كيف تصبح كاتبا؟.. حوار مع عبد الفتاح كيليطو*


حوار:عبد السلام الشدادي وماري رودوني/ ترجمة : سعيد بوخليط


خاص ( ثقافات )
1-س-كيف صرت كاتبا؟.
ج-لدي بعض التحفظ، في أن أعتبر نفسي كاتبا .وإذا لزم الأمر، فأنا مجرد ممارس لنشاط، مستعيدا بهذا الخصوص منظور رولان بارت.أما كاتب،فتبدو إلي، مغالية في الادعاء،لأن إنتاجي الأدبي، ضعيف جدا،وقد أنجزت بالأحرى عمل صاحب محاولات.مع ذلك، فحلم الكتابة لم يفارقني قط،ربما منذ أن تعلمت، القراءة.
إن قارئا،يهتدي تقريبا بوعي،كي يحاكي ويقلد ويحتذي بما قرأه.وخلال يوم، سينبثق الشرط الحاسم،مثلما حدث بشكل رائع مع فيكتور هيغو، في سن الرابعة عشر : ((سأصبح شاتوبريان أو لاشيء)).ميولات، تولد أحيانا،مع قراءة سير الكتّاب،ثم يتراءى نموذج ما،فتقول لنفسك :سأجرب بدوري.فيما يخصني،هناك سبب آخر، قادني نحو الكتابة.وأنا تلميذ،كنت ضعيفا في المواد العلمية،لكني “قويا” كفاية،في التأليف بالفرنسية والتعبير الإنشائي العربي.فماذا بوسعي، أن أفعل، سوى الكتابة حول هذا الموضوع أو ذاك، في صفحتين أو ثلاثة.تواصل هذا الأمر،بحيث لا يتجاوز حجم مقالاتي،هذا العدد. 
2-س-هل تكتب نتيجة عشق للغة ولذة الحكي،أو لحاجة داخلية،سعيا لكي تبلور شيئا،لاتدركه لكنه يجبرك على الكتابة؟
ج-هو رهان، لا تقتسمه بالضرورة مع الآخرين،بل، مع ذاتك، محاولا أن تنهض به.أيضا،الإيمان بفضيلة العمل، وثمرة المجهود.في البداية، النص لاشيء،مجرد خليط وركام وسديم مضطرب،لكن رويدا رويدا،ويوما بعد يوم،يأخذ شكلا،ثم أخيرا ،لابأس. 
3-س-هل توجد لحظة محددة، تتملكك أثناءها رغبة أن تلتمس من الآخر، قراءة ماكتبته؟. 
ج-عرضت نصوصي على أساتذة لقراءتها،وبدا بأنهم ثمنوا كتاباتي.كان بوسعي،أن أبدأ مبكرا جدا مسارا أدبيا،لكن خارج المدرسة ينعدم كل تحفيز يمكنك الاستناد عليه،فلا شخص يطلب منك أن تكتب،بل يسعون بالأحرى تحويلك عن اتجاهك.الانزعاج، الذي تكشف عنه عيني أحدهم،حينما تطلب منه رأيه في نصوصك… .فضلا عن هذا،اعتُبر ولا زال التصور قائما إلى اليوم،بشكل واسع،أن دراسة الأدب،مثل نشاط كسول، طفيلي، يناسب فقط الحالمين غير الموهوبين، في المواد الجادة.. 
4-س-هناك خرق، تحتم إنجازه؟
ج-خرق، ربما كلمة قوية جدا.لنقل، بالأحرى،هو منفى اختياري في الأدب.أنت متواجد بين ثنايا ما يخصك،لكن فكرك منشغل بأشخاص آخرين،يسكنون قراءاتك… . 
5-س-هل تتذكر نصا كتبته،فشكّل نصك الأول، ككاتب؟. 
ج-في سن الرابعة عشر، بعثت إلى الراديو نصا سرديا بالعربية،باسم مستعار،أذيع ضمن برنامج أدبي. ثم كتبت نصا ثانيا، بتوقيعي هذه المرة،لكني لم أحتفظ به. 
6-س-هل يمكننا الآن، أن نصدر، هذا النص الأول؟. 
ج-لاوجود له،لقد أتلفته،مثلما فعلت مع مختلف ماكتبته خلال تلك الحقبة،ثم فيما بعد :قصائد وسرد. 
7-س-لماذا أتلفتها؟
ج- في قيروة نفسي،كان لدي إيمان (لايهم إن كان مبررا أم لا؟)،نحو التطلع،لكن في ذات الوقت،انتابتني لحظات طويلة من الشك المؤرق :ماجدوى ذلك؟كذلك،قراءاتي لم تكن مرتبة،بحيث أتحمس لكاتب أو عمل،لكن سرعان ماتتحول مشاعر الحب، إلى عدم الرغبة في سماع شيء عنه،فألقي بالكتب جانبا… .تصرف، من تصرفات الحرية، إذا أردنا.لقد خصصت بحثي في السلك الثالث، إلى فرانسوا مورياك، لكن مباشرة بعد مناقشة الأطروحة،تخلصت من كتبه،وكنت مضطرا كي انتقل إلى شيء آخر.أنفصل عن كتبي، كما النصوص التي أكتب. هناك سؤال طرحته، وأنا أقرأ بروست :كيف بوسع المرء،أن يكتب ويجرؤ على الكتابة،بعد نص : البحث عن الزمن الضائع؟إلى اللحظة،تبينت أنه إذا تخلينا عن الكتابة، نتخلى كذلك عن القراءة.هما عمليتان، مترابطتان حميميا.فحينما تقرأ، تؤلف في نفس الوقت، روايتك الخاصة.مثلا،تتكهن بنهاية ليست بالضرورة، تلك التي توقعها الكاتب.أيضا،كم هي المرات التي تشرئب، فيها نحو إعطاء،تتمة إلى الحكاية التي أتيت على قراءتها !. . 
8-س-أعود إلى تأكيدك الأولي :أنا مجرد ممارس لنشاط وليس كاتبا،بالتالي، يوجد كتّاب يستحقون التسمية، وآخرون ليسوا كذلك؟. 
ج-حتى، أكون مختزلا ،يظل الأسلوب هاجسا أوليا لدى الكاتب،بينما ينحدر إلى مستوى ثان،عند غيرهم.نستعيد هنا كلمة،بول فاليري : ((يكلف الأسلوب،غاليا)). 
9-س-ألا يمكن القول كذلك،أنه كي تكتب يلزمك في الآن ذاته، نسيان ماقرأته،وأن نمارس فعل قطيعة مع قراءاتنا،مثلما أنه بعد قراءة بروست، يلزمك التخلص منه كي تكتب؟. 
ج-يمكننا محاكاة، أو توهم أننا نحاكي بروست.في الغالب،قارئو البحث عن الزمن الضائع،يحلمون بكتابة سيرهم.لكن الكاتب الذي لم ينجح أحد في إعادة نمذجته هو كافكا،بحيث تميز عالمه بفرادة شديدة،يستحيل مضاهاته.جازف موريس بلا نشو، لكنه لم يكن مقنعا. 
10-س-نعود إلى السؤال الجوهري :ماهي علاقتك الشخصية بالأدب؟.
ج-لاأذكر، انقضاء يوم واحد،دون أن أتصفح كتابا،وحينما كنت شابا، أشعر بالغضب،عندما ألمح من حولي ،لايقرؤون.أزن، ببساطة حقا،كل مايخسرونه، جراء عدم اكتراثهم بالأدب.بالنسبة للبعض،لقد تعودوا على النصوص المقدسة،والكتاب بالنسبة إليهم، يبقى القرآن،ثم الكتاب المدرسي الذي تلزمه سلطة المعلم والأستاذ،مما يعكس كذلك نوعا من القداسة. خارج هذا الإطار،يشعرون بالتيه، ولارغبة لهم بالقراءة. مع ذلك،أي سعادة تغمرك، حينما تتحسس وأنت طفل،قدرتك على أن تقرأ بمفردك كتابا !هذا يطبع أول كتاب، نجحنا في قراءته. 
11-س-بالنسبة إليك،فالأدب إذن حيوي،بأي معنى؟
ج-الكاتب، هو نظرة غير مسبوقة إلى العالم، ومع كل مرة تختلف النظرة.حينما تضع أياديك على كاتب كبير :سيلين، بيكيت،كونديرا، بيريك…،فهذا يشكل وحيا،ويحدث صدمة،كما حدث معي، لما قرأت لأول مرة :مائة عام من العزلة.فمنذ الجملة الأولى،يسري مفعول السحر ثم يهتز العالم.أيضا،يخلصنا الأدب من أفكارنا السيئة.أحيانا،نظن بأننا الوحيدين،الذين يضمرونها،لكن حين نتصفحها في الكتب ، تغدو بالتالي مشتركة. 
12-س-هل تكتشف ذاتك، بل وذوات أخرى، حين تكتب مثلما تنظر بطريقة مغايرة إلى العالم؟. 
ج-لقد كنت دائما،مشدوها نحو عنوان لبودلير :صار قلبي عاريا . ربما، هكذا الكتابة.
-13 س-في كتابك :خصومة الصور،تستحضر الرسوم المتحركة؟ فأي دور لعبته بخصوصك تكوينك؟.
ج-لقد تعلمت الفرنسية،بفضل حكايات الرسوم المتحركة.اشتريت كمية كبيرة منها، من بائع للكتب في المدينة. هكذا بسنتيمات معدودة،تعيش عالما مدهشا. 
14-س-هل تذكر، أول كتاب قرأته؟
ج-ألف ليلة وليلة،لكني أظنه استيهاما،وإعادة بناء للماضي.أيضا،”حرب النار” أو “آخِر الموهيكان “،اكتشفت مبكرا جدا المنفلوطي،ثم صادفت نصوصه ثانية في المدرسة،وقرأتها كلها.بدون أن يعرف كلمة واحدة عن لغة موليير، ترجم المنفلوطي كتبا من الفرنسية إلى العربية :بول وفيرجيني،سيرانو دي برجراك،غادة الكاميليا… .لقد، حكوا له مضامينها،ثم أفرط في اقتباسه ،لكن كم رائع أسلوبه وخطابه !وكم كان تأثيره قويا، على القراء المنتمين إلى جيلي !بفضله،سكنتي رغبة الكتابة، باللغة العربية. 
15-س- الأدب الشفوي، من الأهمية بمكان، ضمن نسيج الأدب المغربي،فهل لعب دورا كبيرا في تكوينك؟
ج-نعم الحكايات،والمسلسلات الإذاعية، على سبيل الذكرمسلسل “الأزَلية”،بحيث تبدو شوارع الرباط فارغة لحظة بداية بثها.سرد الحكايا، داخل أفراد الأسرة الواحدة، كان تخصصا نسائيا.لاأعرف، إلى أي حد لعب الأدب الشفوي، دورا في تكويني.خلال تلك الحقبة،لم تكن النظرة إليه سليمة بما يكفي،أو شابتها العجرفة.غير، أن الأشياء، تغيرت فيما بعد.سندرك خارج أسوار المدرسة،بأنه موضوع جيد للتأمل.
16-س-أعود إلى شغفك بالرسوم المتحركة،هل أثرت في طريقة كتابتك؟. 
ج-بالتأكيد،لقد استحضرت في كتابي : خصومة الصور، شخصية”ميكي لورانجر”،مراهق يصطحبه رفيقان الأستاذ “سينيي ” و”دوبل روم”،كلاهما مدمن على السكر.أما،ميكي فلا يشرب سوى الحليب.هكذا،حينما ولج مقهى،طلب حليبا،مما عرضه لسخرية رعاة البقر،فكان مجبرا على العراك كي يدافع عن حقه،لتناول مشروب الحليب،وليس نبيذ الويسكي مثلهم.هذا المقطع،يلزمك مدى الحياة ،أي الحق في الاختلاف.بالتأكيد،أتماثل هنا مع شارب الحليب. 
17-س-هل من كتّاب، خلال طفولتك، اثروا فيك أكثر من آخرين؟و خلقوا لديك صورا قوية لتغذية كتابتك؟. 
ج-نعم رواية مثل “موبي ديك”،وشيئا ما، ديستويفسكي، فيما بعد.كثير من المراهقين،يشرعون حين قراءته، في التصرف مثل شخصياته.يهيمن عليهم الصمت، ويبدون كأنهم متكبرون،ينزاحون عن محيطهم،ويتوخون التميز بإفصاحهم عن أفكار جريئة.المدهش،أننا نتماهى مع أغلب شخصيات الكاتب الروسي،وليس فقط بطل الرواية،إن كان واحدا. الأمر،ليس كذلك، مع الإخوة كرامازوف. 
18-س-هناك سؤال أكثر دقة شيئا ما.أنت، صاحب تكوين،مزدوج في الأدبين العربي والفرنسي.كيف،ينتظم لديك الرافدان،هل يتصارعان أم يتعاونان ؟وهل يهيمن أحدهما على الثاني؟. 
ج-منذ طفولتي، قرأت باللغتين.نستفسر، كاتبا حول اللغة، التي يكتب بها،لكننا لانسأله أبدا عن لغته للقراءة.مع ذلك، هو إشكال يجدر طرحه على كل كاتب مغاربي.من جهتي،أفضل عدم التدخل في الترجمة ،لكن حينما يلزم الأمر،أحب بالأحرى، أن أترجم من الفرنسية إلى العربية، عوض من العربية إلى الفرنسية.هذا دال(صحيح أني تعلمت القراءة والكتابة بالعربية،قبل بداية تهجي للفرنسية).هل تتصارع اللغات؟لقد قاربت الإشكالية،في مؤلفي :(لسان آدم)و(لن تتكلم لغتي) ، ربما هو موضوع كل نصوصي.كتابي الآخر،المعنون ب : ) حصان نيتشه(،كان من المفترض صدوره بداية باللغة العربية،وأحتفظ له بمسودة مكتوبة بهذه اللغة ،مغايرة للنص مثلما ظهر في صيغته النهائية.لماذا تحولت إلى الفرنسية؟،بلا شك،للتخلص من حالة عجز،ربما مااستطعت إتمام هذا الكتاب، لولا منفذ الفرنسية. 
19 –س-هل لديك الانطباع،أنك تعبر عن بعض الأشياء بواسطة لغة خاصة أكثر، أو لا تهتم بالأمر؟. 
ج-أقول،دون تمييز. يسهل الإقرار، أننا أكثر حرية مع الفرنسية،لكن ذلك مجرد أسطورة،على الأقل فيما يخصني. 
20-س-مع ذلك توجد نصوص مهمة،عبرت عن نفسها بالعربية وأخرى بالفرنسية،هل تخبرنا عن الدافع الذي جعلك تكتب، بلغة دون أخرى؟. 
ج-لاينبغي أن ننسى ظاهرة ”الطلب”الجامعي أو الودّي.إذا كتبت،عملي( الكتابة والتناسخ) ،فلأن تزفيتان تودوروف،شجعني للتفكير في تجميع مقالاتي(نشرت أشياء صغيرة على صفحات مجلات”poétique”و”studia islamique ” ومواقع أخرى) ، بشكل يجعل منها كتابا ينطوي على انسجام ما. بالتالي، بغير تحفيز اقتراح تودوروف، ما استطاع هذا العمل أن يرى النور. 
21-س-في هذا الحالة، يتعلق السياق بلقاء؟ 
ج-نعم هو لقاء، لكن مع محاور موهوب. 
22 –س-هل من مخاطبين آخرين،وجهوك كي تكتب،وتطور بعض أفكارك،وسبر أغوار حقول معينة؟
ج-نعم أنا ممتن ،إلى محمد أركون،وأندري ميكيل، ولوسيت فالونسيValensi،وروث غروريشارGrosrichard . 
23 –س-أعود مرة أخرى إلى سؤالي السابق،ألا يوجد داع خلال لحظة ما،يجعلك تكتب بالعربية أو الفرنسية؟. 
ج-نعم، بالتأكيد هناك مبررات عميقة،لكن مايتحتم قوله بهذا الخصوص،أن راحتي (إذا جاز استعمال هذه الكلمة)، تظل المصدر الموجه لاختياري. حين، أشعر أثناء الكتابة بالفرنسية،أني وسط طريق مسدود، أعيد كل شيء بالعربية،وأفعل ذات الأمر في الاتجاه المغاير.تضيع وقتا كبيرا،لكن من يدري،ربما ليس الأمر كذلك.في كتابي : خصومة الصور،فإن الفصل المعنون،ب :بنت أخ دون كيشوط،صدر بداية بالعربية،ولم تكن وقتها فكرة الكتاب حاضرة لدي.بوسعي، تقديم أمثلة أخرى، وأعرض مسودات غير مكتملة بعد.
