة وتملأ المكتبات؟
– لفتني جداً ما تناوله الراحل بهذه الأحاديث والحوارات، لذلك رجعت الى هذه الأحاديث التي أصبحت شبه مجهولة، فقررت أن أجمعها في كتاب، لعلها تضيء على جوانب عدة في مسيرة هذا الأديب الكبير، مسيرته الأدبية والحياتية، لربما لا نجدها في كتاباته الكثيرة، وهي على كل حال، تشكل جزءاً لا يتجزّأ من تراثه الفكري الإبداعي. وألفت الانتباه هنا، الى أنني نشرت في كتابي هذا، كل ما قاله لي الراحل، كما ورد تماماً، في حينه، من دون أي تبديل أو تحريف، سواء في مقدمات الأحاديث والحوارات، أو في الأسئلة والأجوبة.
* بماذا يتميز الراحل، ككاتب مبدع عن سواه؟
– إلى جانب عبقرية ميخائيل نعيمه تبرز إنسانية هذا الرجل الذي يحمل في مسلكه الكثير من وعي الحياة ومعرفة الحياة على أصولها. أضف الى ذلك، تلك الرؤيا التي انطلق منها إلى بصيرة حادة ومتجلية، حيث برزت صورته الجلية أكثر وأكثر. فقد كان على دراية ببواطن الأمور، كأنه يعرف ما سوف يحدث غداً. أغلب الكتب التي أصدرها حملت في بطونها الكثير من الرؤيا والكثير من الشرح المبسّط لأعقد الأمور والأفكار. لم يكن القلق من نصيبه، ولا الحيرة أخذته الى ضياع، بل بالعكس، كانت حيرته هادئة جداً. ويمكن القول إن الراحل كان مطمئن البال، لا قلق يساوره ولا تعب ينخر الفكر الذي ارتضاه لنفسه وعقله وقلمه. لذلك كان مستقيم الوعي، حاد البصيرة، ولا تنسَ أنه عاش قرناً بكامله، وهذا أكبر دليل على قدرة الفكر في تغذية عقله وروحه وبدنه.
لقد أمضى الراحل حياته الطويلة في معاشرة الكلمة النابضة بالحياة والأمل والبقاء، حتى صارت الكلمة بالنسبة إليه كما الروح بالنسبة إلى الجسد، وكما الأرض بالنسبة إلى لإنسان، وكما الحرية بالنسبة إلى لأوطان. لقد اختار نعيمة قوة الحق. اختار الشجاعة وامتشقها. اختار الكلمة سلاحاً له، ليدافع عن الحق والخير والسلام والمحبة، ويحارب الباطل والشر والحروب، هو أحد كبار المفكرين الذين اسهموا بفعالية في نهضتنا الأدبية وفي التجديد والانعتاق الذي طرأ على الحركة الفكرية عندنا، وهو في الوقت ذاته، الإنسان المؤمن إيماناً عميقاً بالخير والسلام، والتقدم، والإنسان.
* وماذا عن أبرز إيجابيات الراحل؟
– هي كثيرة، ولا يمكن حصرها في مشهدية سريعة، ولكن لا بد من الدلالة على ملامحها. وفي هذا الإطار أذكر، في إحدى لقاءاتي به، طرحت عليه مجموعة من الأسئلة المختلفة والعميقة، وهو الذي له صولات وجولات في مختلف فروع الثقافة الإنسانية، وقد تخطّى، في حينها، عمره الثلاثة أرباع القرن، وما زال منكباً على العمل المتواصل، كأن حياته شباب دائم. وفي أثناء زيارتي له التي طالت أكثر من أي مرة أخرى، اكتشفت سر شبابه الدائم الذي يتحدى السنين، فهو منذ سنوات كثيرة، أكثر من خمسة عشرة عاماً لم يحتس القهوة، بالرغم من ضرورتها بالنسبة لأهل الفكر والقلم. ويدخن القليل من السجائر، ولم يتذوق الكحول طوال حياته، وينام الساعات الطويلة نوماً هادئاً عميقاً، كما أن نمط حياته الخاصة يسير سيره الطبيعي. وأضيف الى ذلك كله، تفاؤله بالحياة والإنسان، وتعود أهمية ميخائيل نعيمه إلى أنه تفرّغ للكتابة وتنسّك لها.
_________
الأديب الكبير الراحل ميخائيل نعيمة الذي عاش قرناً من الزمن وغادر الحياة قبل أقل من ربع قرن بقليل (1889- 1988)، يحضر اليوم في كتاب «حدثني ميخائيل نعيمة.. حوارات وأحاديث في محطات العمر»، أجراها الإعلامي والأديب إسكندر داغر مع الراح قبل أكثر من نصف قرن، ويأتي كتاب داغر ليعطي صورة مشرقة أكثر عن حياة الأديب والكاتب والشاعر والمفكر العبقري الراحل الذي شكّل محوراً كاملاً في مسيرة الأدب العربي والعالمي. 
______
*الخليج 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *