خاص ( ثقافات )
صدر عن مركز دراسات الحضارة الإسلامية وإدارة المشروعات الخاصة بمكتبة الإسكندرية كتاب “عبقرية التأليف العربي: علاقات النصوص والاتصال العلمي”، وهو تأليف الدكتور كمال عرفات نبهان. قام بتصدير الكتاب الدكتور إسماعيل سراج الدين؛ مدير مكتبة الإسكندرية، ويقدمه الدكتور مصطفى الشكعة.
يقع الكتاب في 557 صفحة، ويتناول من خلال اثني عشر فصلاً موضوع التأليف كظاهرة اتصال، واستجابة لحاجات علمية وتعليمية وثقافية، والتي من أجلها ظهرت آليات وأصول في صنعة التأليف وتكوين النصوص في التأليف العربي الإسلامي. وقد أجريت هذه الدراسة من مدخل ببليوجرافي ومعلوماتي واتصالي.
ويؤكد المؤلف أن هذا الكتاب الذي استغرق زهرة العمر وزهوة الفكر يعد مشروعا حضاريا وإنسانيا، وتبليغ يدوي في أفق الوعي والإنجاز العلمي والحضاري. ولا بد أن يأتي يوم وقوم وينجزون ما يطرحه، من أجل تطوير علم النصوص والببليوجرافيا التكوينية، والحصر الشامل لكل النصوص في ببليوجرام شامل يربط لنص بعائلته وأجداده وآبائه وتوابعه من النصوص، مستفيدا من تكنولوجيا المعلومات، وحينئذ سوف توضع الذاكرة العربية الإسلامية في قلب الحضارة الإنسانية، وتتجسد خريطة للعقل والذكاء والتأليف الذي أسهم في بنائها.
ويقول الدكتور إسماعيل سراج الدين في مقدمة الكتاب إن هذا الكتاب يعد من الكتب المتميزة حقًا، وهو ما يدعونا إلى تهنئة المؤلف الدكتور كمال عرفات نبهان؛ أستاذ علم المعلومات الذي أمضى حياته في علم المكتبات وتصنيف المعلومات، وجمع خلاصة خبرته تلك وإلمامه الواسع بالمكتبة العربية ومزجها ووضعها في هذا الكتاب خدمة للثقافة والمكتبة العربية التي تفتقر إلى مثل هذه الكتب.
وأضاف أنه من أجل ذلك كان حرص مكتبة الإسكندرية على إعادة إصدار هذا الكتاب كي تنشره على نطاق أوسع، وكان الكتاب قد طبع قبل ذلك طبعة محدودة لم توفه حقه.
وأكد أنه على الرغم من احتفاء معهد المخطوطات العربية بهذا الكتاب ضمن فعاليات يوم المخطوط العربي 2014، وحصوله على جائزة “كتاب العام التراثي” لما قدمه من جديد متميز في الببليوجرافيا والمعلومات والاتصال العلمي والتعليمي، فإنه يستحق مزيدًا من الاحتفاء والتكريم، وأن يأخذ الكتاب ومؤلفه حقهما من الشهرة والإشادة.
ويضيف: “كشف الدكتور كمال عرفات نبهان في كتابه هذا عن مشروع قام به لسنوات أثمر الكتاب الذي نقدمه للقارئ العربي، فقد طور النصوص العربية وعرّف ستين نوعًا من أنماط تأليف النصوص، مقدمًا خصائص كل نوع، وكاشفًا عن طبيعة الجهد العلمي المبذول فيه وخصائصه وعلاقاته مع الأنواع الأخرى؛ مبرزًا أهمية صناعة الكشافات في خدمة جميع العاملين في ميادين العلم. ويرى أن علماءنا السابقين تركوا تراثًا ضخما لم نستفد منه وأن الكتاب يعد ذاكرة خارجية للمؤلف.
ويعتد الكتاب بالتراث العربي كاشفاً عن عبقريته وعن موسوعة التأليف العربي وبراعة المؤلفين؛ فقد أعطوا التأليف حق قدره واحتفوا بالكتاب أيما حفاوة. وبالرغم من فقر الإمكانات المتاحة لديهم، فقد كانوا يسيرون وفق خطط مركزة منضبطة في التأليف، وأن كل شيء كان ممنهجًا وفقًا لمعطيات عصرهم.
وأعرب سراج الدين عن أمله في أن تتحقق أمنية المؤلف بأن يتم البناء على فكرة الكتاب لتطبيقها حاسوبيًا ببرنامج خاص شامل ييسر البحث على الدارسين والباحثين في متون التراث العربي.
ومن بين أنواع التأليف المختلفة يوجد شكل متميز، وهو اعتماد المؤلف على كتاب سبق ظهوره، يهتم به ويتخذ منه محورًا يدور حول كتابه الجديد في شكل شرح أو تلخيص أو تهذيب أو تذييل أو استدراك أو معارضة أو محاكمة، وهذا النوع هو ما يسميه المؤلف التأليف النصي المحوري” وهو يمثل ظاهرة هامة استمرت في التأليف العربي الإسلامي في مختلف عصوره، ولازالت موجودة بعض مظاهره حتى الآن. كما أن بعض أنواعه موجودة في الثقافات الأجنبية.
ويتفرد هذا الكتاب بتقديم مجالات وأشياء جديدة تمامًا في موضوع التأليف العربي والعالمي أيضًا، ومن ذلك تعريف التأليف عمومًا والعربي خصوصًا (وتتميز أنواعه وهي التأليف الإبداعي والتأليف الوثائقي والتأليف النصي المحوري، والجذور العربية للتأليف من التدوين والتصنيف)، وتعريف المؤلف وخصائصه في الثقافة العربية والإسلامية، وتعريف النص وتمييز أشكاله المختلفة.
ويطرح الكتاب نظرية “الببليوجرافيا التكوينية”؛ وهي جديدة في مضمونها وتسميتها، وهي تؤسس مجالاً جديدًا في دراسة التأليف وعلاقات النصوص والضبط الببليوجرافي “التكويني”، وتضيف بعدًا جديدًا في علم الببليوجرافيا وعلم المعلومات، وتقدم بداية نظرية وميدانية لتأسيس علم النصوص العربية.
ويقدم الكتاب ابتكار نظام لوصف تمثيل علاقات النصوص داخل عائلة النص، هو “مخطط علاقات النصوص” الذي أسماه المؤلف Bibliogram وهي كلمة جديدة على اللغة الإنجليزية تم تركيبها لأول مرة، ويتفرع منه “المخطط الزمني لعلاقات النصوص” وقد أسماه المؤلف Biblio-chronogram لأول مرة أيضًا، لوصف وتمثيل الامتداد الزمني لتأثير النص في ظهور المؤلفات المتفارعة عليه، قد بلغ تأثير بعض النصوص إلى ثمانية قرون.
ويقوم المؤلف من خلال الكتاب أيضًا باكتشاف وتسمية سبعة أشكال من الببليوجرام في التأليف العربي، وتحليل علاقات التفارع للنصوص على نص أصلي وابتكار مصطلحات جديدة لوصف وتسمية هذه العلاقات. وحدد المؤلف ستين نوعًا من التأليف النصي، وتحديد خصائص كل نوع، وطبيعة الجهد العلمي في تأليفه، ووظائفه الاتصالية العلمية، وعلاقاته مع الأنواع الأخرى من التـأليف النصي. وقد أمكن تصنيف هذه الأنواع من التأليف وجدولة الوظائف المقابلة لها ونماذج استخدامها.
ويحدد الكتاب آليات التأليف العربي في الخطوط الرئيسية التالية: التأليف التمهيدي للنص (ويتمثل في المقدمات بأنواعها)، تشغيل النص (مثل التلخيص والتهذيب)، تحويل النص (مثل الترجمة وتغيير بيئة النص ونظمه)، مصاحبة النص (مثل الشروح بأنواعها)، خدمة النص ومحاورته (مثل الاكتشافات والأطراف ومعارك النصوص) ونمذجة واحتواء النص.
يقوم الكتاب أيضًا باستقراء ظواهر هامة في التأليف العربي مثل ظاهرة تكامل النصوص وتواصل النصوص وتراكم النصوص، واستقراء بعض الخصائص السوسيولوجية للاتصال العلمي في الحضارة العربية وانعكاس العلاقات الاجتماعية في المجتمع العلمي على علاقات النصوص وأشكال التأليف والاتصال العلمي، ويظهر ذلك في الفصل الثاني عشر.
ويحتوي الكتاب على كثير من المصطلحات التي تمت صياغتها لتكون رصيدًا للببليوجرافي وعالم المعلومات والمخطوطات والنصوص، ومؤرخ العلم وناقد الأدب ومجالات أخرى كثيرة، ومن ذلك: المجانسة، التدريج، المعجمة، الموسعة، التزمين، النمذجة، المقايسة الببليوجرافية وغيرها، مع الحرص على البحث عن مقابل لها بالإنجليزية لوصل الحلقات بين الحضارات.
ويؤكد الدكتور مصطفى الشكعة في مقدمة الكتاب أن هذا الكتاب يمثل نجمًا جديدًا في سماء علم المكتبات والمعلومات منهجًا ومحتوى وتحليلاً وتعمقًا وابتكارًا، ويتكون الكتاب من مقدمة وثلاثة أبواب تشتمل في جملتها على اثني عشر فصلاً. ويضيف أن المؤلف قد رجع إلى مائتين وأربعين مرجعًا عربيًا وظفها في عمله هذا الكبير توظيفًا مباشرًا، أما مراجعه الأجنبية فقد بلغت عشرين مرجعًا أساسيًا، وذلك بخلاف المئات من المؤلفات التي اتخذها عينة لدراسة علاقات النصوص والتأليف العربي.
ويقول المؤلف إن التأليف النصي المحوري يمثل ظاهرة هامة في التأليف العربي القديم خاصة، وهو موضوع هذه الدراسة التي تهدف إلى معرفة مختلف أشكال العلاقات بين النصوص، وتصنيفها وتوضيح أبعادها وخصائصها وإبراز أهم نماذجها، ثم يلفت نظر القارئ إلى أهمية توضيح مسألتين يعتبرها على جانب كبير من الأهمية: أولهما أن التأليف ليس ظاهرة قديمة وحسب، بل هو ظاهرة مستمرة، واستمرارها ضروري، ليس في الثقافة العربية وحدها بل في كل الثقافات. وثانيهما أن هذه الدراسة ليست تأريخا للتأليف العربي، لكنها تُخضع بعض ظواهر التأليف كحالات للدراسات الاستقرائية من أجل الخروج بتصنيف لعلاقات التأليف النصي وتحديد خصائصه وتسمياته.
وعن الخصائص الاتصالية للنص يقول المؤلف: إذا تناولنا النص في إطاره الاتصالي كرسالة، فإننا نقتصر على التعامل مع ثلاثة عناصر رئيسية في النموذج الاتصال للقراءة؛ وهي: المؤلف، النص، والقارئ.
ويشرح المؤلف أن الخصائص الاجتماعية والثقافية للنص، موضحًا أنه في أي مجتمع أو ثقافة نجد أن هناك عناصر ثقافية عديدة، بعضها يحرص على تدوينه وتوثيقه، أما أكثرها فيتداول شفاهًا، ومن هنا نجد أنفسنا في مواجهة “النص واللانص” ويكتسب النص أهميته بالنسبة لثقافة معينة حينما تعترف هذه الثقافة بمدلوله. وتتكون مقومات أي ثقافة من مجموعة من النصوص، ففي ظل الحضارة العربية الإسلامية تتضح معالم أو شروط معينة لمؤلف النص.
ويضيف أن ثبات النص هو قيمة في حد ذاتها في مجال النص الديني أولاً، وفي مجال النص التشريعي في بعض الأحوال، كما أنه قيمة في حد ذاتها في مواجهة الأخطار التي تتهدد ثقافة معينة.
ويعرض المؤلف للنص الأدبي فيذكر أنه يفقد قيمته الفنية والجمالية إذا اختلت بنيته وصورته التي أبدعها الأديب. وأما في المجالات العلمية كالطب والفيزياء وغيرها فإننا لا نجد هذه القداسة أو الأهمية للنص في ذاته، وإنما تكمن أهميته في محتواه. ويذكر المؤلف العديد من النصوص العلمية التي حظيت باهتمام نسبي في الثقافة العربية القديمة كما ألفت عنها مؤلفات فرعية كالتلخيص والنظم والرد عليها.
ويحاول المؤلف حصر العوامل التي تمنح بعض النصوص قدرة على الاستمرارية والبقاء وتجاوز الزمن وقوانين التغيير في عدة عوامل يذكر منها: قدسية النص، ومصداقيته إذا كان إخباريًا أو تاريخيًا، والمنفعة أو الوظيفة، والدلالة والفكرة، والجمالية والإمتاع، وأصالة المنهج.
ويتناول المؤلف في الفصل الأخير مجموعة من الملاحظات حول التأليف النصي؛ وهي: المحورية والتمركز، الاستخدام الكامل للنصوص، الاستجابة والملائمة، حدود التكرار والإبداع في التأليف النصي، تقاليد التأليف، تكامل التأليف النصي وأصول الصنعة، الخصائص التراكمية للعلم والنصوص، خدمة النصوص وتطويرها، مصفوفات علاقات التأليف النصي، والنموذج الاتصالي للتأليف النصي.
ويقول الدكتور مصطفى الشكعة: “إن هذه الموضوعات قضايا ببليوجرافية عضوية أساسية، وقد عالجها عالمنا الجليل الدكتور كمال عرفات نبهان علاجًا شافيًا في مواضعها في الفصول الأحد عشر التي تشكل بالإضافة إلى الفصل الأخير عملاً علميًا ذا سبق وجدة وإبداع”.