سمير الزين
منذ اشتريت رواية بخور عدني ـ دار الساقي 2014ـ في القاهرة، تعطلت قراءتها عدة مرات لانشغالات في مسائل أخرى، أو أولويات قراءة. عندما قرأتها في السويد، شعرت بمفارقة غريبة، في العلاقة مع هذه الرواية، فأنا الفلسطيني المُهجر والمنفي بسبب الحرب في سوريا، أقرأ رواية لكاتبها اليمني المهجر والمنفي بسبب الحرب هناك، تتحدث عن فرنسي هارب من الحرب العالمية الثانية إلى عدن. ثلاثة هاربين من الحرب، ولكل واحد أسبابه، ولكن بصرف النظر عن الأسباب، فإن الحروب كارثة تفرض على البشر الانتقال إلى منافٍ جديدة، داخلية أو خارجية. ليس هذا المهم، المهم أنها تشكل تحولا قاسيا في حياتهم، وتجربة انعطافية، تجتث الحياة التي كانت قبلها. وبهذه المناسبة أتمنى السلامة للروائي علي المقري من الجحيم اليمني، ولا يعرف قسوة الجحيم، إلا من اختبره!
رغم الملاحظة الشخصية السابقة، فإن رواية بخور عدني ليست عن الفرار من الحرب، الفرار من الحرب، هو ذريعة روائية من أجل الكتابة عن عدن بعيون فرنسية. الرواية هي عن عدن المدينة المتنوعة، مدينة الجميع، العدنيون وغيرهم. رواية عن المتغيرات التي شهدتها المدينة في منتصف القرن العشرين، التي عملت على قصقصة تنوعها، وحصرها في هوية ضيقة جعلها تتراجع عن هويتها المتنوعة كحاضنة متسامحة مع جميع القادمين للعيش فيها، بتحويلهم إلى عدنيين بشكل أو بآخر.
فرانسوا الفرنسي الذي ينتحل شخصية صديقه ميشيل للتهرب من الحرب، هو من يخبرنا عن عدن، فهو سليم الجسد الذي يحمل قناعة مضادة للحرب، يتبادل الأدوار مع صديقه معتل الجسد المتحمس للحرب. أنها مفارقات الحياة، وخيارات البشر، التي تجعل فرانسوا يكتشف عندما يصل الى عدن أنه بات شخصاً آخر، ولم يعد يستطيع أن يكتب بصفته الشخصية، وبما أنه صار غير الذي كانه، وبالنسبة له أيضا «صار كل الذين ارتبطوا بي غيرهم«.
المستقبل