هل يجب أن نصاب بالجنون لنصل إلى العبقرية؟




*سكوت باري كوفمان/ ترجمة وإعداد: آماليا داود



خاص ( ثقافات )
هل على المبدع أن يخاطر بالسباحة في بحر الجنون ليصل إلى جزيرة العبقرية ؟، وليس هنا الجنون بالمعنى الفعلي؛ العقل المبدع غالباً ما يكون فوضويا غير مترابط وتفكيكيا، وهذه الميزات هي التي تسمح للمبدع بجمع معلومات متناقضة من الواقع ، وقد أجريت العديد من الدراسات على موضوع الإبداع والجنون ، وفي هذه الدراسة اتضح مفتاح هذا اللغز من الناحية النفسية للإنسان من خلال عنصرين؛ الانفتاح والذكاء.
وتبين الدراسة أن الذكاء يمكن فصله عن الانفتاح سلوكياً وعصبياً ، فالذكاء مرتبط بالاكتشاف والتعامل مع أشكال مجردة أو دلالات الإدراك ، بينما الانفتاح مرتبط مع التجارب الحسية والإدراكية ، وهذا التقسيم المعرفي طرح العديد من الإشكاليات لعلماء النفس لفهم هذا النطاق؛ لأن النماذج الفكرية للإدراك تختلط مع الحدس ونماذح حسية للمعرفة.
وقد خلق هذا الوضع مفارقة؛ الذكاء والجنون وارتباطهما بالشكل السلبي، وارتباطهما بالشكل الإيجابي في الذكاء والانفتاح، اضطرابات الشخصية موجودة عند كل البشر وتقسم إلى نوعين إيجابية وسلبية.
وبما أننا عرفنا بعض المصطلحات، يمكننا الآن أن نتكلم عن دراسة دي يونغ وزملائه الذين قرروا بالنظر إلى التغيرات التي تحصل مع الإنسان الطبيعي، أن الاستسقاط* هو الجانب الإيجابي من اضطرابات الشخصية وهو أكثر دقة لهذه الظاهرة ودلالاتها أكثر حيادية من اضطرابات الشخصية ما قبل الفصام، وبذل العلماء الكثير من الجهود لقياس جانب الإدراك من الاستسقاط، وكان العلماء سابقاً متحيزين ضد الاستسقاط كنوع من التفكير، ربما اعتقدوا أنه يتناقض مع العلم الجيد، ويعتقد دويونغ وزملاؤه أنه مع البحث سوف يتم ربط الاستسقاط مع الذكاء والانفتاح.
ما هي القوى التي تبعد الذكاء عن الاستسقاط ؟
الأمر بسيط جداً، إنه الاستيعاب؛ أي حجم امتصاص المعلومات، إذا كان الأمر كذلك فهو يفسر العلاقة بين الانفتاح والإبداع. الدراسات وجدت أن النوم والأحلام تلهم الإبداع، ويعززها العمل الشاق؛ حسب دراسة حديثة لنيلسون ورولينجز على عينة من مئة فنان ( في مجالات الموسيقى البصرية والمسرح والأدب ) للربط بين الانفتاح والإبداع، وقد بينت النتائج أن الذين سجلوا مستويات أعلى من الإبداع، سجلوا أيضاً مستويات عالية من الاستيعاب والانفتاح، والاستيعاب مرتبط بالتدفق الإبداعي والحالة العقلية الحاضرة تماماً والغائبة في المهمة. التدفق مهم للإبداع، لكنه غير مرتبط بالذكاء.
بالطبع الكثير من الاستسقاط قد يكون خطيراً ، فقد تخطىء تعريف الأشياء بشكل متكرر، وبذلك تخاطر بالجنون الفعلي، والجانب المهم من الإبداع هو الموازنة بين التطرف للانفتاح والذكاء، وقد عبرت الأبحاث عن شكل ( U) لتأثير اضطرابات الشخصية على نتائج الإبداع.
نتائج دراسة دي يونغ وزملائه لخصت على النحو الآتي: 
” العبقرية تتطلب نظرة إلى الواقع الملموس، بينما الجنون هو ارتباك حول الواقع، ومع ذلك يبدو أن العبقرية والجنون مرتبطان بشكل ايجابي مع الانفتاح والذكاء، دون ميل إلى إدراك الأنماط التي تكون أساسية في الانفتاح، وليس من المرجح أن يؤدي الذكاء إلى الإبداع الملازم للعبقرية ، وربما بذلك العبقرية تحتاج إلى ذكاء وانفتاح عاليين المستوى، وعلى الإنسان أن يجازف بالجنون من أجل العبقرية”.
وملاحظات اندريا كوشفسكي في ” علم النفس المرضي الأساسي للإبداع” توضح ذلك: 
لولا تلك الجينات المضطربة ، لن تكون عبقريا بتلك الطريقة ، أن تكون في وسط الخيال ، ولا تبالغ في اتجاه معين يجعلك متزنا ، ولكن في الواقع ممل أيضاً، على الهامش تحصل كل الأشياء المثيرة، بعض الأشياء المثيرة تكون غير منضبطة وتنتهي باضطرابات نفسية، لكن بعض الأشخاص الذين يعانون من اكتئاب ثنائي القطب، الفصام والظروف النفسية الأخرى لديهم موهبة السيطرة المعرفية العالية المقترنة بتلك الصفات، ويصبحون هؤلاء العباقرة الذين نقدرهم ، ونسعى لنكون مثلهم ، وبحاجة لهم في هذا العالم بشكل يائس “.
وهنا تكون المعضلة قد حلت، يرتبط الانفتاح الإيجابي مع الذكاء؛ لكن العلاقة بعيدة عن الكمال، وهؤلاء الذين يملكون نسبة ذكاء وانفتاح عاليين هم عدد قليل من الناس، لكنهم ربما يتركون بصمتهم في هذا العالم ، لذا نعم علينا أن نخاطر بالجنون لنصل للإبداع لكن عليك أن تكون واعٍ كي لا تفقد السيطرة في العالم الواقعي.
الموهبة تصيب هدفا لا يمكن لأحد أن يصيبه، أما العبقرية فتصيب هدفا لا يمكن لأحد أن يراه “سليفادور دالي “.
________
*الانفتاح – عنصر من عناصر الشخصية الخمسة في علم النفس ويكون الشخص (فضولي/خلّاق، بالمقابل، ثابت/متحفظ). تقيس درجة فضول الشخص ورغبته للاكتشاف واستعداده لسماع الجديد والغريب (سواء تجارب وأنشطه أو أفكار ومفاهيم)، ومدى تقديره للفن والإبداع.
*الاستسقاط : هو محاولة ربط عدة أحداث أو أشياء منفصلة لا رابط يجمعها لتحميلها معنى جديدا ليس من أصل أي من الأحداث أو الأشياء نفسها كنوع من إضفاء الصفة العلمية أو المصداقية عليها أو إعطائها أهمية تفوق حجمها الحقيقي. وقد صُيغ هذا المصطلح في عام 1958 من قبل كونراد كلاوس، الذي عرفه بأنه “الصلات التي لا مبرر لها” متبوعة “بمقاصد غير طبيعية لتجربة معينة”.
_______
*المصدر : creativitypost

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *