أسطورة ارتباط الإبداع بالمخ الأيمن


*جيفري ديفيس/ ترجمة : آماليا داود



خاص ( ثقافات )



أسطورة ارتباط الإبداع بالفص الأيمن من المخ تضر أكثر مما تفيد .
” أنا لست موهوباً؛ فأنا اعتمد على الفص اليسار من الدماغ ” النظام التعليمي يقتل الإبداع”.” أنا لست مختلفاً او مبتكراً أو غريباً “.
كوني مستشار إبداع، أستمع للكثير من تلك التعليقات والتي يكمن خلفها بكل تأكيد خرافات حول الإبداع، خلدها مستشارون مثلي، واستنتاجات غير مكتملة لأبحاث علمية حول الإبداع.
و دعوني هنا، أكون جريئا و أحاول تبديد أكبر الأساطير : الإبداع مرتبط بالفص الأيمن من الدماغ.
الخرافة الأولى : الإبداع= الفص الأيمن 
أظهرت نتائج دراسة حديثة، أن العمليات الإبداعية ليست فقط وظيفة الفص الأيمن ، وفي هذه الدراسة لمجمع كولومبيا طُلب من المشاركين من طلاب الهندسة المعمارية تخيل بعض الأشكال الهندسية المعروفة، وإذا تم تجميعها شكلت إما مربعا أو مستطيلا، وهذا النشاط بحاجة إلى تخيل بصري ومكاني (والذي يفترض أن يكون عمل الفص الأيمن)، وأيضاً يتطلب الاعتماد على المعرفة السابقة وهذه الاحجية لم تتطلب الجدية الكاملة أو فكرة عفوية .
و كثقافة ما زلنا نتعافى من خرافة ارتباط الإبداع بالفص الأيمن، وأاعتقد أن هذا الافتراض نابع من تبسيط مبالغ فيه، خصوصاً فرضية تقسيم الدماغ لروجر سبيري في عام 1960، وأثبتت تلك البحوث أن الإبداع و تقدير الجمال من النصف الأيمن للدماغ، وأن الأنشطة التحيليلة بما في ذلك اللغات هي من الفص الأيسر ، و هذه النتائج أصبحت مشهورة في الأوساط الأدبية والتعليمية والتجارية .
نحن نعرف الآن، أن الإبداع هو نشاط للدماغ بشكل كامل ، فعلى سبيل المثال عزف الموسيقى يتضمن تدريبات متكررة وحفظ بعض حركات اليد ( الفص الأيسر ) فضلاً عن الارتجال و ربط الأحساسيس مع الموسيقى ( بطريقة ما عمل الفص الأيمن ). 
الخرافة الثانية : المنطق وحل المشكلات = الفص الأيسر 
والعكس صحيح أيضاً ، فإذا افترضنا أن شخصاً لا يعتمد على الفص الأيمن والنتيجة شخص عقلاني للغاية ، وهذا ليس صحيحاً ، فقدرتنا على التفكير تعتمد ايضاً على المشاعر.
يعتمد العقل على العاطفة : فكثيراً ما ترشدنا العاطفة إلى قرارات شراء، مثلاً سيارة أو منزل، وقد أكدت دراسات الدماغ الحديثة، أن الذين يعانون من تلف في الدماغ متعلق بالمشاعر يقضون ساعات طويلة لمشكلة يقتضي حلها دقيقة واحدة، ومن المرجح أنهم لن يحصلوا على حل.
والعواطف كما يقول علماء الأعصاب ليست من اختصاص عمليات الفص الأيمن ، فعالم الأعصاب جوزيف ليدوكس يتحدى فكرة “الدماغ العاطفي” أو “الجهاز الحوفي limbic system.”
المشاكل المنطقية الصرفة لا تتطلب الكثير من التجديد ، لكن إذا كنا نريد أن نراقب عمل الدماغ أثناء محاولتهم اإجاد القياس المنطقي ، في لحظة البصيرة ، في اللحظة التي يجدون فيها الحل ، يمكنني أن اؤكد لكم أن جزءاً من الفص الايسر يدعى الفص الصدغي الأمامي سوف يضيء.
يحاول بعض الناس حل المشكلات عن طريق التركيز العالي عليها ولكنهم بذلك لا يصلون إلى نتيجة ، إذا كنت ترغب في حل مشكلة لا تجلس لمحاولة حلها ، زود دماغك بالمعلومات المطلوبة ، واسمح لعقلك بالاستيعاب، ثم اخرج للمشي في الهواء الطلق ، حرك جسمك ، أو خذ حماما ساخنا ، وتوقف عن التفكير بجدية و راقب دماغك كيف سيحلها. 
و هذا الجزء الاخير _ القدرة على مراقبة العقل يعمل و يلعب _ ليس وظيفة الجزء الأيسر او الأيمن من الدماغ بل وظيفة القشرة الأمامية الوسطى للدماغ ، و هذا الجزء هو المسؤول عن تحفيز الإدراك للأشخاص الواعين بإدراكهم ، ولها دور أساسي في الازدهار مثل عمليات حل المشاكل الإبداعية أو الإبداع في أي مجال.
الخرافة الثالة : لحظة ” أها؛ وجدتها ” :
و هناك افتراض خاطئ أيضاً نعاني منها في ثقافتنا، إن الإبداع يساوي البصيرة ، عندما نحظى بتلك اللحظات ” وجدتها ” و هذه العملية يحفزها الجزء الأيمن من الدماغ ، لكن ليتحقق الإبداع نحتاج إلى أكثر من البصيرة والتجديد.
الإبداع هو جزء من تطبيق الخيال ، و يستلزم الإبداع مساهمة جديدة ، أو إعادة خلق روابط بين أفكار موجودة بطرق جديدة ومفيدة ، أو / و حل مشاكل بطريقة مفيدة.
و لفعل ذلك على الشخص أن يكون ذكيا وحكيما و لديه معرفة واضحة للمواد والحرفة، وهذا عمل الفص اليسار ، والكاتب الذي يطمح لأن تخلد أعماله وتحظى بالتقدير ، على سبيل المثال، يجب أن يتعلم الكثير عن حرفته ، وعن كيفيه تصميم تجارب القراءة الجذابة وشبه السحرية.
هناك العديد من الدراسات تؤكد أن الفص الايسر وراء الكثير من الإنتاج الإبداعي والكثير من الناس لا يحبون التفكير في هذا الموضوع ، لأنهم لا يرغبون في ربط الإبداع مع الدراسة والانضباط ، ومعظم الناس تحب ربط الإبداع بمصطلحات رومانسية مثل العفوية والأفكار البارعة، وهذه ليست الآلية التي يعمل بها الإبداع ، فكل المهارات بدون تعليم يمكن أن تخلق إبداعا مسطحا و مستوحى من مصادر أخرى ، و لا يكون ممتعا سوى لمبدعه.
على سبيل المثال ، هذا ما يحدث مع البالغين عندما يتعلمون جوانب معينة من حرفة ما ، المتعة تزداد “لأنهم يعلمون ماذا يفعلون ” ، الأشخاص الذين ينجحون في الإبداع و حل المشاكل، على الأغلب قاموا بتطوير سلسلة من العادات التي تسمح ” للحارات ” في أدمغتهم ” بالتحدث بحرية مع بعضهم البعض”.
بالمناسبة، دماغ الانسان يتغير باستمرار في نفس الوقت الذي يحاول علماء الأعصاب رسم خريطة له ، وعلينا أن نكون حذرين من عدم تبسيط نتائج اي دراسة ، و أنا متأكد أن هناك تفسيرا لعلم الأعصاب حول إفراطنا في التبسيط ؟.
__________
المصدر : psychologytoday

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *