رسائل البحر



*نوران يوسف


خاص ( ثقافات )
يكشف عنوان الفيلم “رسائل البحر” من تأليف وإخراج داود عبد السيد عن حالة خاصة، تتمثل في الطرف الراسل وهو البحر، في حدوده غير المرئية، ودوافعه المجهولة. أن تقف على الشاطئ لتأتيك رسالة ربما لك وربما لغيرك، مكتوبة بلغةٍ مجهولة لك وتظل تبحث عن معنى لتلك الرسالة، كأنك درويشاً مناجياً أمام محراب محبوبك تنتظر منه كلمة لتحييك. 


هكذا كانت علاقة البطل مع البحر، يحيى (آسر ياسين) طبيب شاب تخرج في كلية الطب ويعاني من مشكلة في نطق الكلام، ترك الطب بعد سخرية زملائه منه وقرر أن يكون صياداً بسيطاً على شاطئ مدينة الأسكندرية. 
وجد في يوم رسالة داخل زجاجة قديمة استقرت امامه على الشاطئ، في رحلة بحثة عن معنى الرسالة، تظهر له نورا (بسمة) ربما كتفسير موازٍ لتلك الرسالة، بل وحياة بكاملها على ضفة أخرى غير شاطئ الأسكندرية التي فقدت الكثير من ملامحها طوال فترة تَبدُل طبقات سكانها.. كما الحال في مصر كلها. 
الرائع في الفيلم، أن عبقرية المخرج في رسم مشاهد الفيلم والحوار البسيط والحميمي أيضاً، يشعر معها المشاهد بأنه يرى حالة خاصة جداً لن تتكرر، وفي نفس الوقت تملك تلك المشاهد ذاتها نبرةً حيادية بحيث تجدها تداعب كل عين أمام شاشة السينما، وتهمس في أذن كل محب وكأنها تُعبر عنه هو فقط دون غيره. حوار لايحمل في طياته عبارات فلسفية أو مبادئ رنانة، وفي نفس الوقت يعبر عن عمق أبطاله لرؤيتهم للحياة، خاصة في موقف يحيى تجاه الموسيقى، فهو يرفض أن يقتني جهاز تسجيل ويفضل السعي ورائها أينما كانت، وهذا ماجعله يتردد حتى في أشد الأيام برودة أمام نافذة ليستمع لعزف مجهولة، وينتشي بعزفها الممزوج بالحيرة تجاه ظلها العابر من وراء ستارة النافذة. كما أن نورا التي ارتضت في يوم أن تكون زوجة للمتعة فقط لرجل أعمال ناجح، أثناء ذلك كانت – برغم عدم حاجتها للمال – تتنقل من فراش رجل إلى آخر كتكفير عن هذه الخطيئة، وكأنها تعاقب نفسها بانسلاخها عن جسدها، ولم يستطع المشاهد بأي حال من الأحوال أن يدينها، بل تعاطف معها وحزن لحزنها، كما فرح بعلاقتها مع يحيى، وانتظر معهما المصير، حتى جاء المشهد الأخير وهو يصورهما في قارب صغير، يبحران عبر البحر، ويشقان طريقهما وسط السمك الذي تم تفجيره بالديناميت: مشهد يعتبر إجابة صريحة للرسالة التي لم تقرأ بعد!
***

شاهد أيضاً

العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية

(ثقافات) “طربوش أبو عزمي العلي”:   العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية زياد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *