سفيان طارق
تتناقل المواقع والصحف منذ يومين خبر وفاة الكاتبة الفلسطينية نجوى قعوار(1923-2015). في الغالب لم تقرأ لها شيئاً، واسمها يبدو مجهولاً سيما لدى الأجيال الجديدة. تسأل أصدقاء فلسطينيين وعرباً من جيلك، هم أيضاً لم يقرؤوا لها.
ترى صورة مغبشة بالأبيض والأسود لشابة حلوة بتسريحة من أيام زمان. ثم صورة أخرى لامرأة عجوز يظهر أنها ترتدي ثوباً أحمر، هكذا يشي طرف ياقتها، الزمان بين الصورتين مفقود، لا بد أنه في ألبوم العائلة، لكننا لا نعرف عنه شيئاً.
لها موقع خاص بها ومتواضع، وما زال يضع صورتها القديمة نفسها، إنه لا يقول الكثير، فتبحث في المواقع العربية عن اسمها، تجد الخبر نفسه مع بيان نعي من “الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين”. حسناً، ستبحث عنها بالإنجليزية، يائساً، فعلاً إنها موجودة على ويكبيديا؛ بما أنها انتقلت للعيش في سكاربوروغ أونتاريو في كندا منذ 1998، وعاشت قبل ذلك مدة في لندن. يمكن ترجمة صفحتها في الويكبيديا إلى العبرية، لكن ليس إلى العربية!
لها عدّة إصدارات، آخرها “وكان صباح وكان مساء – أمالي الذّكريات” الذي صدر عن “بيت الشّعر الفلسطيني” ووزارة الثقافة الفلسطينية (2013)، وأولها مجموعة قصصية بعنوان “عابرو السبيل” (1954)، هناك أيضاً “دروب المصابيح” (1956) و”مذكرات رحلة” (1957) وهو سيرة ذاتية.
جرّبت قعوار أيضاً كتابة المسرح، فأصدرت “سر شهرزاد” (1958) و”ملك المجد” (1961)، وسألت “لمن الربيع؟” في مجموعة قصصية صدرت في 1963.
وللأطفال كتبت “سلسلة قصص للأشبال” في ثلاثة مجلدات صدرت بين الأعوام 1963 و1965. ثم انقطعت أخبار كتبها قرابة 30 سنة، حين عادت وأصدرت مجموعة قصصية بعنوان “انتفاضة العصافير” (1991) هكذا حتى كتبت روايتها الوحيدة “سكان الطابق العلوي” (1996). نجد أيضاً أن كتاباً لها يتضمن كتابات ورسومات للأطفال قد ترجم إلى الإنجليزية بعنوان “إلى فلسطين مع الحب”.
في مقطع من كتابها الأخير، تصف مشوارها وهي المراهقة ابنة الناصرة إلى القدس، لتحضر حفلاً موسيقياً مع بنات خالها في مجمّع “المسكوبية” الذي أسسته “الجمعية الأرثوذكسية الفلسطينية” عام 1864 لخدمة الحجّاج القادمين من روسيا.
تقول: “لن أنسى الأوركسترا التي سمعت فيها مقطوعة “بوليرو” لأول مرة تُعزَف في ظل أشجار المسكوبية. كان الوقت مساء، والجو صيفياً والنسيم عليلاً، وأكثر المستمعين كانوا وقوفاً، وجئنا أنا وبنات خالي والمسافة بين بيتهن والمسكوبية قريبة جداً، لندخل من أحد مداخل المسكوبية، ولنشاهد الأوركسترا جالسة في شكل نصف دائري، والمايسترو يواجهها”. فيما بعد سيحوّل الاحتلال الإسرائيلي “المسكوبية” إلى سجن.
وإن كانت قعوار لم تنشر الكثير، لكنها لم تنقطع عن العمل بصمت مع زوجها رجل الدين الفلسطيني المسيحي رفيق فرح، في توضيح تاريخ القضية الفلسطينية لمسيحيّي بريطانيا وكندا، إنها صاحبة مشروع “الحجارة الحيّة”، والذي أطلقته أثناء إقامتها في لندن، مع فريق من رجال الدّين المسيحيين البريطانيين. كان الهدف الحج إلى فلسطين وتفقد المقدّسات وتقديم أي مساعدة ممكنة، ومن عبارتها “في فلسطين الحجارة لا تزال حيّة، وستستقبلكم” اقتبس اسم رحلة الحج هذه.
في منتصف الأربعينيات، تلقت نجوى قعوار دعوة للحديث في “النادي الأرثوذوكسي” في حيفا، تقول: “كان نادي حيفا مكاناً مرموقاً جداً وقد تكلمت فيه أمام صالة مليئة ولمدة ساعة ونصف. في كلمتي لفتُّ النظر إلى ما شعرت أنه خطر جداً في ما يتعلق بمجتمعنا والعلم وعلاقة المرأة بالاثنين، وأشرت إلى إهمال اللغة العربية والتاريخ والثقافة، وإلى ضرورة تعليم وتثقيف المجتمع الذي كان في مواجهة الصهيونية. وختمت حديثي بطرح السؤال الفلسطيني: “في جهادكم لفلسطين عليكم تثقيف أنفسكم. إن كنتم جهلاء ستفقدون فلسطين. وخروجكم سيكون أكثر تراجيدية من طردكم من الأندلس”.
التفتيش عن صور قعوار، يجلب صور كاتبات أخريات بالأسود والأبيض، مجهولات لكثيرين أيضاً، من العراق ولبنان وفلسطين، جيل من مواليد العشرينات، اللواتي وُلدن في زمن صعب وشهدن على حروب وهاجرن بسببها إلى المنافي أو تبعن عائلاتهن في الهجرات الشخصية. جيل من النساء الكاتبات ظُلم في غياب مؤرّخين للأدب العربي. الصدفة أيضاً ستجعلك تعثر على موقع “أديبات عربيات”، يتذكرنهن في صفحة بعنوان “رائدات”، لكن الموقع هو الآخر بالإنجليزية.
العربي الجديد