24-س-في نهاية المطاف، لغتك ككاتب،هذه اللغة المزدوجة،وانتقالك من لغة إلى ثانية،معطى شكل فرادتك؟ 
ج-أعتقد في البلدان المغاربية،كل كاتب تقريبا يكتب أو يفكر في إطار لغتين،بحيث لا أعرف نصا ”خالصا”. 
25-س-مع ذلك هناك كتّاب،ليس في مقدورهم سوى الكتابة بلغة واحدة، تعلموا العربية العامية خلال طفولتهم،لكن دون أن ينهلوا من معِين، الأدب العربي، بكيفية متواصلة.أعرف أطباء نفسانيين وسوسيولوجيين،وكتّاب أيضا،لايجرؤون على الكتابة باللغتين؟.
ج-ببساطة،ودون البحث عن تفسير آخر،لأنهم لايقرؤون، باللغة الأخرى، أي العربية. 
26-س-يظهر إليّ،أن تجربتك متفردة جدا؟.
ج-أشير إلى آخرين، مثل عبد الله العروي… 
27-س-لكنه ألم يكتب بعض نصوصه النظرية بالفرنسية،والأكثر أدبية بالعربية؟بالتالي، ليس الأمر عفويا، مثلما قلت. لقد قرر :الأدب، سأكتبه بالعربية، بينما كل ماهو علمي، سوسيولوجي،فسيكون باللغة الفرنسية؟لذلك، انحاز إلى جانب كتابة الذاتي بالعربية.تصور مغاير، لوضعيتك؟. 
ج-بالضبط، لقد كتب نصوصه الأدبية بالعربية،أما بالنسبة للباقي،فجاء بالعربية أو الفرنسية.مع التذكير،أنه انكب بنفسه على ترجمة، ما أنجزه بالعربية إلى الفرنسية. من بمقدوره في المغرب،أن يترجم من العربية إلى الفرنسية؟أظنهم،أقلية. 
28-س-إلى جانب العربية والفرنسية،فأنت عارف باللغة الألمانية،بالتالي لديك نافذة نحو الأدب الألماني. فهل لعب هذا المكون،دورا بخصوص حساسيتك الأدبية؟
ج-جانب، لا يمكن إهماله بالنسبة إلى تكويني.لاأستطيع، أن أقول،بالتحديد حمولة الأدب الألماني بالنسبة إلي.هكذا قرأت نيتشه وآخرين كثيرين،بالوقوف على نصوصهم الأصلية. 
29-س-هل بوسعنا، العثور ضمن ما كتبته، عن ذكريات وإيحاءات للأدب الألماني؟.
ج-في فوست ل غوته، مايتعلق من بعض النواحي،باللحظة الحاضرة.يرفض، فوست أن يقول لها:توقفي ،أنت بالغة الحسن.لقد استلهمت ذلك في أحد نصوصي. توقف أنت على قدر من الجمال :هذا يمثل عنوانا رائعا.لمسات طفيفة،تنبثق ثانية هنا وهناك،منها عنوان :حصان نيتشه.من بين شخصيات،هذا السرد ،نعثر على صنديد في القراءة،شخص كافكاوي إلى حد ما.أيضا،استفدت كثيرا، بالاطلاع على بعض كتابات المستعربين الألمان.بفضل، اللغة الألمانية،عاودت الاتصال ثانية بثقافتي الأصلية،لتهيئ دراسات حول القرآن والعلوم الإسلامية الأساسية.هو تقليد أصيل ينحدر من القرن التاسع عشر.حاليا، تتبلور مشاريع ل”جوزيف فان إيس”van Ess،حول الثيولوجيا الإسلامية،وكذا تلك التي ينجزها “فولفهارت هينريش”Heinrichsحول الشعرية العربية.كنت، سأهمل أشياء كثيرة مهمة،في حالة عدم معرفتي بالألمانية. 
30-س-هل قرأت كافكا،بالألمانية؟
ج-نعم من السهل قراءته،بل وقمت بذلك وأنا تلميذ في الثانوية.أيضا،قرأت بالألمانية مؤلفات كلايست kleist، فالاداFallada،هاينHeine،بينما اكتفيت بالفرنسية فيما يتعلق ب روبير موزيلMusil،وتوماس مان Mann،وغونتر غراس Grass . 
31 –س-هل بادرت إلى انفتاحات أخرى، تهم الآداب العالمية؟. 
ج-يظل الأدب الأسيوي، بالنسبة إلي لغزا،وبالتأكيد يشكل هذا ثغرة كبيرة،بحيث لم يتجاوز الأمر مجرد لقاءات عابرة… .قراءة دوس باسوس passos،ستلهمني وكذلك مع جويس .Joyceفعندما تقرأ كاتبا كبيرا،لن تكون بعدها، كما السابق.ثم جاءت مرحلة اللقاء ببورخيس.لقد، كنت شيئا ما، بورخيسيا حتى قبل مصادفة متنه(تساءل ناقد إذا لم يكن الأدب العربي الكلاسيكي بورخيسيا،ثم هل من باب الصدفة أن يقع اختيار الكاتب الأرجنتيني على، ألف ليلة وليلة)،لذلك فعملي :الكتابة والتناسخ. اتسم بكونه بورخيسيا،مع أن أولى قراءاتي ل بورخيس جاءت عمليا، بعد الإتمام من تأليفه.تقارب حميمي : يعجبني تواضع بورخيس الوهمي(ليس هناك أكثر غطرسة وجفاء من الخضوع الذي يظهره) ،موسوعيته الحيوية،الخطاب الذي يتأمل،استشهاداته الدقيقة تقريبا،الانطباع الذي يقدمه وهو يبررها،كونه قرأ كل شيء…،سمات متعددة تميزه، جعلته قريبا،بشكل مدهش، من الكاتب العربي الجاحظ،وقد أشار إليه. 
32-س-لنعد قليلا إلى الأدب العربي، لقد اشتغلت في أطروحتك لنيل دكتوراه الدولة،على المقامات، وهو جنس أدبي عرف أيام مجده خلال الحقبة الكلاسيكية،ولعب دورا كبيرا في الجغرافية المغاربية خلال فترة القرون الوسطى،مسألة غير معروفة كثيرا.يظهر لنا في الزمن المعاصر،من الصعب جدا مقاربته.هل بوسعنا أن نبرز عبرها، رؤية للأدب العربي؟. 
ج-بسبب اللغة، والكلمات القديمة، والأنظمة الأدبية، والاستثمار البلاغي المكثف، يمكن أن يظهر بالفعل الاقتراب من المقامة صعبا،لكن ليس أكثر من “أوليس” لجيمس جويس.هو جنس حكائي،أسسه الهمداني خلال القرن العاشر،ثم طوره الحريري، قرنا بعد ذلك.هذا الأخير،قلده كثيرون،في العربية والعبرية والسريانية والفارسية… كانوا، يستهلكون المقامات، مثلما نصنع آنيا مع الرواية.لكنها، ستعرف نكسة خلال القرن العشرين،نتيجة اكتشاف الأدب الأوروبي،بحيث نكتب اليوم “ضدها”.لقد تم تبني قوانين أخرى،و”اغتُرب” الأدب العربي تدريجيا عن ذاته،فصار أوروبيا بشكل واسع.زيادة على أن سياقا كهذا،غدا ظاهرة كونية،فأكبر انتصار حققته أوروبا،نجاحها في أن تفرض أدبها، على امتداد كل بقاع العالم تقريبا. 
33-س-في المقابل،ما الذي يضفي نوعية على الأدب العربي،بحيث تمثل داخله المقامات،جنسا قائما بذاته؟
ج-حينما نتحلى بالصبر، لقراءة المقامات،نتمثل غناها الكبير.إلى جانب الأطروحة، التي هيأتها في موضوعها،فقد قضيت وقتا طويلا من أجل تحليل المقامة الخامسة، من بين مقامات الحريري،التي قاربت الخمسين.ثمرة ذلك، كتاب صغير،عنونته ب : الغائب. لايشعرني رغم ذلك، باستياء شديد،مادام لا يلائم مضمونه الحديث عن ما ميز الأدب العربي،أي ما يضيع ويستنزف حين ترجمته.في نسخة فرنسية عن المقامات،نجدها ذات نفاذ سهل نسبيا، انتفت منها، تلك الكلمات العتيقة، والإيقاع،والإحكام،أي مايشكل خاصية لها،وغاب التلاعب بالألفاظ،مما يخلق لدينا الشعور بالسطحية والابتذال،بخلاف ألف ليلة وليلة،التي انتهت سليمة، مجازفة انتقالها نحو لغات أخرى.لذلك،لازالت المقامات في انتظار دائم،لأنطوان غالان آخر،من سيجعل ترجمتها، حدثا تاريخيا. 
34-س-هل اشتغالك الطويل، على المقامات، أثر في ماكتبته؟. 
ج-لقد اخترت دراستها، نتيجة ماتطرحه من صعوبة،فهي تجسد تحديا سواء للباحث كما المترجم.يبدو أن الأوليبيونoulipiens ، منشغلين بهذه المسألة.أثناء لقاء علمي،نظم حول جورج بيريك Pérec،في كلية الآداب بالرباط سنة 2000 عنونت مداخلتي،ب : ”بيريك والحريري”. هل يعرف بيريك الحريري؟هل اطلع على كتاباته ؟عموما، لقد أحال عنه في روايته :الحياة دليل للاستعمال. وكذا مواضع أخرى.يضاف إلى هذا، أن باحثين اجتهدوا بخصوص دراسة العلاقة المحتملة بين المقامات والرواية الشطارية الاسبانية أثناء القرن 16عشر. يشترك، أبطالهما في سمات عديدة :الهامشية،حثالة المجتمع،القناع،السخرية الصريحة،الدموع الخبيثة،التقلبات،وتغيير الاتجاه. 
35-س-المقامات التي ألفها كبار الكتاب الكلاسيكيين،تبقى فريدة،كما قلت.أما الأخرى،المنسوبة إلى الكتّاب المغاربيين،فتبدو جد باهتة.لكن إذن، كيف تأثرت بها؟ثم وفق أي صيغ؟. 
ج-الأوقات الطويلة، التي قضيتها بصحبة النصوص العربية القديمة، أثرتني في العمق،مثلما حدث لآخرين،صحبة نصوص إغريقية أو يونانية.بلا شك،هناك صدى لتلك الجلسات،على خيالاتي.موضوع تلك النصوص،هو الأدب والأشكال الأدبية،نصوص قصيرة في الحالتين،مستقلة حتى مع ارتباطها بالمجموع المنطوية في إطاره.عودة البطل. 
36 –س-ماهي ميزة الأدب الكلاسيكي في نهاية المطاف،ولماذا عجز عن الصمود، لحظة لقائه مع الأدب الأوروبي؟.
ج-لقد تغير التعليم،وتعددت رحلات الطلبة والدبلوماسيين ورجال الأدب إلى باريس ولندن.صار تعلم الفرنسية والانجليزية،ضرورة،ولكي أجمل،كانت هناك جاذبية، تمارسها النصوص الأدبية الفرنسية والانجليزية والايطالية والاسبانية.إذن، تغيرت على نحو تدريجي،القوانين الأدبية الكلاسيكية(التي ضاق نَفَسها في غضون ذلك)فأقصيت كما يقع،لأنظمة اللباس والطبخ والمعمار…،كل ذلك على أساس قاعدتي الإغواء والعصيان. 
37-س-تقريبا كما قال ابن خلدون :المغلوب يقلد دائما الغالب. لكن أبعد من ثنائية هذه العلاقة،ألا ينطوي الأدب العربي الكلاسيكي على شيء، لايسمح له بالتعايش مع الأدب الغربي؟. 
ج-لا يُقلد، دائما الغالب، من طرف المغلوب .انتصر الرومان، مع ذلك، سعوا إلى تقليد الإغريق… .ما الذي يصمد ضمن النصوص العربية الكلاسيكية؟ فتتعذر ترجمتها،بل –وإلى حد ما – لا تثير رغبة ترجمتها،فبقيت محفوظة لنخبة في اللغة العربية.أيضا،قد تعطي الانطباع بكونها منغلقة بإحكام.أصلا، عِيب عليها في الماضي،تعذر التعبير عنها،فكان ذلك نقطة ضعفها (إن لم يجسد هالتها).بالتالي،فنادرا هم غير العرب،كما الحال مع أندري ميكيل، من اهتموا بالقصيدة العربية الكلاسيكية. 
38 –س-نعثر ثانية على هذا الانقسام الثنائي بين ثقافة النخبة وكذا الثقافة الشعبية،حينما نضع ألف ليلة وليلة مقابل الأدب الكلاسيكي.أنت أيضا، اشتغلت كثيرا على ألف ليلة وليلة،لاسيما في كتابك :العين والإبرة.ماذا بوسعك القول عن هذا التراث، الذي يشكل اليوم جزءا من الأدب الكوني؟. 
ج-نعم بالفعل، ينطوي ألف ليلة وليلة على حمولة كونية، بل بوسعنا إلى حد ما ،استباق القول ،بالتأكيد على أن الأدب الأوروبي،عرف هزة صغيرة بداية القرن18عشر،لما ترجم أنطوان غالان، للمرة الأولى،ألف ليلة وليلة وقدمها لأوروبا.فمن هو الكاتب الأوروبي،الذي لم يشر في لحظة من اللحظات،إلى حكايات شهرزاد؟هو، الكتاب العربي الوحيد، المعروف، على امتداد العالم قاطبة.في المقابل،هل يستشهد أحدهم بالمتنبي؟مع أنه شاعر عظيم،يظل مع ذلك غير معروف، خارج الفضاء العربي.المثير في الموضوع،أن المثقفين العرب،الذي استخفوا فيما مضى ب ألف ليلة وليلة، يحاولون اليوم اقتفاء آثار استمالة رضا الأوروبيين،حول هذا الكتاب،كي يحصلوا في المقابل على اعتراف منهم،بخصوص مايكتبونه. 
39-س-هل يمكننا الاهتداء ثانية في كتابتك، على صدى، لألف ليلة وليلة؟. 
ج-نعم،أحيل عليها غالبا، فيما يتعلق بمحكياتي. في كتابي : خصومة الصور.تمثل السيدة”ر”، بصيغة ما، شهرزاد جديدة.أما في :حصان نيتشه.فهناك تلميح إلى القرد الخطاط… .أيضا،تيمة الكتاب القاتل،اشتغلت ثانية في حكاية :المكتبة،وربما في نصوص ثانية.
40-س-نتكلم اليوم عن تجديد في الحكاية، على طريقة الخرافة؟ماذا تظن؟.
ج-لا أعرف قط، هذا الاتجاه الجديد.
41-س-أكدت في إحدى كتاباتك الحديثة، أنه لايمكننا التكلم عن أدب مغربي،هل تعتقد ذلك حقيقة أم مجرد نزوة؟. 
ج-هي مٌزحة،لكنها محكومة بأساس.الحديث عن أدب،يقتضي أن نطرح، على الأقل،نقطة بداية، يتموقع معها الأدب المغربي؟وقد شرحت هذا الأمر في مكان آخر :تبدو إلي سنة1954 ،تاريخا دالا في نطاق كونه توافق مع وضع قانون التنظيم المدني،خلال تلك الحقبة صدر : العلبة المدهشة لأحمد الصفريوي، وكذا الماضي البسيط لإدريس الشرايبي، ثم في الطفولة لعبد المجيد بن جلون. نصوص،يمكن اعتبارها بكيفية ما،شهادات ميلاد. أدب،استفاض في السيرة الذاتية،مع تركيز على الطفولة،سمة تميزها عن السيرة الذاتية الكلاسيكية، حيث لا يوجد الطفل قط عمليا.بوسعنا،أن ندرج في نفس الإطار،الذاكرة الموشومة لعبد الكبيرالخطيبي، ولعبة النسيان لمحمد برادة. 
42-س –نعود إلى السؤال المطروح منذ قليل :في لحظة ما،لم يعد بإمكان الأدب العربي،أن يٌكتب مثلما كان يٌكتب.أخيرا،تضع شهادة ولادة للأدب العربي الحديث،عبر استعارة نموذج أوروبي.لماذا اقتبس الأدب المغربي،السيرة الذاتية أو الخيال السيري؟. 
ج-نعلم أن الأدب المغربي،”متأخر”عن الأدب المصري أو السوري- اللبناني،اللذين تعود شهادة ميلادهما إلى نهاية القرن19 عشر،ولكي تتحقق الرواية، تلزم شروط خاصة،وجماعية أيضا.لا أعلم،إن لامسنا عهد الرواية. 
43-س-نعلم أن الرواية مرتبطة جدا، بولادة بورجوازية معينة.فيما يخص،حالة المغرب لم تعثر بعد الرواية على انطلاقتها،ألا ترتبط هذا القضية بتطور مجتمعي؟. 
ج-هناك ماأشرت إليه سابقا :فتوة الأدب المغربي،(أقصد حداثة عهده)في حين اعتاد المصريون على الثقافة الأوروبية،منذ غزو نابليون لبلدهم. 
44-س-هل تضع كتاباتك ضمن هذه الفتوة التي لازالت تكتنف الأدب المغربي؟أو تعتبر أنك تعيش بالأدب منفى خارج بلدك،ساعيا إلى أن تعيش وتكتب في إطار منفى داخلي؟ 
ج-نعم حسب قوة الأشياء،أكتب في إطار هذه الفتوة.لم أعتبر، نفسي قط منفيا، في أي من اللغتين.لكن،ألا تشكل القراءة صيغة منفى؟. 
45-س-هل تصبو إلى كتابة رواية، بالمعنى الأوروبي للكلمة؟
ج-لماذا، المبادرة إلى ذلك؟يطرحون علي،غالبا سؤالا كهذا،…. إنه، طريقة لتحييد ما أنتجته سابقا،واعتباره مجرد مسودة، ثم يلزم الانتقال إلى الأشياء المهمة…لكن ينبغي الاكتفاء بما كتبته إلى الآن،صفحات،فقرات،شذرات.من يعلم، بما يخفيه المستقبل للأدب؟هناك تفضيل للرواية،لكن هل ستواصل احتلالها المرتبة الأولى، قياسا لتطور أدب المواقع الاليكترونية؟. 
46-س-ماهي العلاقة التي تراها بين الكتابة والتطور المجتمعي؟ألا نعيش موضوعيا ضعفا، بخصوص كتابة الروايات؟. 
ج-روايات، لأي قراء؟في نهاية المطاف القارئ من يخلق شروط الأدب.لنتذكر، أنهن النساء بشكل خاص،المستهلكات الكبيرات للحكايا،هن اللواتي بعثن مصير الرواية منذ القرن17عشرة.أين نحن في المغرب، من هذا الوضع؟أريد القول،أن البورجوازية المفترض أن تلتقي حولها فئات واسعة من القراء،هي أمِّية.لكن ماجدوى، مهاجمة هذه الفئة المجتمعية؟بل، على الكتّاب أن يخلقوا قراءهم.بمعنى من المعاني،استطاع محمد شكري، هذا الأمر، عبر”الخبز الحافي” :جانب من الانتهاك، أثار فضولا واسعا. 
47-س-ماعدا شكري،هل يعني تصورك، أن الأدب المغربي، لن يكون انتهاكيا؟. 
ج-يمكننا القول، أن شكري، أتى خلال اللحظة المناسبة،بوجود رقابة :لقد انعكست نتائج ذلك على الخبز الحافي، إيجابا وسلبا،مثلما حدث سابقا مع ”الماضي البسيط” لإدريس الشرايبي،على نحو ما، ولأسباب أخرى. 
48-س-هل يمكننا أن نضع عند نفس المستوى، نجاح الخبز الحافي،مع النجاح الذي لقيه ماكُتب حول معتقل تازمامارت؟.
ج-حاليا،ظهر بأن هذا النوع من الكتابة عن تازمامارت،استمال كثيرا من القراء.لكن النجاح للأسف،لايكون قابلا للتحكم فيه.أحيانا، يأتي بنتائج عكسية.لقد حظي ”الخبز الحافي”بشهرة، على حساب باقي مؤلفات شكري،مما جعله يشتكي من هذا الوضع. 
49-س-يمكننا الرجوع مرة ثانية، إلى سؤال اللغة.ماهو نوع الإشكال،الذي واجهته وأنت تبحث لخلق، مثل كل كاتب،لغتك الخاصة بالعربية والفرنسية؟وتكملة لهذا السؤال،ماهي العوائق التي صادفتها، باعتبارك كاتبا، واصطدمت بها، وتحتم عليك تذليل عقباتها؟. 
ج-أحيانا، لاأشعر بالرغبة في الكتابة،بحيث أصاب بكسل،قد يستغرقني لمدة طويلة، تقارب ستة أشهر.مع ذلك، لاينبغي الاستسلام، لفتور الهمة،بل يجب مواصلة رفع التحدي. غير أن العائق الأساسي، يكمن في بناء الجمل،ونظام الكلمات، والترقيم.قد تقضي يوما رديئا،بسبب هاجس، إيجاد الحيز المناسب لفاصلة. 
50-س-قد تتجلى عوائق لاواعية. مثلا، عدم وجود قراء،ربما يكون له على الكاتب، مفعول صدمة قوية جدا.في حالة انتفاء،صدى لعمله،فلا يمكن لهذا الكاتب الاحتفاظ، بنفس الوعي نحو مايقوم به؟. 
ج-إذا انعدم وجود القراء، أو كان عددهم قليلا،فهذا يمثل امتيازا :تتجنب أن تعيش تحت ضغط إصدار كتاب كل سنة أو سنتين،هكذا تعمل حسب إيقاعك. 
51-س-هل حقا تكفيك زمرة صغيرة من القراء، ولاترغب في أن تكون مقروءا من طرف عدد أكبر؟.
ج-أتوفر، على قراء.بعضهم، يعود إلى نصوصي بالعربية،وآخرين يستندون على تلك الصادرة بالفرنسية،بينما فريق ثالث يقرأني عبر الترجمة إلى الانجليزية والايطالية والاسبانية… .الأصداء، التي تصلني، بهذا الخصوص مشجعة،وأتأثر جدا، بما تبديه مؤلفات ومقالات وأعمال جامعية، من اهتمام بعملي. 
