القاهرة- هل كان التحاق نبيلة إبراهيم، الأكاديمية وأستاذ الأدب الشعبي، بقسم اللغة العربية بكلية الآداب فيما بعد، محض مصادفة، أم أنها تدابير القدر، لتلتقي بنصفها الثاني عز الدين إسماعيل الناقد والأكاديمي فيما بعد أيضاً؟، حتى بعد تخرجهما في الجامعة كان القدر يقدم فصلاً جديداً من علاقتهما معاً، فقد قامت ثورة يوليو 1952 بإيقاف التعيين في جامعة القاهرة، ليحرم عز الدين إسماعيل من العمل معيداً، رغم تفوقه العلمي، لكنه التحق بجامعة عين شمس، ليخلو المكان لنبيلة إبراهيم فتعين معيدة في جامعة القاهرة، وتنجز رسالة ماجستير بعنوان «روميات المتنبي، حلقة من الحلقات الثقافية بين العرب والروم»، وبعد شهور قليلة من مناقشة الرسالة، يناقش عز الدين إسماعيل رسالته «الأسس الجمالية في النقد الأدبي»، وهو العمل الذي حصل إسماعيل بموجبه على جائزة الملك فيصل قبل وفاته بسنوات قليلة.
كان عز الدين إسماعيل ينتمي إلى وسط اجتماعي فقير، واعتقدت نبيلة إبراهيم أن شخصيته ووظيفته في الجامعة ستفتحان الباب أمامه حين يتقدم لخطبتها، لكن ما حدث هو العكس، فبعد أن دار الحديث بين عز الدين والأب هاتفياً، اتفقا على زيارة لأسرة العريس في بيته، وعاد الأب غير سعيد باختيار ابنته، لتفاوت المستوى الاجتماعي بينهما، فالتقت الابنة بأستاذتها سهير القلماوي وشرحت لها إصرارها على الزواج بزميلها، فما كان من القلماوي إلا أن اتصلت بالأب تليفونياً، لتقنعه بسلامة موقف الابنة، ولم تمض لحظة على انتهاء المكالمة، حتى دعا الأب العريس، ليتفق معه على إجراءات الخطوبة.
لكن الأب الذي وافق على مضض، لم يفارقه الغضب، حتى إنه أعلن أنه لن يكون وكيل العروس، ويوم الزفاف أرسلت إلى العروس وثيقة الزواج لكي توقع عليها، وبعد قرابة العام واجه العروسان مشكلة، فإما أن ترفض نبيلة إبراهيم البعثة للدراسة بالخارج، فتضيع الفرصة منها، أو توافق فتتعرض حياتها الزوجية لهزة عنيفة، خصوصاً أنهما كانا لا يزالان في بدايات زواجهما، كل هذا دون أن يشاركها عز الدين إسماعيل التفكير، لتخلص إلى أنه: «كان صندوقاً مغلقاً مفتاحه بيده، يفتحه بالقدر الذي يريد وفي الوقت الذي يريد، وخلاف هذا فهو صامت مصغ بشدة»، لكنها حسمت قرارها بالاستعداد للسفر إلى ألمانيا الغربية بمفردها، في حين سيبقى هو في مصر لإنجاز الدكتوراه.
واختير عز الدين في منحة دراسية، بعد أن فرغ من الدكتوراه في جامعة عين شمس، لدراسة أعمال المستشرقين، وكانت الزيارة بمثابة اكتشاف للعالم الآخر الذي يسمع عنه، لكنه اعتبر إقامته في ألمانيا فسحة، وتخلى عن تعهده برعاية ابنهما، لتتفرغ نبيلة للدراسة، وفي مذكراتها التي كتبتها تحت عنوان «ذات الهمة في القرن العشرين» تلحّ نبيلة إبراهيم على فكرة المثل الشعبي: «تعرف فلان؟ أعرفه، عاشرته؟ لا، تبقى ما تعرفوش» فكما تقول: «سرعان ما تغيرت مشاعري نحو عز الدين الذي أصبحت أرى فيه إنساناً آخر، غير الذي كنت أعرفه قبل الزواج، وكنت قد أدركت أنه لا يريد أن يتحمل المسؤولية، بعد أن عاد مرة أخرى لحياة الانطلاق».
كان يرفض حسبما تقول المساءلة في أي موضوع يؤخذ عليه، وأنه ليس من حق أحد أن يملي عليه شيئا أو ينتقده «وهكذا تحولت الخصلة الإيجابية وهي الثقة بالنفس، إلى خصلة سلبية، وهي فرض السيادة في كل موقف، صغيراً كان أو كبيراً».
رغم هذا فإن الدكتورة نبيلة إبراهيم تؤكد أن كل شخصية لها جوانبها السلبية والإيجابية، وتقول في يومياتها: «لا أستطيع أن أدعي أنني خدعت بما يبدو عليه من جوانب إيجابية، أعترف له بها على المستوى المحلي وخارج المحلي، وهي بعينها الجوانب التي جذبتني إلى عز الدين، وجعلتني ما زلت أرى فيه شخصية فذة، بل إنني وصفته بأنه ثروة قومية نادرة، ولا يمكن أن يوصف إنسان بمثل هذا الكم المتبلور عن مجموعة من السلوكيات الإيجابية، إلا إذا كان هناك اتفاق جماعي عليه، وكنت أرى هذا الوصف متحققاً في مجالات كثيرة».
______
*الخليج الثقافي