خاص ( ثقافات )
صدر حديثا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر،كتاب جديد في أدب الرحلة، من تأليف الطبيب الجراح والروائي السوري خليل النعيمي .
سبق للدكتور خليل النعيمي أن وضع عددا من المؤلفات في أدب الرحلة نذكر منها :
(من نواكشوط إلى اسطنبول ، قراءة العالم ، كتاب الهند ). وله عدد من الروايات نذكر منها : (القطيعة ،مديح الهرب ، الخلعاء ، تفريغ الكائن ، لو وضعتم الشمس بين يدي ، قصاص الأثر ) ، وجميعها صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر .
في كتابه الجديد ” الطريق الى قونية ” يقول د. خليل :
شمس الدين التبريزي «قَلَنْدَري». أي أنه كان يبدو درويشاً من عامة الدراويش كما يتراءى، في الظاهر، لأهل قونية. لكنه، في الحقيقة،« كائن آخر». هذا الكائن الخبيء هو الذي استَخْرَجه من ذاته، ليقدمه، في لقائه المخطط له بذكاء، كما أتصوّر، لجلال الدين الرومي.
إنه ( التبريزي) كائن آخر غير القَلَنْدري الذي يبدو عليه. وهو لا يرمي بالسؤال كما يرمي الصيّاد الساذج شِباك صيده دون تخطيط. فهو لا يصيد الأسماك وإنما القلوب. إنه صَيّاد تاريخيّ ماهر لا يرمي بسهمه المسموم نحو فريسته، إلاّ عندما أن تصير، بعد انتظار طويل، في متناول الصَيْد . وهو، لشدّة حِنْكَته، لا ينتظر أن تقع الفريسة بين يديه، عِبْئاً، وإنما يريدها مطروحة على القاع بانتظار أن يقرر، هو، ما سيفعل بـ جثتها.
إنه يتصرّف بكلامه دون أن يبحث عن َجدَل، أو مماحكة. يلقي بسؤاله، ويمشي. لا يكاد ينتظر حتى الجواب. وما أهمية جواب يصدر عن معلِّم صبيان (الروميّ) يمشون وراءه كالخراف؟ لكنه بفَراسته، فَراسة القلندري الذي خَبِر العالم، كان يحدس، ولا بد، بعض مزايا «معلم الصبيان» هذا. ولذا اختاره من بين الحشود. حشود قونية التي كانت تتراكم في سهولها.
لكن «مولانا» لم يكن معلماً فحسب، كان خبيراً بالحياة، وأكاد أقول والتشرّد، أيضاً. فمن بَلَخْ في أفغانستان الحالية، إلى حَلَب، ودمشق، وبلدان عديدة غيرها، وأخيراً، «الأناضول» التي لجأ إليها، مع عائلته، هرباً من المغول الذين لحقوا به، في النهاية.
إنه، هو الآخر، خبير بالحياة وجَدْواها الملتبسة. لكن نقيضه، شمس التبريزي، أكثر منه خبرة. له طريقة «عبثية» ظاهرياً، ومختلفة عن حياة مولانا، إلا أنها ذات بُعْد استراتيجيّ. لقد أدرك، بشكل من الأشكال، أنه :«لا يقتل جَدْوى الحياة، إلاّ مفهوم الجدْوى». أو هذا، هو، على الأقل، الشكل المعرفيّ الذي يوحي به تصرّفه.
كان من الطبيعي، في هذه الحال، أن يتمادى «الرومي» في عشقه. في عشق «شمس» حتى الفناء. لكأن جلال الدين الرومي «اخترع» نقيضه، ليمنحه كل الحب الذي يستحقُّه النقيض،
وهل نحبُّ إلا نُقَضاءنا؟
يقع الكتاب في 152 صفحة من القطع المتوسط .