سيد زيف


*سمير عبد الفتاح

«لم يعد لديك ما يكفي» تحتاج لعبارة مثل هذه لتتوقف. عبارة تنهي كل شيء وتجعلك تستلقي على الأرض وتنام، تدير رأسك يميناً وشمالاً، لا أحد حولك، والصخرة تصدر صوتاً يذكرك بجهاز طبيب الأسنان. 

«انتهى الوقت، لقد فشلت، توقف عن دفع الصخرة …» الصوت انبعث من داخلك، لكنك بحاجة إلى تأكيد خارجي لتتوقف فعلاً. الصوت المنبعث من احتكاك الصخرة بالأرض يهيجك أكثر، فتزيد من قوة دفعك للصخرة لتنتهي بسرعة من هذه المهمة. 
«الآخرون يحتفلون هناك، وأنت هنا…» تشطرك العبارة كحرف حاد، فتفكر بالتوقف لإشعال سيجارة، تتذكر أنهم سحبوا منك علبة السجائر حتى لا يتلوث العالم كما قالوا. تنفخ في الهواء كما تعلمت من كتاب «فن اليوجا» لكنك لا تشعر بأي تحسن «يجب قراءة الكتاب مجدداً، أو البحث عن كتاب آخر.»
يعود صرير الصخرة للتصاعد، فتجز على أسنانك بقوة، تفكر بالمتجر الذي يبيع سدادة الأذان بالإضافة إلى قطع الشكولاتة والبسكويت وعلب العصير… تغمض عينيك وصور محتويات المتجر تمر في مخيلتك، تدخل يدك في جيبك لإخراج النقود، فيتوقف صرير الصخرة.
«ماذا حدث ؟! لماذا توقفت؟!» تتلاشى صورة المتجر وتعود صورة الجبال أمام عينيك، فتدفع الصخرة باتجاه قمة الجبل.
«لدينا عمل، يلزمنا شخص قوي…» 
«فحوص مجانية، وربما استطاعوا حل مشكلتك مع الأرق». يزاحمك صوت آخر ويدفعك باتجاه المستشفى.
«تبدو مشوشاً.» يقلب الطبيب أوراق ملفك وهو يتابع «تحتاج إلى فحوص أكثر…» يقترب الطبيب ويحدق في عينيك : «منذ متى تشعر بهذه الأعراض؟» «لا أعرف؟!» يتراجع الطبيب وهو يهز رأسه:
– سنرى نتيجة كشافة الأشعة المقطعية… لكن هذا الجرح في يدك… 
– أنا أقوم كل يوم بدفع صخرة كبيرة إلى قمة الجبل. 
– لكن يفترض أن لا تجرح يدك!
– لا أعرف . لكنني متأكد أنني جرحتُ يدي أثناء دفع الصخرة. 
يتفحص الطبيب الملف، وهو يهز رأسه بحيرة. ويسألك إن كنتُ قد ذهبت إلى طبيب من قبل. فتهز رأسك بالنفي. تهم بالقول أنك لا تجد سبباً لذهابك إلى طبيب. لكن الطبيب يغادر الغرفة، فتملأ صورة قمة الجبل المجال أمام عينيك. وفكرة أنهم سيعطونك عملاً آخر إذا أوصلت الصخرة إلى قمة الجبل تدفعك لبذل مجهود أكبر.
تمسح العرق ويرتفع الصوت مع وصولك إلى قمة الجبل «حان الوقت لتناول حبوب الدواء».
تخرج علبة الأدوية والصخرة تتدحرج إلى الأسفل. 
يعطيك الطبيب ورقة :
– ستتناول بعض الأدوية مؤقتاً لتستطيع النوم، وبعد الفحوص سنعطيك الدواء اللازم. 
– والصخرة؟
– أدفعها مجدداً إلى القمة. سأذكر هذا في تقريري. 
– وهل سيدفعون ليّ مقابل العمل الإضافي؟ 
تنـزلق الصخرة للأسفل. فتتغير الصورة أمام عينيك. تنظر بخوف إلى الطبيب «مازلتُ أسير صورة دفع الصخرة، لم تنفع الأدوية، الأصوات والأحلام والصخرة تطاردني وتمنعني من النوم». يدفع الطبيب بآلة حفر الأسنان في فمك وهو يطلب منك الصمت. يرتج جسدك كله وآلة حفر الأسنان تثقب سنك، وينسال العرق غزيراً على وجهك ورقبتك. 
«منذ زمن طويل جداً وأنا في الخارج… أريد العودة للداخل، أريد التحرك في العالم الحقيقي…» يقاطعك صوت «عليك إنهاء عملك». فتدفع الصخرة، تفكر بدفع الصخرة – بدلاً عن القمة – إلى كرسي طبيب الأسنان ليحفر فيها فجوة تمكنك من إدخال حبوب الأدوية إلى جوف الصخرة لعلها تهدأ وتنام.
__________
قاص من اليمن(نزوى)

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *