سندس برهوم: في الحرب لا مجال لالتقاط النفَس


سامر محمد إسماعيل

ثمة مناكفة على مستوى السرد، تقوم به الكاتبة السورية سندس برهوم، (مواليد دمشق 1975)؛ إذ تأتي روايتها الأولى «عتبة الباب» (الصادرة حديثاً في بيروت عن منشورات «نوفل»/ «هاشيت») كشهادة صادمة عن جدلية الحبّ في الحرب؛ مستعيرةً سيرة المرأة في زمن النزاعات الدموية كضحيةٍ مرتقبة؛ فهي الأكاديمية الحاصلة على إجازة في علم الاجتماع من جامعة دمشق؛ والمختصة في الرعاية النفسية للأطفال في مناطق الحروب والكوارث؛ وها هي تجتاز اليوم «العتبة» الروائية. حول كتابها هذا، كما عن موضوعات أخرى، كان هذا الحوار.

– تنحو الكتابة في «عتبة الباب» إلى هواجس امرأة في زمن الحرب السورية؛ مستخدمةً ضمير المتكلم للحديث عن «لور» بطلة الرواية، هل يعكس ذلك تناغماً بين التجربة التي تعيشينها في بلادكِ وبين التجربة التي مرّت بها شخصيتكِ الرئيسية؟
 مَن لم يلامس قلبه الخوف فلن يعرف يوماً ماهية قوته، إنه كالحب والحزن.. وغيرها من المشاعر الإنسانية البالغة التأثير، والقادرة على تغيير وتحويل مسار الشخصية بمجرد اصطدامه بها، ومهما أسعفنا التخيّل في مقاربة هذا الإحساس فإننا قد لا نتمكّن من سبر أغواره كمن عايشه فعلاً، وعلى اختلاف تجربتي الشخصية خلال الحرب؛ إلا أن هنالك تناغماً إلى حد ما بيني وبين (لور)، مضافة إليه رغبتي في التحدّث عن الألم الذي يفعله الخوف والذي نغفله غالباً عندما نتحدّث عن ويلات الحروب.
–  تبدو الأحداث في الرواية مكرّسة لهواجس المرأة الأم، والزوجة، إلى أن نصل إلى جملة تدين بوضوح العنف الذي يرتكبه الرجال، وتقع النساء في شرّه. هل هو موقف من العنف الذكوري؟
 من ينظر إلى دور المرأة في المجتمع يعرف أن ما تفعله لا يقل أهمية عن أفعال الرجال، وقد عرف عن نساء العرب تحديداً دهاءهنّ المنقطع النظير في تدبير أمور الحرب والسلم، ما تحدثت به خلال الرواية لا يعكس رأيي الشخصي بالرجال بل هو رأي البطلة «لور» ليس إلا.
– هل تعكس «عتبة الباب» رغبة لديكِ في تغيير الفكرة عن الكتابة الروائية على أنها إنجاز ذكوري كامل وأن ما تكتبه النساء لا يتعدّى وصفه بـ «الفحولة المسترجلة» كما يصفها الناقد المغربي سعيد بنكراد؟
 لو كان هدفي تغيير هذه الفكرة لذهبتُ إلى السرد أكثر، ثم أنني لم أقتنع بفكرة أن الكتابة هي فعل ذكوري بالمطلق – مع احترامي للأستاذ سعيد بنكراد، فلو عدنا لغريزتنا لوجدنا أن النساء والرجال لديهم الجانبان «الذكوري والأنثوي» معاً. طبعاً من الممكن أن تختلف النسب داخلنا بين شخص وآخر، لكن إن كان ذلك صحيحاً فربما توجب علي أن أبتعد عن عفويتي وأراقب نفسي جيداً بعد روايتي الأولى، وهذا ما لا أرغب به.
– تهربين في جزء كبير من «الرواية» إلى الوصف كسمة من سمات ما أُطلق عليه «الرواية النسوية العربية»؛ وهذا برأي كثيرين لا يبني عالماً روائياً بقدر ما يستعيد معرفة متداولة. كيف تعلّقين على ذلك؟
 ربّما كان هذا صحيحاً، فالوصف يقدّم لنا فرصة إعادة تمثيل الموقف مرات عديدة، وقد يساعدنا على فهم ما نتحدّث عنه، أو حتى استخلاص نتائج غير متوقعة، فإن كان الوصف قادراً على تأدية هذا الدور فهذا جيد، خاصة أن الإنسانية لم تأتِ بمفاهيم جديدة كل الجدّة وأن ما هو مطروح لا يتعدّى أن يكون تكراراً للتجارب الإنسانية لكن بطرقٍ جديدة.
– تبدو «عتبة الباب» أكثر نضجاً بما لا يُقاس مع نصكِ الأول غير المجنّس «غيوم زكريا».
 «غيوم زكريا» كان أول عمل أدبي لي، وله خصوصيته لارتباطه بمرحلة خاصة ومهمة من حياتي، لذا قدّمته كهدية، وتعمّدتُ ألا يسوّق أو يُنشَر على مستوى واسع، وسيبقى هو العمل الذي أحبّه وأعتز به حتى لو أنجزت بعده ما هو أهم وأفضل. أما «عتبة الباب» فلا تتعدى أن تكون القفزة التي هيأت الدافع لها «غيوم زكريا»، وأتمنى أن تكون قفزتي هذه واسعة، كما حلمت.
–  تبدو لغتكِ لاهثة ومن دون توقف؛ وبلا أي تقطيع زمني أو محاولة أخذ نفس بين سطور وصفحات الرواية. كيف تبررين ذلك؟
 في الحرب لا مجال للتوقف وأخذ النفَس، إذاً كيف تكون الكلمات والخطى والموسيقى؟ إنه إيقاع الخطر، والصور المتراكمة في الذاكرة والخيال والأحلام، هو سباق مع المجهول للحفاظ على الحياة، أعتقد أني كنت مسيّرة ومسلوبة الإرادة أمام تلك اللغة أكثر مني صاحبة القرار.
– تبدين على الحياد في «عتبة الباب» من طرفَي الصراع الدائر في وطنكِ، بعكس تلك النصوص التي كتبت مؤخراً عن الحرب السورية وكانت منحازة لهذا الطرف أو ذاك.
 فعل الكتابة هو تجسيد واقعي للرغبة بقول شيء، وحتماً هناك رسالة أريدها أن تصل، وجميعنا يعرف الأثر الذي تقوم به الكلمة، إنها تغيّر مسار شخص وطريقة حياة وأيضاً تغيّر قناعات وأفكاراً، الكلمة تحمل الشحنة العاطفية والمعرفية وتحمل السلب والإيجاب وكل ما نريد، شخص أعزل واحد يبدو ضئيلاً أمام كل الأسلحة الفتّاكة في الحرب، وكلمة تغيّر بنية معرفية أقوى من أسلحة العالم قاطبة، وأستطيع أن أقول إني اخترت معركتي: إن كان لا بد من القتال، فليس لديّ سوى الحب.
– في نهاية الرواية تقرر بطلتكِ إلغاء قرارها بالسفر إلى الخارج بعد مناكفات عديدة مع عتبة الباب والفراغ الذي يحتلّ جسدها ويمنعها حتى من وصال زوجها. هل يمكننا فهم ذلك على أنه نوع من الإذعان للحرب أم للجنس كمعادل موضوعي للعنف في أوقات الحرب؟
 ليس إذعاناً بقدر ما هو قدرة هائلة على التكيّف، إنه التسامي من خلال الابتعاد عن ردات الفعل الغريزية، الوقوف على العتبة من دون الانخراط في العنف (الهجوم) ومن دون القيام بفعل الهرب (الهروب)، الوقوف هنا هو فعل إنساني رفيع لا يحققه إلا قوة الفكر والشجاعة في آن معاً.
السفير

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *