*محمد حسن المرزوقي
يجمع هذا الكتاب، المترجم عن الإنكليزية، بين دفتيه مجموعة من المقالات الثقافية – النقدية للصحافي والروائي الإنكليزي جوروج أورويل، ولضيق المساحة في هذا المكان سأتحدث -فقط- عن المقالة التي حملت الكتاب اسمه «لماذا أكتب؟».
ولئن كان السؤال يتكون من كلمتين لا غير، فإنه يحتمل مئات إن لم يكن آلاف الإجابات. إجابات قد تكون تافهة، وقد تكون سطحية، وقد تكون ساذجة، وقد تكون عميقة إلا أنها لا يمكن أن تكون خاطئة. فمبررات الكتابة تختلف من شخص إلى آخر، بل إنها أقرب ما تكون إلى بصمات الأصابع التي يستحيل أن تتطابق. فغابرييل ماركيز – مثلاً- يكتب «لكي ينال المزيد من حب أصدقائه»، وتوفيق الحكيم يكتب لهدف واحد، هو «إثارة القارئ لكي يفكر». أما محمود درويش فهو يكتب لأنه «بلا هوية ولا حب ولا وطن ولا حرية».
ولكن لماذا يكتب جوروج أورويل؟ يعتقد أورويل أن هناك أربعة دوافع للكتابة توجد بدرجات متفاوتة – بحسب الجو العام- لدى كل كاتب. وأول هذه الدوافع هي «حب الذات الصرف» أو بمعنى آخر «الرغبة في أن تبدو ذكياً.. أن يتم الحديث عنك.. أن تذكر بعد الموت.. أن تنتقم من الكبار الذين وبَّخوك في طفولتك… الخ. من الهراء التظاهر بأن هذا ليس بدافع بل دافع قوي».
أمّا الدّافع الثاني فهو عند أورويل «الحماس الجمالي: إدراك الجمال في العالم الخارجي أو من ناحية أخرى في الكلمات وترتيبها الصحيح.. البهجة من أثر صوت واحد في الآخر.. في تماسك النثر الجيد أو إيقاع قصة جيد.. الرغبة في مشاركة تجربة يشعر المرء أنها قيّمة ويتعين عدم تفويتها». الدافع الثالث سمَّاه أورويل «الحافز التاريخي: الرغبة في رؤية الأشياء كما هي لاكتشاف حقائق صحيحة وحفظها من أجل استخدام الأجيال المقبلة».
أما الدافع الرابع فهو «الهدف السياسي» وهو يعني بذلك «الرغبة في دفع العالم في اتجاه معين: لتغيير أفكار الآخرين حول نوع المجتمع الذي ينبغي عليهم السعي نحوه». بعد أن ينتهي أورويل من سرد الدوافع الأربعة، يؤكد أنه لا يوجد كتاب يخلو من التحيز السياسي، وأن الرأي القائل بضرورة عدم ارتباط الفن بالسياسة هو -بحد ذاته- موقف سياسي. ويسرد أورويل تجربته مع الكتابة فيقول إنه في البداية كان شخصاً «ترجح فيه كفة الدوافع الثلاثة الأولى على كفة الرابع»، أي «الدافع السياسي» لكنه بعد أن مرّ بالفقر وبالشعور بالفشل أدى ذلك إلى تعاظم كراهيته للسلطوية وجعله واعياً للمرة الأولى بوجود الطبقات العاملة، لكن هذه التجارب لم تكن كافية لمنحه توجهاً سياسياً دقيقاً. بعدها جاء هتلر والحرب الإسبانية الأهلية التي أدارت كفة الميزان، ومنذئذ عرف أين يقف. فكل سطر – بحسب أورويل – من العمل الجاد الذي كتبه منذ 1937 قد كتبه بشكل مباشر أو غير مباشر ضد الشمولية، ومن أجل الديموقراطية الاشتراكية كما يفهمها. ينهي أورويل سرد تجربته بقوله: «إن أكثر ما رغبت به طوال السنوات العشر الماضية، هو أن أجعل من الكتابة السياسية فناً!». وربما هذا ما جعل من جورج أورويل واحداً من أعظم كتّاب المقالات في العالم.
______
*الحياة