52-س-أعود من جديد، إلى هذا السؤال المتعلق باللغة.خارج ازدواجية لغتك العميقة جدا،كيف تتبلور لديك تجربة الكتابة ؟هل من روابط وكذا انتقالات فيما بين اللغتين ضمن كتابتك؟. 
ج-جل كتاباتي السردية الخيالية،صدرت باللغة الفرنسية،هذه حقيقة.عند مستوى آخر،تجدر الإشارة، أن مختلف منجزي بالفرنسية، تُرجم على الفور إلى اللغة العربية،أحيانا بدون علمي. في المقابل، تأليفي بالعربية لم ينقل إلى الفرنسية،باستثناء ترجمة حديثة العهد، لكتاب :لن تتكلم لغتي. 
53-س-هل تُرجم كتابك : الغائب؟ 
ج–ليس بعد، وبالرجوع إلى : لن تتكلم لغتي.فالصدفة وحدها،أرادت أن تظهر في نفس الآن، ترجمته الانجليزية.إنها، المرة الوحيدة، التي انتقل فيها إلى لغة أخرى، كتاب ألفته بالعربية. 
54-س-هل لديك الانطباع، أن تيمات تشغلك، تعود باستمرارفي كتاباتك؟.
ج-تيمة الثنائي ونظرائه. تتواتر،الشمس والقمر والظل والانعكاس والطيف. أيضا،نجد موضوعات أخرى :كتاب، خزانة، مخطوطة ضائعة، هذيان ذهاني، سوء تفاهم معمّم… . 
55-س-هل الأكثر قوة في كتاباتك، حياتك الشخصية، أو بالأحرى تجربتك الذهنية والأدبية؟. 
ج-أعتقد أن الكتابة، تفصلنا قليلا عن أنفسنا، بإطلاقها العنان للكامن وكذا إمكانيات الوجود.تغدو الحياة الشخصية فقيرة بشكل يرثى له(تماما كالأحلام،عندما نفكر في حكيها)إذا لم يدعمها عمق أدبي.من هنا، تنطوي نصوصي،على مقتضى استعادة الماضي،ولعبة إيحاءات لا يخطئها قارئ فطن.في كتاب حصان نيتشه،تحمل أمينة المكتبة اسم ”أليس” إحالة على “أليس في بلاد العجائب”،ثم مدرِّسة تسمى الآنسة ”لورانسن” :بالنسبة،لقارئ ”مثالي”،فهي تذكره بالرسامة لورانسن،عاشقة وملهمة غيوم أبولينير . لاينبغي قط، أن ننسى بأن سردا،لايصنع فقط بالكلمات ولكن الحكايات كذلك. 
56-س-سؤال أخير،سوسيولوجي.كيف تظهر لك الحياة الفكرية والأدبية، في المغرب الحالي؟. 
ج-اليوم فقط، قرأت في موضع ما، أن السياسة شيء جدي،لا تتساهل سواء مع الدعابة أو السخرية،على العكس من الأدب.توجد في المغرب،العديد من السجالات على صفحات الجرائد، والتلفاز.لكن، ماذا عن الأدب والعلوم الإنسانية…سأقدم مثالا،خلال سنوات السبعينات والثمانينات،كنا نستضيف إلى كلية الآداب بالرباط،نقادا كبارا،كي يتحدثوا لنا عن أعمالهم :بارت، جنيت، تودوروف، غريماس.كان، المدرّج غاصا بالحضور.أما اليوم، فبإمكانك استدعاء حتى كلود ليفي ستراوس(لازال على قيد الحياة وقت إجراء الحوار)،لكن لن يحضر للاستماع إليه، سوى القليل.عموما،لقد ضعف التطلع الثقافي، وفقد قيمته.أقول هذا،مع التأكيد في نفس الآن،على حرارة التفاعل التي تسود بعض الأمكنة مثل المعهد الفرنسي والمكتبة الوطنية وفيلا الفنون،فضاءات تجذب جمهورا من عيِّنة خاصة. 
57-س-منذ عشر سنوات،برز بعض الكتّاب المغاربة، إناثا وذكورا، في أوروبا أيضا،هل تابعت هذه الحركة؟
ج-قليلا جدا، ودون مايكفي، كي أتحدث عن الموضوع.
58-س-من هم الكتّاب المغاربة، الذين يشعرونك أنك قريب منهم؟
ج-الفيلسوف عبد السلام بنعبد العالي،الذي ترجمت أحد مؤلفاته المهمة، المعنون،ب :في الترجمة. إلى اللغتين الفرنسية والاسبانية.أيضا، أقرأ بتأن،ما يكتبه عبد الله العروي. 
59 –س-آخر سؤال،هل تعتقد أن مبادرة إنشاء مجلة أدبية في المغرب،تتوافق مع رهانات مهمة ؟ فهل من إمكانية للتطور؟. 
ج-فعلا، نفتقد إلى مجلة أدبية، بالتالي لايمكن سوى تثمين خطوة كهذه.أعتقد، أن هذه المجلة ستشجع على الكتابة،وتخلق قارئين ثم تكرس حركة أدبية.سأتشرف، شخصيا ،كي أكون ”أحد رفاق الدرب”.لقد استفدت كثيرا،من مجلات ك”الشعرية”في ميدان النقد الأدبي، مع أننا نسينا قليلا التأثير الذي مارسته هذه المجلة سنوات السبعينات والثمانينات. 
*هامش : 
. 13 Le magazine littéraire: numéro 1 .2009.PP/6 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *