رواية بحرينية تدقّ جرس الإنذار لحماية الأسرة الخليجية


*فيصل عبدالحسن



نجح الكاتب الراحل عبدالله خليفة (1948 /2014)، ضمن روايته “اغتصاب كوكب” في نقل الواقع الأسري الخليجي إلى القارئ من خلال طرحه سير عائلات بحرينية فقيرة، وجاءت معالجاته لأوضاعها من خلال تقاليد الأدب “الاجتماعي” الفودفيلي. وهذا النوع من الأدب يركز على السلوك الاجتماعي، وما يبدر من الأفراد من ردود أفعال حول التناقضات الفكرية والسياسية التي يعيشونها.
والرواية تقع في 118 صفحة من القطع المتوسط، وهي قصيرة بالنسبة إلى رواياته الطويلة السابقة. فقد أصدر عبدالله خليفة طوال مسيرته الإبداعية في العشرين سنة الماضية أعمالا روائية من مئات الصفحات، نذكر من بينها “الينابيع″ و”اللآلئ” و”الضباب” و”الأقلف” و”نشيد البحر” و”عنترة يعود للجزيرة” و”أغنية الماء والنار” وغيرها.
اغتصاب كوكب
يقدم لنا الكاتب في رواية “اغتصاب كوكب” العائلة بتقاليدها وتراثها القيمي، ويضعنا على ميثولوجيا لا تزال تقاوم للبقاء بالرغم من ظروف الأزمة التي يمر بها العالم.
فعلاقات الإخوة والحب العائلي والأنساق الأبوية، التي تعيشها الأسرة، لا تزال تقاوم لتبقى في ظل أزمة أخلاقية وفلسفية يعيشها العالم بالطول والعرض. بالرغم من انتماء عبدالله خليفة إلى المجتمع البحريني كأديب معروف، بل كأول روائي في المملكة، إلا أنه كان مفكرا وصاحب رؤية سياسية وفلسفية، وكثيرا ما اصطدمت رؤاه بآراء وتوجهات معارضين له. ولو كان حيا لعانى كثيرا من ردود الأفعال في طرحه لإشكالية نصية في هذه الرواية تعتبر من التابوات، فالجنس أحد هذه التابوات، في مجتمع محافظ كالبحرين.
فإشكالية الاغتصاب في الوسط العائلي، التي طرحها في هذه الرواية، جعلت إزميله يغور عميقا في جسد الأسرة الأبوية، لينحت فيها أخدودا عميقا.
لم يسرد الكاتب حادثة اغتصاب كوكب من قبل السيد عمران، خطيبة أخيه إسماعيل في بداية الرواية، لمجرد الإثارة بل جاءت بداية مُنفرة، ليبني عليها أحداثا أفقية وعمودية.
يرسم عبدالله خليفة نفسية المُغتصب، وهو يخطط لفعلته، ويصف هذه الرغبة المريضة بـ”عالم كوكب يسيطر عليه يجعل أظافره الحادة تتقلص وروحه تصعد للنجوم”. وليس الاغتصاب الإشكالية النصية الوحيدة في الرواية بل هي تعبير مادي للفكر، المُعبر عن براغماتية -نَفْعِيَّة- سيطرت على سلوكات الشخوص.
أبسن ومحفوظ
الشخصيات في الرواية، سواء، كانت من المتدينين كالشيخ مصطفى وعمران وسكينة، والسائق جعفر، أو من غير المتدينين كمنصور والد عمران وإسماعيل وكوكب والصحفي أحمد، ومريم أخت عمران، التي “رأتها كوكب في فندق مشبوه مع سائح أجنبي”، وعدنان اليساري، زوج كوكب السابق، الذي قُتل في ظروف غامضة. يروي السارد ظروف مقتله “استلف نقودا وماطل في دفعها، فقُتل في مشاجرة بعد أن دفعه الدائن، فسقط على أرض حجرية”.
مبادئ عدنان أثرت في الكثيرين من المحيطين به “لنستمتع بالحياة، كم مرة سنعيش؟” وهذا ما فعله الصحفي أحمد أيضا ويشير إليه بـ”غاب طويلا عن البلاد، وحين عاد انعزل في فيلا مع عائلته الصغيرة”.
الروائي وهو يبني شخصياته: كوكب وإسماعيل وعمران، اقتفى آثار نورا في مسرحية بيت الدمية لهنريك أبسن. فكوكب تطلق صرختها عبر مقولة نورا في المسرحية “لا بدّ للإنسان أن يكون كما يريد، وليس كما يريد له الآخرون، ذاتي ملكي وعليّ أن أعيش لأجلها”.
المرأة الأرستقراطية
ملامح شخصية كوكب من المرأة الأرستقراطية، التي لا تعير اهتماما لحب المقامر، في رواية دوستويفسكي الشهيرة، وكذلك لها ملامح إحسان زوجة محجوب عبدالدايم في رواية “القاهرة الجديدة” لنجيب محفوظ. والرواية تحكي سيرة عائلة تعمل في الأرض، فالأب منصور يعمل فلاحا في أرض أجداده التي اغتصبت منهم.
كما طرحت الرواية ثيمتين من خلال المونولوجات غير المباشرة، والسرد المباشر: الثيمة الأولى تدور حول اغتصاب كوكب، وما تبع ذلك من انهيار للعلاقة بين الأخوين عمران وإسماعيل، والثيمة الثانية مهدت لانهيار العائلة، وتدور حول اغتصاب أرض العائلة، وخلط الدين بالسياسة.
ورتب الكاتب لتدهور عمران الأخلاقي، بسبب فرض والده عليه الدراسة الدينية خارج البحرين، بدلا من الانخراط في الجامعة، التي كان يرغب في الانتماء إليها واستأثره بدار العائلة، وتحويلها إلى عمارات لتأجيرها للعمال الأجانب، والانحدار الأخلاقي للمعلمة كوكب بعد اغتصابها من خلال علاقاتها المشبوهة بالرجال.
رواية اغتصاب كوكب تثير أكثر من سؤال حول مصير الأخلاق، ودور الدين، والتأثير السلبي لمن يعتمده في غير محلّه، كاشتغال سياسي على المجتمع. أطلق من خلالها كاتبها الراحل عبدالله خليفة جرس الإنذار لحماية الأسرة الخليجية من خطر البراغماتية والتطرف الديني، وأثارهما السيئة على السلم الاجتماعي.
____
*العرب

شاهد أيضاً

فصل من سيرة عبد الجبار الرفاعي

(ثقافات)                       الكاتب إنسان مُتبرع للبشرية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *