*أمجد ناصر
– 1 –
عندما أفكر برأيي في دور المثقَّف في المجتمع ألاحظ، للأسف، أنه لم يطرأ عليه تغيير كبير مذ بدأت العمل في الحقل الثقافي، منتصف سبعينيات القرن الماضي، حتى الآن. لكنَّ هذا، على ما آمل، ليس ثمرة تحجُّر فكري، دوغما، كما كنا نصنِّف الستالينيين. إنه الواقع الذي لم يتغيَّر كثيراً مذ ذاك. فإذا كانت الأفكار والمواقف لها صلة بالواقع (ولا بدَّ أنَّ لها هذه الصلة)، فهذا يعني أنه لن يطرأ عليها تغيُّر جذري ما لم يتغيَّر الواقع.
لم يتغيَّر الواقع العربي للأسف! بلى، تغيَّر، لكن نحو الأسوأ، ما يفترض استمرار دور المثقَّف العربي بوصفه- في أضعف الإيمان- جزءاً من المجتمع، من دون أن نتحدّث عن الطليعة. لكنَّ المواقف يعتريها، مثل البشر، الوهن. هكذا، صار موقفي حيال دور المثقَّف في عملية التغيير أقلّ تفاؤلاً مما كان عليه، لنقل: أكثر حذراً في إطلاق الأحكام. الشيء المؤكد- بالنسبة لي- أن الكلمات مهمّة، ومن دونها ليست هناك أفعال صحيحة، بيد أن الأفعال في عالمنا العربي، اليوم، تبدو مجرَّدة من الكلمات، سواء أفعال التطرُّف الديني المخيفة التي تقوم بها فئة صغيرة، ولكنها عالية الصوت، وتمتلك قدرة رهيبة على الموت والدمار، أم أفعال الأنظمة العربية التي عادت إلى استبدادها، بعدما تمّ إفشال ثورة الشباب العربي في إحداث تغيير عميق في بنى بلادها.
نحن نكاد نعيش، الآن، في مجتعمات بلا كلمات. هناك سلاح وأحزمة ناسفة وطيران أحلاف وعودة إلى الأنظمة العسكرية، وقوانين الطوارىء؛ كونها الأقدر على حماية الأوطان من التفتت والتطرف. طبعاً، هذا غير صحيح؛ فالعسكر لم يفعلوا، في الماضي وفي الحاضر، سوى تكميم الحرّيّات وقمع تطلُّعات شعوبهم إلى الحرّيّة. في وضع كهذا أظن أننا نفتقد دور صانع الكلمات، لكنَّ هذا لا يعني أن المثقَّف رسول، أو ملاك. كلّا، وليس (سوبرمان) أيضاً. عملية التغيير تأخذ وقتاً طويلاً، خصوصاً على الصعيدين الاجتماعي والثقافي. هذه أصعب المهامّ، يمكن للتغيير السياسي أن يحدث بانقلاب عسكري، يُهدَم نظام، ويأتي نظام آخر، ولكن، هل يتغيَّر المجتمع بالطريقة نفسها؟ كلّا، بالطبع. لذلك علينا أن نواصل عملنا وإيماننا، نحن- المثقفين العرب- سواء أكنا في داخل أوطاننا أم كنا في المهجر، أو في المنفى، بضرورة تدخُّلنا في حياة مجتمعاتنا، وألّا نَقْصر دورنا على الجوانب التقنية من العملية الثقافية، كما يقول إدوارد سعيد.
– 2 –
لا بدَّ أن «الربيع العربي» قد غيُّر في الواقع الأدبي العربي. ولكن، يصعب القول: ماذا غيَّر فعلاً! لقد أعاد نبش نصوص شعرية لم نكن نهتمّ بها، أو نسمّيها تحريضية ومباشرة. هذه كان لها الصدارة في شعارات الانتفاضات العربية. الشعر الذي يسمّي نفسه شعراً سياسياً كان في مقدِّمة التظاهرات، وفي ثقافة وتعبيرات الميادين، وحركة الجموع في الشارع، كذلك عادت أغانٍ، كنّا نظنّ أنها لن تُسمَع ثانية، إلى الراديو والتليفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي. هذه أمور حدثت، وساعد على حضورها، بالنحو الذي تمت فيه، ثورة الاتّصالات، وفي مقدّمتها وسائل التواصل الاجتماعي، وبروز ظاهرة الصحافي المواطن التي كانت مهمّة جداً في كشف قمع السلطة، بل جرائمها كما هو عليه الحال في سورية. كل هذا حدث. ولكن، هل تغيَّر النص الشعري حقيقةً؟ وهل تركت هذه الأحداث الكبرى أثراً مباشراً على الرواية والقصة والصحافة عموماً؟ هذا أمر لا يزال في طور التفاعل؛ ما يجعل التكهُّن بالمصير الذي ستكون عليه الكتابة الإبداعية العربية صعباً، خصوصاً مع بروز جيل كتابي جديد يتَّخذ من وسائل التواصل الاجتماعي منبراً له؛ ما يجعله شبحياً بالنسبة لمن يعدّون الصحف والكتب والمنشورات المطبوعة مقياساً لما هي عليه أحوال الثقافة في العالم العربي. ليس الأمر متعلِّقاً بالتكنولوجيا فقط، بل بما يجيء، في ركابها، من اللغة والمعاني.
____
*الدوحة