حوار : عبير يونس
تركز الروائية الإماراتية تهاني الهاشمي في كتابتها على الحالات الإنسانية، وتغوص عميقاً في النفس البشرية لتوصل رسائلها بلغة شعرية، تبرهن على تمرسها وتمكنها من أدواتها الأدبية، التي رمت بظلالها على أدق تفاصيل شخوص روايتها، وانفعالاتهم، وهو ما انعكس على تفاعل القراء معها، إذ كانت روايتها «جرف هار»، من أكثر الكتب مبيعاً، بحسب إحصائية مكتبة «كينوكونيا».
الصدى الذي لاقته هذه الرواية دفع دار مداد للنشر والتوزيع في دبي، لتقديمها إلى الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر). «بيان الكتب» التقى الهاشمي، فقدمت رأيها حول الرواية والكتابة والحراك الأدبي والثقافي وانتقدت «الشللية» التي تطغى على الأوساط الأدبية، هذه المجموعات، التي قالت إنها عليها أن تعيد ترتيب نفسها، كي تحتوي كفاءات أكثر.
رشحت دار مداد روايتك للبوكر العربية فكيف كان وقع هذا الخبر عليك؟
عندما كتبت الرواية لم أفكر في المشاركة في الجوائز، أو الحصول على جوائز، وكل ما طمحت إليه عند نشر الرواية، أن تصل للقراء، ولكن إن حدث وحصلت على هذه الجائزة سيكون هذا شرفاً كبيراً بالنسبة لي، لأنها من أهم الجوائز على مستوى العالم العربي، وحتى مجرد المشاركة من قبل الدار يعني اعترافاً بمستوى الرواية، خاصة وأني أول روائية إماراتية تترشح من قبل الدار للمشاركة في البوكر العربية.
طقوس
ما الصعوبات التي واجهتك وأنت تكتبين الرواية وكم استغرقت في كتابتها؟
بقيت سنتين في كتابة الرواية، وروايتي تتحدث عن الرجل والمرأة، وكلاهما يتكلم عن نفسه ويكشف الكثير من مشاعره، وبالنسبة لي الكتابة على لسان الرجل كانت صعبة، فالمرأة تفكر بطريقة مختلفة عن الرجل، الذي يفكر بزاوية قد تكون غريبة جداً عن تفكير المرأة.
هل عاشت أجواء الرواية بداخلك لوقت طويل قبل أن تكتبيها، وهل فكرت في ما بعد بالتعديل عليها؟
بعد أن عشت الفكرة كتبت المقدمة، وبقيت فترة في تكوين أجواء الرواية، أعود خلالها إلى الصفحات الأولى وأحاول أن أسلسل ما كتبته، وبعد ذلك بدأت أكتب الرواية بشكل أسرع.
لماذا اخترت «جرف هار» عنواناً لروايتك، خاصة وأنها عبارة وردت في القرآن الكريم؟
كل أحد سواء كان رجلاً أو امرأة يمر في حياته بمنحنيات صعود وهبوط، تؤثر فيه كإنسان، وقد يمر أحدنا في وضع صعب كأنه جرف هار يسقط إلى الهاوية، وهو ما يدفعه إلى العودة لجذوره، فإذا كانت صالحة وطيبة، سيتعدى جرف كهذا مهما واجه من مشكلات وعوائق، ويعود بالتالي إلى أصله، ولذلك استخدمت هذا التوصيف.
هاجس الكتابة
كانت روايتك الأولى «حب في الزحام» هي التي أدخلتك إلى عالم الرواية ومن خلالها تعرف الناس عليك فما هو موضوعها ؟
الرواية التي صدرت في العام 2012 كانت أكثر بساطة من روايتي الثانية، وكتبتها بطريقة المذاكرات من خلال البطلة ناديا التي تكتب مذكراتها، وتكشف عن معانتها، من طلاق والديها، واحتياجها لوجود رجل يعوض غياب الأب عن حياتها، خاصة وأن والدتها منشغلة بنفسها، وهو ما يؤثر سلباً على «ناديا» وأحداث هذه الرواية جعلتها رائجة بين فئة طلاب وطالبات الجامعة.
ما الذي جعلك تتجهين إلى الكتابة وإلى الرواية تحديداً؟
الكتابة هاجسي منذ كنت في المدرسة، ولهذا كنت أفضل درس التعبير، لأعبر عن هواجسي وحاجتي للبوح عن أمور كثيرة فالكتابة أقرب للتعبير عن نفسي، ولهذا أنشأت مدونة نشرت فيها مقالاتي وقصصي، ومن ثم بدأت بكتابة الرواية، لأحقق بهذا حلماً كثيراً ما راودني.
هل استشرت أحداً من الروائيين قبل إصدار روايتك الأولى؟
قبل إصدار «حب في الزحام» أرسلتها للدكتور يوسف المدفعي، الذي شجعني بدوره على نشرها، بل أكد لي بأنها يجب أن تنشر.
ما الصدى الذي لاقيتيه بعد نشر أول رواية؟
كانت الرواية من أكثر الكتب مبيعاً في معرض الشارقة الدولي للكتاب، وكانت البداية بالنسبة لي ولم يعرف فيها أحد من قبل اسمي.
آراء
إلى أي مدى تحضرين في روايتك؟
أرتبط كثيراً بما أكتب، وأحاول أن أقولب الحب بصورة قريبة إلى مفهوم القارئ، فالحب كثيراً ما يرتبط برجل وامرأة، لكن توجد أوجه أخرى للحب..
فالإنسان اول ما يخلق يحب ذاته، ويحب أمه، وأشياءه، ومن ثم يتعرف على أشكال أخرى من الحب الذي يعتبر مفهوماً واسعاً، يمكنه أن يمنح الإنسان الشغف ويجعله ناجحاً بما يعمل، هذا المفهوم يشغلني في كل كتاباتي التي أحاول من خلالها أن أظهر الكثير من الإيجابية، لأجل أن نكون أفضل في حياتنا، وأبتعد عن تجاربي الشخصية، لكي أرى الأمور بشكل منطقي ومكتمل.
هل تعتقدين أن هناك اختلافاً بين كتابات الرجل والمرأة؟
المرأة إنسانة، وكل إنسان يطرح قضيته، ويبقى الاختلاف في كيفية طرحها.
هناك الكثير من القراء يربطون ما يقرؤونه بشخصية الكاتب فما رأيك بهذا؟
أعتقد ان هذا يعبر عن ثقافة القارئ، وربما يكون حديثاً في مجال القراءة، ولا نقدر على أن ننتقي منهم، لكن في المحصلة نحن نكتب للجميع، بمن فيهم القارئ الواعي.
هل ستستمرين في الكتابة؟
أخاف حقاً أن أتوقف، وربما هذا الخوف سيكون دافعي إلى الاستمرارية.
كيف تنظرين إلى الحراك الأدبي والثقافي في الدولة؟
لدينا نوع من «الشللية» وهو ما ينتج نوعاً من الشخصنة في الوسط الأدبي، وأعتقد أنه يجب على هذه المجموعات أن تعيد ترتيب نفسها لأجل أن تحتوي كفاءات أكثر.
ما نوعية الكتب التي عادة ما تطالعينها؟
أطالع الكتب عموماً وبالأخص الروايات، وكثيراً ما أقرأ في الأدب العربي.
«جرف هار» صراع نفسي وتمرد وهذيان
تعكس رواية «جرف هار» الكثير من الصراعات النفسية، التي يمر بها الإنسان من خلال شخصية امرأة تدعى «انفال» وزوجها «محمد» الذي قاده عمله الدبلوماسي إلى الولايات المتحدة الأميركية، وهناك تدخل في علاقة مع رجل آخر يسكن في ذات الولاية التي تعيش فيها هي وزوجها، وذلك كنتيجة لتعامل زوجها السيء معها. فمحمد شخصية ذكورية، تفكيره اناني جداً يعتبر نفسه بأنه رجل ناجح..
وبالتالي فكل امرأة ترتبط به ستكون جزءاً من حياته، وتصرفه من هذا المنطلق هو ما يجعله يحتقر زوجته، خاصة انها امرأة غير متعلمة، ومهملة لنفسها، لكن بعد تعرفها على الرجل الآخر عاشت حالة من التمرد، للخروج من الدونية التي تعيشها وهو ما انعكس على مظهرها الذي تغير تماماً، بعد مساندة الرجل الآخر الذي يعمل طبيب تجميل، وبعد أن عاشت معه حالة مثالية قرر فجأة أن يتخلص من هذه العلاقة.
وبهذا تطرح الكاتبة كيف يمكن لهذين الزوجين أن يخرجا من هذه العلاقة. الرواية الصادرة عن دار «مداد» للنشر والتوزيع في دبي، جاءت عبر 280 صفحة من القطع المتوسط، حمل غلافها الأخير مقطعاً يبين أسلوب الكاتبة الذي يميل للشاعرية إذ قالت: «لهفة القبلة الأولى في وريدي ما زالت محبوسة كأنفاس ارتباكي بين ضلوعك باتت مملوكة.. روح تنقلت بين كف وكف، وبصمة أصبع مغموسة».
– عن البيان