اللوحة للفنان الفرنسي شاغال
اسماعيل حيدر
عدت إلى حديقتي الصغيرة، كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة، عاجلتها بما اكتنزت، في رحلتي القصيرة، من ماء وخضرة وهواء، وصرت أبث دعواتي لها بالانتعاش مجدداً، لتمنح عيني الطمأنينة، التي اعتدت عليها، مذ كنت أنهض كل صباح، وأتأمل أحواض الزهور وأشجار التين والرمان والليمون في حديقة منزلنا الجنوبي.
عادت البراعم إلى الأغصان خلال أيام، وأزال الأخضر المتجدد ذلك اليابس الطارئ، ورحت أقول في نفسي، إذا كان غياب لأيام قد فعل فعله في تلك النباتات والزهور، فكيف الأمر على الناس، الذين تقسو عليهم أهوال الحروب، فيتحولون إلى نازحين، ومهاجرين في كل بحر وأرض، ويختبرون خلالها مكائد الطبيعة والبشر، والكفاح من أجل البقاء؟!
خبرت أثناء إبحاري لأيام خلت، في أماكن ليست بعيدة عن خطوط النار، أن بإمكان الناس أن يعيشوا حيواتهم على طبيعتها. هناك في تلك البلاد، التي تخطو بأسلوب يمزج بين الحرية والديمقراطية والخطوات الحثيثة نحو التنمية والرخاء، وجدت نماذج البساطة واليسر والثراء، يحيون طمأنينة الأمان والقانون.
شاهدت في أصيلة، تلك المدينة المغربية، كيف تتجلى الحياة عبر أشكال الفنون المختلفة، رسماً ومنحوتات وموسيقى وغناء، ومررت في «الزنقات»، التي تحمل أسماء أبي العلاء المعري، وابن سينا، وأبو الطيب المتنبي، وابن خلدون، وشهدت على علاقة عشق أسطورية ترتسم بين جدران المدينة وجدارياتها، وزرت الحدائق المزدانة بأسماء محمد عابد الجابري، وبلند الحيدري والمبدعين الأعلام.
رأيت هناك ما لم أرَ في أمكنة أخرى، فاستبد بي السؤال العظيم؛ لمَ لا تتوقف الحروب والهجرات القسرية التي تحول الجنائن إلى أراض قاحلة، والجدران إلى متاريس حربية، ومساحات حزينة تغطيها صور الضحايا، بدلاً من أن تكون حامية الحدائق والبيوت، ومكاناً لرؤى الغد الأجمل المزدانة بالألوان؟
البيان