موت الناقد الأدبي؟


*عبدالوهاب أبو زيد

هل يأتي يوم ينتهي فيه دور الناقد إجمالاً، والناقد الأدبي على وجه التحديد؟ ربما يكون في هذا السؤال نوع من الشطط والإفراط في التشاؤم، وربما النزعة إلى إحداث نوع من «الإثارة الثقافية» إذا صح التعبير، بين الحين والآخر. لكن، ولم لا؟

أحد مبررات هذا طرح مثل هذا السؤال الصادم هو أن القارئ العام في الوقت الراهن لم يعد مجرد متلقٍ سلبي لما يطرحه النقاد المتمرسون والمكرسون و«المحترفون» عادة في وسائل النشر التقليدية كما كان حدث وظل يحدث على مدى سنوات طويلة قبل اندلاع شرارة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي والمدونات الخاصة والمواقع المتخصصة في مراجعات الكتب مثل «جودريدز”.
وكما أشار الروائي والمترجم بدر السماري في موقعه على الفيسبوك فإن الكثير مما يكتب في ذلك الموقع (أي الجودريدز- goodreads) من مراجعات للكتب الجديدة بأقلام قراء مجهولين أو أسماء مستعارة تحمل نفساً نقدياً جيداً وتنم عن قدرة على التحليل وامتلاك لناصية اللغة؛ فهي ليــست بحاجة إلا إلى قدر قليل من التحرير والمراجعة لتكون صالحة للنشر في الصــحف وربما المجلات المتخصصة كقراءات نقدية ناضجة للأعمال والكتب الجديدة.
وغني عن الذكر أن مثل هذا الكلام لا ينطبق على جميع ما ينشــر في مثل تلك المواقع، إلا أن هناك تنــامياً واضحاً لأصوات تملك وعياً وملــكة نــقديتين جديريتين بالالتفات إليها والاستماع لما لديها من قول. والجميل في الأمر أن هذه الأصوات لا تكتب إلا بدافع ذاتي في الأغلب، مدفوعة بروح «الهواية»، وبعيداً عن أوشاب «الاحتراف» بكل ما يلفه من تساؤلات وعلامات استفهام أو تعجب أحياناً.
لقد كان للنقد، وبالتالي للناقد، سطوته وسلطته المعرفية التي يمارسها على النصوص وأصحابها، بحيث يمكن لناقد ما أن يرفع من معنويات مبدع ما أو يحط منها إلى درجة دفعه لهجر الكتابة والابتعاد عنها كلياً، كما حدث مع طه حسين وشاعر الأطلال إبراهيم ناجي؛ فحين أصدر ناجي ديوانه (وراء الغمام)، كتب عنه طه حسين كتابة قاسية، فما كان من ناجي إلا أن قال إنه لن يعود لكتـابة الشعر مرة ثانية، وحين نُقل لعمـيد الأدب العربي قال ما معناه: إن كان شـاعراً حقاً فلن يستطيع أن يترك الشعر. وهـو ما حدث بالفعل لحسن الحظ.
وهذه المقالة لا تزعم ولا تدعي ولا تتوقع في حقيقة الأمـر أن يأتي يوم نكون فيه بغنى عن النقد المتخصص الجاد الذي يكتبه نقاد متخصصون تضلعوا في دراسة النقد ومدارسه وأساليبه ونظرياته، غير أن هناك مجالاً وهامشاً ما فتئ يتوسع لمزيد من الإسهام الغني والمثري أيضاً من قبل القارئ العام غير المتخـصص في خـلق مشهد نقدي عام أكثر رحابـة وتــنوعاً وتعدداً، وربما أقل جدية وتجــهماً.
_________
*الشرق 

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *