جاك كيرواك سيد الهايكو الأميركي يكتب كأنه يتكلم



*زيد قطريب

قصيدة الهايكو اليابانية تحمل رغم كثافتها الخالصة بين أسطرها الثلاثة مورثات اليابان وتاريخ شعبه وملامح ثقافته، وقد انتقلت هذه القصيدة اليوم إلى ثقافات العالم الأخرى ومنها العربية، التي تعيش اليوم عاصفة كاملة من “الهايكو” العربي، حيث أن أعدادا غير قليلة من شعراء، الجيل الجديد خاصة، تكتب هذا اللون محاولة ترك بصماتها الخاصة على أسلوبيته وصوره.


ضفاف مختلفة
في هذا الإطار، يأتي كتاب “الهايكو للشاعر جاك كيرواك” الذي ترجمته الشاعرة السورية لينا شدود وصدر مؤخرا عن دور “ضفاف، والاختلاف، والأمان”، كبضاعة رائجة لها مريدوها الكثر.
رغم غياب التفسير النقدي لما يكتبه العرب من نصوص يمكن تصنيفها تحت تسمية “هايكو”، فالمصطلح هنا له جاذبيته الفريدة في مخيلات وأذهان الشعراء الشباب، وهي مسألة تحتاج إلى قراءة دقيقة تستند إلى ماهية النصوص التي يكتبها عشاق الهايكو من حيث بنية النص وليس من جهة أن الهايكو مجرد نصوص قصيرة فحسب.
في تجربة الشاعر الأميركي كيرواك المولود سنة 1922 في لويل ماساتشوستس، نكتشف ملامح الهايكو الأميركي أو ما سماه كيرواك “البوب” كمحاولة لأمركة هذا الفن لصالح الثقافة المحلية، فرغم اعترافه بأن الهايكو الذي كتبه المعلم الأول “باشو” الياباني هو الأبسط والأجمل، إلا أن الشاعر في كتابه هذا وصل إلى ضفاف مختلفة وجديدة على صعيد النص القصير المكثف والمشحوذ جيدا، الذي لا يتجاوز عدة كلمات مرسومة في ثلاثة أسطر، وهو ما جعل هذه المقاطع تحضر بقوة في كتاب “أنطولوجيا القصيدة الأميركية”.
وفي عودة إلى نصوص شعراء أميركيين سبقوا كيرواك في كتابة هذا اللون مثل عزرا باوند وويليام كارلوس وإيمي لويل ووالس ستيفنز، فإن الشاعر غيسنبرغ الذي أمضى مع شنايدر سنوات في اليابان بدءا من 1955، اعتبر أن كيرواك هو سيد الهايكو.
الغرب والشرق
اشتهر كيرواك أنه يكتب مثلما يتكلم، وفي هذا تقول المترجمة في مقدمة الكتاب “قصائد كيرواك بعيدة عن الثبات بل قادرة على إذابة ماهية الموضوع بالإضافة إلى الوميض الآسر لكلمات تملك حساسية عالية تجاه الأشياء الزائلة، مع قدرته الواضحة على استحضار غواية القلق الفردي من الانزلاق في مجتمع قاس وحيادي”.
يوصف هايكو كيرواك بالرسم الجديد والمختلف المليء بالحيوية الذي يعيد تجسيد الأشياء والموجودات بتصوير مدهش قادر على إحداث الصدمة في ذهن المتلقي أو القارئ، تلك المخيلة التي اشتغل عليها الشاعر في مختلف صوره شكلت مثالا نقديا بالنسبة إلى المهتمين بالهايكو ومثال ذلك مقطوعته الشهيرة عن طواحين أوكلاهوما:“طواحين أوكلاهوما تلوح من كل الجهات”
وأيضا:
“زهرة واحدة على الجرف تومئ الوادي”
اجتهد كيرواك كثيرا في البحث عن خصوصية تجعله لا يكرر التجربة اليابانية، فمن ناحية أولى، استخدم الأسماء بكثرة في النص مثلما قام بمزج المثالية الغربية واليابانية معا، وكان قراره الحاسم الخروج على قواعد الهايكو الكلاسيكية عندما جعل الهايكو يحضر في النثر أيضا ويمتزج بـ”السنريو”، وهو نوع من الثلاثيات التي تركز على الطبيعة الإنسانية، ليصل إلى رفضه تسمية ما يكتبه بالهايكو إذ قال:
“على الكرسيقررت أن أدعو الهايكو باسم البوب”
في كل الأحوال، فإن حضور ترجمات الهايكو من الثقافات العالمية يبدو طبيعيا في مرحلة يحظى فيها هذا النوع من الكتابة بالكثير من الحماسة عند الكتاب الشباب، وهي مسألة يختلف في تحليلها النقاد؛ إن كانت دليل تطور طبيعي في الثقافة وأساليب الكتابة، أم إنها بسبب وهم الاستسهال الذي يتخيله البعض جراء قصر نصوص الهايكو وبساطتها؟
فالنص المختزل المكثف والقصير معروف في الكتابة العربية وقد سمّاه النقاد بقصيدة الومضة، لكن المجموعات التي تنشأ على المواقع الإلكترونية والمسابقات التي يرعاها كتاب شباب على شبكات الإنترنت، جميعها اتخذت تسمية الهايكو شعارا لها، وهو ما يؤكد على شعبية متسعة ينالها هذا الفن وذلك الضرب من الكتابة الشعرية عند الكتاب الجدد، وهي مسألة تحتاج إلى تحليل مستفيض وقراءة متأنية.
______
*العرب

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *