سماح عبد السلام
اطمأن وزير الثقافة المصري الدكتور عبد الواحد النبوي على صحة {شيخ النقاد} د. الطاهر مكي الذي يلازم سرير المرض منذ فترة وبدا د. مكي (90 عاماً) في صحة جيدة ويتمتع بروح وثابة متطلعة للحياة. في حواره مع «الجريدة» أكد امتنانه لكل المتصلين به للاطمئنان على حالته، وصب جام غضبه على ما تشهده الحياة الأدبية والنقدية من تدني المستوى مطالباً بثورة أدبية تفرز جيلاً جديداً.
تؤكد عدم وجود أدب أو نقد راهناً، ما دليلك على ذلك؟
فكرت وأنا أعطي دروساً في القصة القصيرة لطلابي بالجامعة أن أخذ قصصاً كُتب عنها في الصحف الكبرى، فقد تصورت أنه لا يصح لجريدة كبرى أن تنشر القصة إلا إذا كانت جيدة، ولكن بقرائتي للقصص وجدتها مليئة بالأخطاء النحوية واللغوية والإسلوبية والتي لا يقع فيها طلاب الفرقة الأولى. جئت بقصة أخرى وحاولت فهم ما يريد الكاتب قوله فلم أتوصل إلى شيء، الدليل على ذلك أن ثمة صحفاً في أعدادها الآخيرة تنشر قصصاً ليوسف إدريس وغيره من كبار الكتاب لأنها لم تجد في ما يرسل إليها ما يستحق النشر، فتقدم لنا قصصا نُشرت قبل خمسين عاماً.
الرواية مثل القصة من الناحية السلبية، ولكن الفرق بينهما أن عوار القصة يظهر بسهولة لأنها قصيرة، أما الرواية فتحتاج إلى قراءات عدة كي تصل إلى ما فيها من أخطاء. لم أجد رواية جيدة، الناس يتصورون أن من يكتب حكاية يقدم رواية، ما يُكتب حالياً حكايات مملة، وهذا هو الفرق بين الفن والثرثرة. يجذبني الفن، لذلك من قواعد النقد البديهية أن العمل الجيد هو الذي إذا بدأت قرائته لا تتركه حتى تكمله، لذا لم أجد إلا القليل جداً من الروايات الأخيرة التي تلفت الانتباه.
هل حال الشعر مثل الرواية والقصة أم يختلف إلى حد ما؟
انتهى الشعر، الشعراء الجيدون أوصدت في وجوههم الأبواب إذا استثنينا شاعراً جيداً هو فاروق جويدة ولمكانته في الأهرام يستطيع نشر ما يريد، يكتب شعراً جيداً وله {تفانين} في كتابته، ويعكس صورة المجتمع في شعره. كذلك الأمر بالنسبة إلى الشاعر أحمد غراب، ما عدا ذلك فهو كلام لا يرقى إلى مستوى الشعر.
برأي ناقدنا، هل أفرزت قصيدة النثر شعراء، خصوصاً أنك لم تشُر إلى أي من شعرائها كنموذج إيجابي كما ذكرت في التفعيلة؟
كيف تكون نثراً وتفرز شعراً، كيف تكون ناثراً وتكتب شعراً؟ هذه إدعاءات خاصة بأفراد يجلسون على المقاهي ويتصورون أنهم يعيدون ترتيب الكون، لا شيء اسمه قصيدة النثر، ولكن ثمة ما يسمى بالنثر الجميل الموقع ولا صلة له بالشعر. كانت مقالات الزيات نثراً جميلاً موقعاً، كنا نحفظها حباً فيها حيث تثبت في الذاكرة، كذلك القصص وترجماته وأبرزها {آلام سارتر}، والتي عندما كان يقرأها جيلي كان يبكي لما انتهت عليه حال الوطن وهي نثر. يوجد شعر أو نثر، ومن يكتب الشعر لا يكتب النثر. من يقول على النثر شعراً يخدع نفسه قبل أن يخدع الآخرين. الشعر الحر مات، لا أحد يذكر من كان يكتبه، فقد اختفى معظمهم من الساحة وبعضهم ظل محتفظاً بمكانته لأسباب لا علاقة لها بقوة الإبداع وإنما بالشللية وتبادل المصالح. كان بوزارة الثقافة اتجاه غربي لقتل القصيدة العربية، لذا شجعت من كتب كلاماً غير عربي أو لا يتبع التراث العربي. لا توجد ثقافة راهناً، أليس غريباً أن تنشر الوزارة عشرات الكتب لآخرين في الفترة الماضية بينما لا تنشر كتاباً واحداً للعقاد .
هل ترى أننا بحاجة إلى ثورة أدبية كي تقدم لنا حركة ثقافية جديدة؟
نعم، ولكن المشكلة أن الثورات تستغرق زمناً أيضاً كي تخلق ثورة أدبية. نضع القواعد الآن ولكن الناتج بعد ربع قرن، ولكن علينا أن نبدأ من الآن بالتعليم والبحث عن المواهب في الريف.
لكن ما أولويات النقد في الفترة الراهنة؟
أرى ضرورة أن تجتمع مجموعة جادة ممن يؤلمهم ضياع مكانة مصر الأدبية، ليفكروا لماذا تدهورت؟ كذبنا على أنفسنا وسيرنا في طريق غير حقيقي، وغيرنا كان جاداً لنكتشف في نهاية الطريق أن غيرنا سبقنا. ذهب المستشرق الفرنسي جاك بيرك إلى العراق منذ 30 عاماً ليرى الشعراء وقرأ الروايات فقال: ذهب العراق بالشعر وذهبت مصر بالرواية. ولا يزال هذا الكلام صادقاً حتى الآن، ولكني أضيف إليه الآن أن الجيل الجديد من الروائيين في تونس والجزائر والمغرب هو الذي يكتب الرواية والقصة الجديدة، لديهم لغتهم الفرنسية فإذا جمعوا إليها المعرفة الغربية حيث الانفتاح على الرواية الأوروبية وقراءتها في لغتها، لذا استفادوا من التقنيات الحديثة للقصة والرواية، وأتساءل هل يوجد لدينا روائيون وكتاب مثل نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس يقرأون روايات بلغات أجنبية فيستفيدون من تقنيتها؟ أشك في ذلك… الكتابة الآن {طق حنك}… وعندما نعترض يقُال إننا نُصادر حرية الكتابة. بالطبع، المبدع حر في ما يقول ولكن المتلقي حر في تذوق ما يشاء.
ترجمت عن الفرنسية والإسبانية، فكيف ترى حركة الترجمة في مصر؟
الترجمة صعبة جداً، لها قواعد وضعها المصريون. إذا رجعنا إلى الكتب التي ترجمتها لجنة التأليف والنشر والترجمة في الثلاثينيات والأربعينيات سنجدها رائعة من جهة الترجمة والمترجم نفسه. في الترجمات الأخيرة تسير بمنطق {أوكازيون وصاحبه غائب} يريدون عددا فقط، نجد كتبا تمت ترجمتها مرتين في المجلس الأعلى للثقافة وهيئة الكتاب فقط كي يتقاضى المؤلف أجراً عنها، بالإضافة إلى أن بعض الكتب المترجمة سيئ ومليء بالأخطاء.
كيف تجلى أثر الثقافة الإسبانية عليك وقد حصلت على شهادة دكتوراه من إسبانيا؟
هي نقلتني إلى العالم الحديث، أنا رجل من صعيد مصر، تخرجت في دار العلوم، وثقافتي تقليدية، ولكني ذهبت إلى إسبانيا مفتوح القلب والعقل وكنت مستعداً لتقبل كل شيء، وقد عرفت أننا نكذب على أنفسنا وعشت في إسبانيا سبع سنوات متتالية ولم يحدث يوماً ما عكر مزاجي، لما لا وقد حدث تفاهم ما دام الإنسان يسير في حدود القانون. ومن ناحية الثقافة، ورغم أنني عشت في فترة فرانكو وهي فترة فاشية وكانت ثمة رقابة كبيرة على الكتب ولم يكن يتوافر الإنترنت أنذاك، فلم يكن ثمة حجب أو منع للثقافة الأجنبية، كذلك شهدت ازدهارا للمسرح والروايات والمكتبات ومعارض الكتب.
ما رؤيتك للمشهد النقدي، لا سيما مع تعدد اتهامه بعدم مواكبته الحركة الإبداعية؟
النقد الحقيقي يحتاج إلى إبداع حقيقي. نفتقد إلى وجود إبداع أدبي، حيث دعاوى فارغة ليس وراءها شيئاً حقيقياً، وطالما خلت الساحة من الإبداع الحقيقي فلا نتوقع منها نقداً حقيقياً، ليس لدينا ما يستحق النقد ولكنه مجاملات.
في سطور
يرقد الدكتور الطاهر مكي على سرير المرض بمستشفى الدقي بالقاهرة، وهو من مواليد عام 1924، ويعد أحد أبرز النقاد في مصر والعالم العربي، وهو أكاديمي وباحث في الأندلسيات ومترجم ومحقق، حاصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب سنة 1992.
ولد الطاهر أحمد مكي في عائلة تنتمي إلى قبائل عرب المطاعنة في قرية كيمان المطاعنة التابعة لمركز إسنا بمحافظة الأقصر، التحق بالتعليم الأزهري، فحصل على الابتدائية من المعهد الديني بقنا، ثم انتقل في المرحلة الثانوية إلى القاهرة، تخرج مكي في كلية دار العلوم بالقاهرة عام 1952، وفي عام 1961 حصل على دكتوراه الدولة في الأدب والفلسفة بتقدير ممتاز من كلية الآداب بالجامعة المركزية بالعاصمة الإسبانية مدريد. عمل مكي مدرساً، ثم أستاذاً مساعداً، ثم أستاذاً، فرئيس قسم الدراسات الأدبية، ثم وكيلاً لكلية دار العلوم للدراسات العليا والبحوث حتى عام 1989، وقد شغل وظائف عدة في قطاعات التعليم العام والجامعي والدراسات العليا، ويعمل الآن أستاذاً متفرغاً بكلية دار العلوم. قضى مكي سنوات عدة أستاذاً زائراً بجامعة بوغوتا الكولومبية، تعرف فيها إلى الأدب المكتوب بالإسبانية في أميركا اللاتينية، كذلك عمل أستاذاً زائراً في جامعات تونس ومدريد والمغرب والجزائر والإمارات العربية.
• من كتاباته:
– {امرؤ القيس: حياته وشعره}.
– {بابلو نيرودا شاعر الحب والنضال}
– {القصة القصيرة: دراسة ومختارات}
– {الشعر العربي المعاصر}
– {الأدب المقارن: أصوله وتطوره ومناهجه مقدمة في الأدب الإسلامي المقارن.
الجريدة الكويتية